المحامون المغاربة هم في حاجة الآن فقط إلى هذه الأصوات !

الدكتور رشيد وهابي
المحامي بهيئة الجديدة
maitre4ouahabi@gmail.com

في هذا الوقت بالضبط وبعد دخول المحامين المغاربة في شهرهم الثالث من توقفهم عن العمل وملازمة منازلهم ، هم محتاجون بشكل أكبر لكل صوت يغرد من سربهم من أجل طرح الحلول وإيجاد السبل السريعة للخروج ولو بشكل تدريجي من الأزمة التي باتت تهدد وجودهم وتجعل فئة كبيرة منهم مهددين بالتوقف عن دفع قروضهم وأداء أجور مستخدميهم ، والتأثير بشكل مؤلم على طريقة عيشهم وتوفير الحاجيات المادية لأسرهم ، ونحن غير محتاجين لمن يغرد بعيدا عن هذه السمفونية ، وسبب طرحي هذا هو أنني ما زلت أتعجب وأستغرب وأنا أتابع بعض الندوات التي تُعقد عن بعد التي ناقشت توقف العمل بالمحاكم والمحاكمات عن بعد ، لأصوات محترمة كل ما يمكن أن تقدمه فقط في هذا الوقت الاستثنائي الذي نعيشه هو المعارضة في تحريك المحاكمات عن بعد وإدخال التقنية إلى المحاكم لبعث الحياة في المحاكم وإعادتها إلى دورة عملها ولو بشكل تدريجي ، وإذا كانت طروحاتهم ومعارضتهم من الناحية القانونية والشرعية معقولة لا يمكن أن نختلف معهم فيها ، فإن ما يحز في النفس هو أن يضعوا العصى فقط أمام العجلة التي تستعد لتحريك عربة العدالة التي ستحملهم وتحمل أبنائهم على ظهرها ، وتُخرجهم من حالة الجمود التي يعيشونها ، بدل أن يسارعوا لوضع الحلول وتقديم التوصيات إلى السلطات التشريعية والحكومية والقضائية ، ويكفي أن يبدؤوا كما قلنا سابقا إلى دعوة هيئات المحامين التي ينتمون إليها إلى وضع خلايا أزمة تتكلف بوضع كل السيناريوهات والحلول الممكنة ، ووضع تصماميم ومخططات لبعض النصوص التشريعية التي يمكنها أن تعزز القوانين الإجرائية لكي تتوافق مع مستجدات الأزمة التي فرضها علينا فيروس كورونا ، لا يمكن ونحن نعيش في هذه الأوقات السوداء أن نُنظر ونحن نَنْظر إلى الماضي ونتمعن فيه بعقلية من يعيش في الأوقات العادية ، بل يجب أن نُقبل عليه بعقلية من يعيش ظروفا استثنائية من أجل وضع المخارج لما نعيشه من أزمة ، وما لاحظته كذلك هو أن جميع المتدخلين يضيعون وقتا كبيرا ومجهودات جبارة وكبيرة في وصف ما يقع وفي انتقاد القرارات التي اتخذت في قطاع العدالة ، ولو كانت هذه المجهودات المحترمة سُخرت للبحث والتنقيب على الحلول التشريعية والقانونية والعملية والمهنية للخروج من هذه الآزمة منذ الأسبوع الثاني من بداية الآزمة ، لكنا بدأنا على الأقل في شهرنا الثالث في فتح أبواب المحاكم وتوزيع العدالة بين الناس ، لكن أن نستمر ونحن في الشهر الثالث في مناقشة مدى مشروعية القرارات المتخذة وضرورة التريث في عرض مشروع عصرنة قانون المسطرة المدنية والجنائية ، في الوقت الذي لدى كل هذه الفعاليات الوقت الكافي بحكم عدم انشغالهم بملفات مكاتبهم ، لتنقيح هذه المشاريع وتعزيزها بتصوراتهم بسرعة لن تقتل في الوقت الحالي بقدر ما ستحيي ، والجهر بأصواتهم في مختلف الوسائل والتنسيق مع الوزراء والبرلمانيين المحامين لكي يدافعوا وينافحوا عن تصوراتهم ، والضغط بكل الوسائل لتصل إلى فترة المصادقة الحكومية بسرعة ، وبعدها تمريرها إلى السلطة التشريعية لكي تنقح ما تنقح فيها وتسارع للموافقة عليها ، ونشرها بالجريدة الرسمية في أسرع وقت ممكن ، ولا أعتقد أن هناك من سيعارض لا في الحكومة ولا في البرلمان تعديلات قانونية سترجع قطاعا مهما للعمل بشكل آمن ومتوافق مع الإجراءات التي اتخذتها الدولة لمحاصرة الوباء ، ولا هناك من سيغامر بالاستمرار في تعطيل العدالة إلى أجل غير معروف ، لأن ذلك سيعني انبثاق بحث متواصل عن الوصول إلى العدالة بطرق أخرى دفنتها العدالة الحديثة ، ولا يمكن أن نتمسك بأي سبب يمكن أن يدفعنا إلى أن نطلب تأخير مناقشة مشاريع ستعجل بعودة الحياة إلى محاكمنا بأسرع وقت ممكن وستعود معها مكاتب المحامين للعمل ، أما أن نستحلي الجلوس في منازلنا ومكاتبنا مقفلة وجيوب أغلب المحامين أصبحت تعاني وتأن بحكم العطالة التي يعيشونها و كل الأخبار التي ترد تباعا تؤكد على أن مقام الفيروس بيننا سيتسمر وسيطول ، ونستمر في التفكير بنفس الطريقة التي نفكر بها الآن ، فلعمري هي سُبل لن تكون مفيدة لنا ولعدالتنا وستنزل علينا مصائبها بعد حين تباعا ، وكم هو مُخجل أن نجد داخل أروقة وزارة العدل و السلطة القضائية من يدافع ويعمل على تقديم الاقتراحات لإعادة العمل إلى المحاكم بطرق مستجدة ونجد بيننا من يهاجم هذه الورود التي تقدم لنا في هذه الأوقات المؤلمة والتي ستُرجع المحامين إلى العمل ، محامو المغرب لا قضية ولا ملف لهم حاليا يمكنهم أن يدافعوا عنه مثل ملفهم ، وهو ملف مصيري ومتعلق بمستقبل استمرار أغلب المحامين في المقاومة والصبر طيلة الأيام الماضية ، وإذا لم يسارع جهاز الدفاع من خلال نقبائهم و مجالسهم للبحث عن الحلول ، فإن الأمور ستسوء أسبوعا بعد أسبوع ، وستنتهي أموال النقابات ومدخرات المحامين وستقع الكارثة التي لا نريد أن نصل إليها ، ونحن نترجاكم للتفكير بسرعة ودون انتظار لكي نتفاداها .
قطاع المحاماة الآن غني بمجموعة كبيرة من الفعاليات الشبابية التي دخلت هذه المهنة وترسمت في جداولها قبل بضعة سنوات ، ويشقون مسارهم المهني في ظل ظروف كانت صعبة جدا بالنسبة لهم بدون فيروس كورونا ، فكيف تراهم يتحملون مع ما يجري وما يقع الآن ويصبرون على إغلاق المحاكم وتوقف مكاتبهم عن العمل دون أن تسارع مجالسهم لكي تجتمع بشكل مستعجل ودائم عبر ندوات عن بعد كما تفعل بعض الجمعيات لمناقشة قضاياهم وطرح الإشكاليات المختلفة التي يعيشونها واقتراح الحلول لتجاوزها . أنا أعرف جيدا أن قانون المهنة لا يمنح للمجلس والسادة النقباء الحق في تقديم مقترحات لتعديل القوانين ، وهو مشكل آخر يجب أن يعمل السادة النقباء والمجالس مستقبلا على تعزيز مهام المجالس بالتنصيص على حقها في تقديم اقتراحات قانونية إلى الفرق البرلمانية والحكومة بصفة رسمية لتعديل قانون المهنة وطرح حلول للمشاكل التي تهم عملهم بالمحاكم وتهم قطاع العدالة ، فهم لا يقلون شأنا عمن يقدم هذه المقترحات ولكن في وقتنا هذا وفي ظل الأزمة التي تشدد الخناق على المحاميات والمحامين فأنا متأكد أنه لن يقابل تقديمهم مقترحات وتوصيات وحلول إلى السيد رئيس الحكومة أو وزارة العدل او السلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة والفرق البرلمانية إلا بكل ترحيب لأن الكل الأن يبحث عن مصباح علاء الدين السحري الذي يكون قادرا على جعل العدالة التي تنتجها المحاكم تقف على رجليها بأسرع وقت ممكن كما كانت لتبث في نزاعات الناس كما كانت ، وتقدم مقترحاتهم في شكل توصيات أو مقترحات لتعديل قوانين و يطلبون من المعنيين بأمرها العمل على تضمينها في نصوص تشريعية يتم تقديمها إلى الفرن التشريعي بسرعة وتخرج للتطبيق دون أن ننتظر أو نعارض أو نضع العصا في العجلة كما يقال ، فقد تغفر لك قبيلة المحامين أن تخرج نصا قانونيا بسرعة لتفتح لهم أبواب الأمل من جديد قد يكون به بعض الإعوجاج الذي يمكن أن يستقيم بالاجتهاد أو التفسير القضائي أو بتدخل تشريعي مستعجل لإصلاحه ، ولكنها لن تغفر لك وهي تراك تُعارض وتنتقد بشدة ودون مهادنة كل من يريد أن يفتح لهم أبواب الاشتغال والرجوع إلى المحاكم دون أن تُقدم لهم الحلول ودون أن تجتهد لتُبعدهم عن الحفرة الكبيرة المجهولة التي باتوا يقتربون منها يوما بعد يوم .
ولكن ما يثلج الصدر وما يبعث على الأمل هو أن نجد أن هناك بعض النقابات بدأت تُقدم على عقد لقاءات مع المسؤولين القضائيين لكي تصل إلى حلول عاجلة لعودة العمل بالمحاكم و انعقاد الجلسات ، وهو ما قام به السيد نقيب هيئة المحامين بالدار البيضاء وبعض أعضاء مجلسها المحترمين حسب ما وصل إلى علمي خلال الأسبوع الماضي بعد عقدهم لقاء مع رئيس المحكمة التجارية بالدار البيضاء تم الاتفاق فيه على بداية عملية تجريبية خلال هذا الأسبوع باستغلال الإمكانيات التي تمنحها المنصة الرقمية لإنجاح التجربة ، وكذلك مبادرة السيد نقيب هيئة المحامين بالجديدة والسادة أعضاء المجلس المحترمين في لقائهم بالسيد رئيس المحكمة الابتدائية بالجديدة للعودة تدريجيا لعمل كتابة الضبط بإرسال طلبات المحامين عبر تقنية البريد الالكتروني أو عبر الواتس اب لموظفين تم اختيارهم لهذه المهمة ، ورغم أن التواصل الإلكتروني بين المحامين وموظفي المحاكم ليس هناك لحد الآن أي نص قانوني ينظمه أو ينص عليه ، ولكن توافق النيات الحسنة بين الجميع لتجاوز شلل المحاكم جعلت الجميع يجتهد لكي يجد حلولا آنية لبعض المشاكل دون أن ينتظر صباح النصوص الذي يمكن أن يطول . ولعل الخبر الذي نزل كذلك على السادة المحامين بردا وسلاما يوم الخميس 21/ 05/2020 ، هو اجتماع السيد الرئيس المنتدب للسلطة القضائية ورئيس النيابة العامة والسيد وزير العدل والسيد رئيس جمعية هيئات المحامين بمحكمة النقض لوضع الخطط لإعادة الحياة بشكل تدريجي وآمن للمحاكم المغربية إجراءات وجلسات بعد انتهاء مدة الحجر الصحي ، وهو الخبر الذي وإن كان تأخر بعض الشيء ولكنه كان خبرا مهما سيبعث الأمل في قلوب المحامين والمهن المرتبطة بالعدالة وكل مرتفقي العدالة ، ومثل هذه المبادرات التي ستتقوى بمشاركة جماعية وتشجيع ومساهمة علمية واقتراحية من المحامين المغاربة هي التي نحتاج إليها بدون انتظار في هذه اللحظات ومعها كذلك كل الأصوات التي تبحث لنا عن حلول للخروج من النفق الذي نسير في ظلمته منذ عدة أسابيع ، أما الأصوات التي تنتقد فقط دون أن تقدم الحلول فنحتاجها أيضا ، ولكن في وقت الرخاء والظروف العادية ولا نحتاج إليها في هذا الوقت بالذات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى