كورونا والتعليم عن بعد… للقضية بقية

محمد منفلوطي_هبة بريس

لا يختلف فيه اثنان، ولا ينتطح فيه عنزان، كون قطاع التعليم يعتبر العمود الفقري للمجتمعات وعصب الحياة بها، وقد أبانت جائحة كورونا التي ألقت بأزمتها الاقتصادية والاجتماعية على المشهد العام، عن الدور الريادي لهذا القطاع الحيوي المرتبط أساسا بتطوير المهارات العلمية والبحث الأكاديمي والتطور التكنولوجي للعنصر البشري، لاسيما وأن العالم اليوم وقف معترفا بدور العلم في مجابهة المخاطر الذي تهدد البشرية وعلى رأسها فيروس كورونا الخفي الذي وحّد العالم بأسره حول مسألة إعادة ترتيب الأوراق من جديد ونفض الغبار عن القطاعات الحيوية وعلى رأسها التعليم، والدعوة الملحة إلى ضرورة تأهيليه وتحفيزه أطره وتوفير كافة الوسائل اللوجستيكية الكفيلة بتطوير البحث العلمي وتشجيع الطاقات الشبابية والتمسك بها لوقف نزيف هجرة الأدمغة.

إن أزمة كورونا، قد أعادت لقطاع التعليم عزه ومجده وهيبته، إسوة بباقي القطاعات الحيوية الأخرى كالصحة مثلا، وكان لهذه الجائحة الأثر الايجابي في رسم خرائط جديدة للسياسات العمومية تماشيا ومقولة مصائب قوم عند قوم فوائد، إذ أرغمت هذه الجائحة العديد من الدول على مراجعة تعاملها مع هكذا قطاعات حيوية، وانصافها والدفاع عنها في مواجهة من كانوا يعتقدون أنها قطاعات غير منتجة ولا دور لها داخل المجتمع، لكن سرعان ما اكتشف المستور بعد تفشي هذا الفيروس القاتل ليعيد صياغة المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي داخل الدول واعطاء الأولويات للقطاعات التي أبانت عن مواقفها النبيلة ودورها الريادي في ساحات الحرب في مجابهة هذه الجائحة.

فما أن ألقت أزمة كورونا بظلالها على قطاع التعليم، حتى سارعت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي إلى رفع درجة التأهب معلنة من الوهلة الأولى على اتخاذ حزمة من الاجراءات من بينها اغلاق المدارسَ المؤسسات التعليمية والجامعات والمعاهد وغيرها تقليلا من فرص انتشار هذا الوباء العالمي، من خلال إطلاق عملية “التعليم عن بعد” وذلك لضمان الاستمرارية البيداغوجية، وتوفير مضامين رقمية مصنفة حسب الأسلاك والمستويات التعليمية وكذا المواد الدراسية، وهي العملية التي تأتي في إطار التدابير الاحترازية والوقائية التي اتخذتها بلادنا من أجل مواجهة انتشار وباء كورونا”كوفيد-19″ بتعليمات سامية من صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره، وسعيا لضمان الانصاف وتكافؤ الفرص وتقليص الفوارق بين الأسر التي تتوفر على التجهيزات وتلك التي لا تتوفر على هذه التجهيزات وأخذا بعين الاعتبار وضعية بعض المناطق بالعالم القروي الغير مربوطة بشبكة الأنترنيت، فقد شرعت الوزارة في بث الدروس المصورة عبر القنوات التلفزية العمومية، مكنت من تغطية جميع المستويات الدراسية من السنة الأولى ابتدائي إلى السنة الثانية بكالوريا، ناهيك عن انشاء العديد من الأقسام الافتراضية لأجل تمكين الأساتذة من التواصل المباشر مع تلاميذهم عبر الخدمة التشاركية المدمجة في منظومة مسار.

أما بخصوص قطاع التعليم العالي، فإن الجامعات تتوفر على منصات إلكترونية مكنت الأساتذة الباحثين من وضع محاضراتهم ودروسهم رهن إشارة الطلبة، وعلى مستوى قطاع التكوين المهني، أعطت الوزارة ومكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل الانطلاقة الرسمية لبوابة إلكترونية “للتعليم عن بعد”، ووفرت إمكانية خلق “أقسام افتراضية” من أجل التواصل المباشر بين المكونين والمتدربين عبر الخدمة التشاركية، ومن أجل تيسير الولوج إلى مختلف المنصات الإلكترونية وتمكين جميع التلاميذ والطلبة والمتدربين من متابعة التحصيل الدراسي والعلمي في أفضل الظروف الممكنة، وبتنسيق مع وزارة الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي والوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات، قررت شركات الاتصالات الثلاث، أن يصبح الولوج مجانيا بصفة مؤقتة إلى جميع المواقع والمنصات المتعلقة ب”التعليم أو التكوين عن بعد” الموضوعة من طرف الوزارة.

ونظرا للوضعية الاستثنائية التي تعيشها بلادنا والتطورات التي عرفتها مؤخرا وضمانا للاستمرارية البيداغوجية وتفاديا للآثار السلبية التي قد يسببها أي توقف في التحصيل الدراسي والعلمي الذي يتم حاليا من خلال التعليم عن بعد، فقد عملت الوزارة على مواصلة التعليم والتكوين عن بعد دون توقف وبالتالي تم تأجيل العطلة الربيعية التي كانت مقررة وذلك بالنسبة لجميع الأسلاك الدراسية التابعة لقطاعات التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، كما عملت الوزارة على إدراج حصص للدعم والتقوية عن بعد بشكل تدريجي في شبكة برمجة دروس التلفزة المدرسية التي يتم بثها عبر القنوات التلفزية.

وأخيرا….كورونا تعيد للمؤسسات التعليمية مكانتها داخل المجتمع

إن الطابع الفجائي الذي ميّز فترة الحجر الصحي، أرغم الآباء والأمهات على البقاء لفترة طويلة جنبا إلى جنب مع أبنائهم بالمنزل، مما يحتم عليهم إيجاد طرق توازن بين مواكبتهم لمشوارهم الدراسي عن بعد والبحث عن أنشطة موازية وضبط تحركاتهم وحركاتهم داخل البيت، ومنهم من بات يعيش ضغطا نفسيا رهيبا في تعاملهم معهم بلغ مبلغ عدم القدرة على احتوائهم، ومنهم من وقف معترفا بالدور الرئيسي والمحوري الذي تقوم به المؤسسات التعليمية والأطر العاملة بها في تهيئة النشأ وتهذيب النفوس وتحسين الأخلاق وتطوير المعارف، ومن الآباء من وجد نفسه في هذه الفترة الزمنية يمتحن قدراته على التعامل مع هذا الوضع المستجد عليه وعلى أبنائه، ليستسلم في الأخير ويرفع الراية البيضاء ويعترف بالإكراهات والمشاكل التي تواجه نساء ورجال التعليم طيلة السنة، لينفجر قائلا: “الله يكون في عونكم …”.

إن أزمة كورونا وعلى علتها، كان لها الفضل في إعادة ترتيب العلاقات داخل البيت الأسري في الشق المتعلق بالجانب التواصلي، كما ساهمت في التنقيب عن العديد من المهارات المعرفية والقدرات التي كانت مضمرة لتخرج إلى العلن وتُكشف مع مرور الزمن، كما منحت الفرصة للعديد من الآباء لتشخيص واقعهم الأسري والوقوف على مكامن الخلل ومعالجتها، وتحمل المسؤولية في مواكبة أطفالهم والعمل على توفير الظروف المواتية لهم من أجل التحصيل الدراسي عن بعد وفق برنامج مضبوط يتماشى والبرمجة التي وضعت الوزارة والتي تراعي التدرج البيداغوجي للتعلمات.

أزمة كورونا في المقابل، أبانت عن المعدن الحقيقي لنساء ورجال التعليم، والمكونين والمفتشات والمفتشين وجميع الأطر التربوية والإدارية والتقنية مركزيا وجهويا وإقليميا، وانخراطهم اللامشروط في جميع التدابير التي اتخذتها الوزارة والتي من شأنها ضمان الاستمرارية البيداغوجية، وكذا الدور الريادي لكافة الشركاء الذين ساهموا في المجهودات المبذولة من أجل مواصلة التعليم عن بعد.

أكاديمية التعليم البيضاء سطات…نموذج من نماذج شتى

تنفيذا للتعليمات الوزارية، وفي إطار تفعيل خطة الاستمرارية البيداغوجية للحفاظ على الزمن المدرسي انسجاما والاجراءات الاحترازية المتبعة للحد من انتشار فيروس كورونا ببلادنا، وتشجيعا لكافة الاطر الادارية والتربوية على الاشتغال من منازلهم من اجل تنزيل برنامج عمل “التعليم عن بعد”، الذي تم القيام بوضعه، مع السهر على تتبع حسن تنزيل هذه الاجراءات من اجل اجتياز هذه الوضعية الاستثنائية في افضل الظروف التي تسمح بالمزاوجة بين الوقاية الصحية وتأمين التحصيل الدراسي، جنّدت الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين البيضاء سطات، فرق تربوية وادارية جهوية واقليمية متكاملة لإنجاح هذه المحطة، حيث أعطيت تعليمات لكافة المديريات الاقليمية للانخراط في هذا الورش التعليمي عن بعد من خلال انتاج الكبسولات المصورة وتوزيع كراسات الدعم على المتعلمين بالعالم القروي والمناطق النائية.

النموذج هنا نسوقه من المديرية للتعليم بسطات، حيث عرفت الأخيرة عقد سلسلة من الاجتماعات مع مختلف الفاعلين والمتدخلين عن بعد، بهدف وضع خطة عمل موحدة لمأسسة التواصل عن بعد، وتوحيد الجهود في إطار العمل المشترك بين مختلف الاطر بالإقليم ، و العمل على النشر عبر مواقع التواصل الرقمي مختلف المستجدات في هذا المجال، وكذا الدلائل الرقمية والتفاعلية والملصقات وغيرها، و مواكبة التلاميذ والإجابة على مختلف أسئلة التلاميذ وانشغالاتهم.

هذا وقد تم إعداد مجموعة من الموارد الرقمية والدروس المصورة في مختلف المواد والتخصصات والمستويات، ضمن مجهودات ساهمت في الحفاظ على الزمن المدرسي في زمن كورونا، كما خلفت نوعا من الارتياح بين صفوف الاسر، وذلك تحت اشراف فريق اقليمي يشتغل طيلة الاسبوع وبشكل متواصل يتكون من رؤساء المصالح بالمديرية ومديرات ومديري المؤسسات التعليمية بمختلف الفئات داخل الاقليم، واطر التفتيش، وأطر التوجيه، والاطر التربوية التي عملت على إعداد الدروس الرقمية، وارسالها الى الجهات المختصة قصد تتبعها وتقييمها من قبل خلية، وهي أشغال همّت إعداد دروس جميع الاسلاك بما فيها التعليم الأولي، والتربية الدامجة غير النظامية، والتعليم الابتدائي والاعدادي والثانوي، للعمل على تأمين استمرارية الدراسة وانتاج الموارد الدراسية وذلك بفضل انخراط الجميع بما فيهم جمعيات الامهات والآباء وبعض الفعاليات الجمعوية، وعياً من الجميع لما تقتضيه الظرفية من انخراط جدي وتواصل فعال خدمة للمنظومة، هي مناسبة للتذكير بالمجهودات المحمودة والانخراط الجدي الذي أبانت كافة مكونات المنظومة التعليمية الذي انخرط افرادها طواعية وبحس وطني لضمان الاستمرارية البيداغوجية ولو عن بعد، عبر انتاج موارد رقمية ودروس مصورة انسجاما مع التوصيات الوزارية في هذا الشأن.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى