الاجتهاد الديني أمام تحديات زمن الرقمنة

عبد اللطيف مجدوب

 

تتعاظم الأسئلة والتساؤلات بشأن أدائنا لشرائعنا وفرائضنا الدينية ، اليومية منها والمناسباتية ، في زمن انتشار وباء كورونا ، والالتزام بالتدابير الاحترازية للوقاية منه ، كتحاشي الاختلاط ثم الحجر الصحي الكلي ، ويعتقد الجميع أنها مناسبة ؛ ونحن على بعد بضعة أيام من الشهر الفضيل رمضان ؛ لمجلسنا العلمي الأعلى والمجالس العلمية الجهوية لرفع التحدي أمام حالات ووضعيات عباداتية ، تستدعي فتح باب الاجتهاد والاحتكام إلى فقه الضرورة والابتعاد ما أمكن عن التمسك بالنصوص في وجود حالات اضطرارية ؛ طالما أن الغاية القصوى التي يبتغيها كل مسلم هي أداء فرائضه التعبدية ونيل مرضاة الله ، بصرف النظر عن عاملي الزمكان والأشخاص ، وحتى تتجلى الصورة بوضوح ، نورد فيما يلي جملة من الحالات وكيف استقيناها من السلف حتى انتهت إلينا في وضعيات جديدة داخلها الاجتهاد :

* تلاوة القرآن في الصلاة ؛ فقد دأب المصلي على عادة متواترة تقضي بتلاوته القرآن من صدره أو سماعه من إمام في صلاة الجماعة ، ففي حالة صلاة الفذ إن لم يكن يحفظ سورا منه سيلجأ إلى مصحف منشور بين يديه لاستكمال صلاته ، فإن لم يكن سيستخدم هاتفه الذكي ( كما بتنا اليوم نشاهده خلال صلوات التراويح ، سواء كان في صلاة الجماعة أو صلاة الفذ ) .

* الأذان ؛ هل الأذان الصوتي المباشر يتميز عن المسجل منه ؟ وما وجه (الاستحباب والاستكراه والوجوب .. ) إن تم تعويض الصوتي المباشر بالمسجل لضرورة طارئة .. ؟

* الصلاة من وراء حاجز أو جدار ؛ هناك جوامع ومساجد تتسع أفنيتها لعشرات المئات من المصلين ، كما الحال في المسجدين الحرمين ومسجدي حسان والحسن الثاني ، فقد كانت العادة ؛ حتى أواخر السبعينيات من القرن الماضي ؛ تقضي بوجود “مأمومين ومسمّعين” منتشرين في أركان ونواحي المسجد يرددون ويسمّعون القيام والركوع والسجود والتسليم ، لكن بعدها تمت الاستعاضة عنهم بأبواق منبثة هناك تردد صلاة الإمام على بعد عشرات الأمتار ، يقتدي بها المصلون ، وإن وقع بها خلل تحولت الصلاة إلى تقليد من هم في الواجهة الأمامية ؛ يركعون لركوعهم ويقومون لقيامهم ويسجدون لسجودهم ويسلمون لتسليمهم ، وهناك مساجد ؛ اجتهد القيمون عليها في بث شاشات تلفزية تنقل مباشرة صلاة الإمام . والسؤال هنا أو بالأحرى رفع التحدي هو ما ضير من اعتمد هذه الطريقة “التلفزة” في صلاته بالمنزل ، يقتدي بإمام على الشاشة ؟

* حالات مرضية ؛ هناك حالات تقعد بالمصلي عن أداء الصلاة جماعة بالمسجد (هل هذه الحالة المرضية تستوي حسناتها مع صلاة الجماعة ، طالما كانت هناك نية بقضائها في المسجد وليس المنزل ؟) .

* حالات اضطرارية ؛ هناك حالات مانعة لصلاة الجماعة تستجد في كل الأزمنة وترفع الكلفة عن المصلي في أداء الصلاة جماعة (كالخوف والأمطار واللصوص أو انتشار وباء كفيروس كورونا ) ؛ والسؤال المستجد ؛ طالما كانت هناك مسافة جغرافية تفصل بين الإمام والمأموم المصلي ، ألا يمكن لمصلي الاقتداء بإمام في صلاة منقولة على الشاشة (كما تابعنا في الحالة الثالثة) ، هل تستوي حسنات صلاة الجماعة مع صلاة “الفذ” مقتديا بصلاة جماعة منقولة على الشاشة مباشرة ؟

وإذ نثير جملة هذه التساؤلات ومحاولة نقلها إلى فقهائنا ، نعلم أن القاعدة الذهبية {{ يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}} البقرة :185 هي مفتاح المؤمن للولوج إلى عبادة خالقه ، غير أن علماء الدين وفقهاءنا يلزمهم قليلا من التروي والارتقاء إلى واقع اللحظة التي يعيشها العالم الإسلامي والأسرة البشرية قاطبة ، وتحاشي الانغلاقية واللواذ بالنصوص ، بل عليهم مناقشتها ولكن في ضوء هذا الواقع المحموم ، حتى يكون هناك توافق بين فتاويهم واجتهاداتهم من جهة وبين فضيلة “الدين يسر” من جهة أخرى .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى