النــقـــابــات والأزمـــة

بقلم : الحاج الكوري

يستفيد المواطن حاليا من العديد من الحقوق والحريات الأساسية ودلك مثل الحق في الصحة والحق في الأمن والحق في الأجر والحق في الضمان الاجتماعي والحق في الشغل والحق في التكوين والحق في تأسيس جمعيات والحق في الانتماء النقابي والسياسي ،ونظرًا لأهمية هذه الحقوق فقد تم تكريسها في العديد من الاتفاقيات والمواثيق الدولية مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 كما تم إعطاء هذه الحقوق مكانة وقيمة دستورية في العديد من دساتير العالم ومن بينها الدستور المغربي لسن 2011 الذي خصص الباب الثاني منه للحقوق والحريات الأساسية ودلك في 21 فصل وينص الفصل 19 من هذه الفصول على ما يلي (يتمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الواردة في هذا الباب من الدستور وفي مقتضياته الأخرى وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية كما صادق عليها المغرب وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها …….)

من بين هذه الحقوق والحريات الأساسية نجد الحق في الحرية النقابية الذي أقرته كل الدساتير المغربية ومن بينها الدستور الحالي لسنة 2011 الذي ينص في فصله 8 على ما يلي (تساهم المنظمات النقابية للأجراء والغرف المهنية والمنظمات المهنية للمشغلين في الدفاع عن الحقوق والمصالح الاجتماعية والاقتصادية للفئات التي تمثلها وفي النهوض بها ويتم تأسيسها وممارسة أنشطتها بحرية في نطاق احترام الدستور والقانون ….) كما نص الفصل 9 من الدستور على أنه لا يمكن حل الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية أو توقيفها من لدن السلطات العمومية إلا  بمقتضى مقرر قضائي وإذا كان الدستور المغربي قد نص صراحة على أن الحق النقابي هو من الحقوق الأساسية فإن مدونة الشغل التي تعد الإطار القانوني الأساسي لتنظيم النقابات قد وضحت بتفصيل مهام هده النقابات بحيث جاء في الفصل 396 من هذه المدونة ما يلي ( تهدف النقابات المهنية بالإضافة إلى ما ينص عليه الدستور إلى الدفاع عن المصالح الاقتصادية والاجتماعية والمعنوية والمهنية ،الفردية منها والجماعية، للفئات التي تؤطرها وإلى دراسة وتنمية هده المصالح وتطوير المستوى الثقافي للمنخرطين بها كما تساهم في التحضير للسياسة الوطنية في الميدانين الاقتصادي والاجتماعي ، وتستشار في جميع الخلافات، والقضايا التي لها ارتباط بمجال تخصصها) واذا كانت النقابات تتمتع بالعديد من الحقوق التي وردت كذلك في الفصول 403 إلى 408 من مدونة الشغل فإن الملاحظ أن وظائف وهمام النقابات كثيرة وصعبة في آن واحد بحيث نلاحظ أن الدستور لم يعطيها فقط مهمة الدفاع عن حقوق المنخرطين وإنما حتى عن مصالح هؤلاء كما أن مدونة الشغل لم تعط للنقابات فقط حق الدفاع عن المصالح الاقتصادية والاجتماعية وإنما أعطتها كذلك صراحة حق الدفاع أيضا عن المصالح المعنوية والمهنية للمنخرطين كما أن كثرة مهام النقابات تتجلى في قيامها بمهام تمثيلية ودفاعية واستشارية وتعاقدية واقتصادية واجتماعية وثقافية وتكوينية، أجل إن النقابات في بلادنا قامت ولازالت تقوم بالعديد من الوظائف الإيجابية في مختلف المجالات ذات الصِّلة بمهامها وهنا لابد من التذكير بالاستقبال الذي حظيت به المركزيات النقابية من قبل جلالة الملك مباشرة بعد جلوسه على عرش أسلافه الميامين كما دعا جلالة الملك الحكومة في الذكرى 19لخطاب عيد العرش إلى (أن تجتمع بالنقابات وتتواصل معها بانتظام بغض النظر عما يمكن أن يفرزه هذا الحوار من نتائج )

إذا كانت كل المؤسسات والهيئات الوطنية منخرطة في الظروف الحالية في التصدي لوباء كوفيد 19 فإنه يمكن التساؤل في جو هذه الأزمة عن مساهمة النقابات

من بين الأمثلة على مساهمة النقابات موافقتها إلى جانب الدولة على مساهمة الاتحاد العام لمقاولات المغرب في دعم صندوق مواجهة وباء كوفيد 19 بمبلغ مليار درهم ومساهمة اللجنة المكلفة بتدبير العقود الخاصة بالتكوين بمبلغ 500مليون درهم كما وافقت النقابات على مساهمة الموظفين في دعم الصندوق المذكور ،أجل إن النقابات المغربية تتمتع الآن بموقع هام جداً لأن الدساتير السابقة أي دستور 1962و 1970و1972و1996 كلها نصت في الفصل 9 منها على شيء واحد فقط هو حرية تأسيس النقابات والانخراط فيها،  أما الدستور الحالي لسنة 2011 فقد ذهب أبعد  من ذلك فأقر أن النقابات لها دور المساهمة في الدفاع عن الحقوق والمصالح والنهوض بها كذلك وهذا ما يعطي للنقابات حق المساهمة مع السلطات المختصة ومنظمات المشغلين في كل القضايا الوطنية المستعجلة المرتبطة بالأزمة التي تدخل في اختصاصها وذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي ومن القضايا التي يتعين استحضارها ومناقشتها بين السلطات المختصة ومنظمات المشغلين والمنظمات النقابية في الظروف الراهنة ما يلي:

-التفكير في البحث عن حلول جديدة وممكنة تكميلية لدعم الحماية الاساسية التي قررتها السلطات المختصة لفائدة الأجراء المتوقفين عن العمل بسب وباء كوفيد 19

-توسيع الحماية المقررة لتشمل أكبر عدد ممكن من الأشخاص وذلك مثل أصحاب سيارات الأجرة المتوقفين عن العمل بسب حظر نقل المسافرين بين المدن والعمال المستقلين وأصحاب التعاونيات الصغيرة في المدن أو القرى

-البحث عن حلول إضافية لدعم حماية المقاولات والإجراء على السواء لأن عدد المقاولات والأجراء الذين تضرروا من الأزمة الحالية يعد بالآلاف

-دعوة فئات الأُطر المنخرطة في النقابات إلى مد يد المساعدة إلى فئة الأجراء العاديين الذين يتقاضون فقط الحد الأدنى للأجر خاصة ونحن على استقبال شهر رمضان المبارك الذي تزداد فيه الرغبات الاستهلاكية لدى الأسر المغربية

-دعوة الأُطر الطبية وشبه الطبية والتمريضية في القطاع الخاص إلى التطوع والالتحاق بالأطر الصحية سواء في المستشفيات الرسمية أو الميدانية من أجل المساهمة في علاج المصابين بالوباء .

الأستاذ الدكتور الحاج الكوري / أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس

كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية / أكدال الرباط

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى