رسالة لمن أزعجهم “الفايد”.. هل بسجن الرجل ستحل مشاكل المغرب و تعيشون في هناء؟
مقال رأي
ياسين الضميري
بمجرد أن تفتح حسابك الفايسبوكي، تتراءى لعينيك عشرات التدوينات تختلف في التوجهات و العبارات لكنها تتوحد جميعها في مضمون واحد و هو “الفايد”، هذا الرجل الذي استأثر في الأيام الأخيرة بالسواد الأعظم من اهتمامات مغاربة مواقع التواصل الاجتماعي، لدرجة أنه بين كل تدوينة و تدوينة تجد واحدة تتحدث عن الرجل.
بين من يكتب عنه بشغف و احترام و يحرص على وصفه ب”الدكتور” و بين من ينتقده حد الإساءة و التجريح و يصفه ب”العشاب” تارة و بألقاب أخرى تعبر عن مستوى أصحابها الفكري قبل الأخلاقي.
محمد الفايد، هذا الرجل الذي فاقت شهرته حدود الوطن منذ سنوات، و له مئات المقاطع المصورة على الشبكة العنكبوتية، يستهل دائما نصائحه بآيات من القرآن الكريم و أحاديث من السنة و مواعظ من السلف، تعرض في الآونة الأخيرة لهجوم حاد و شرس وصل مداه الأقصى حين قام عدد من الأشخاص برفع شكاوي إلكترونية ضده لأسباب متعددة.
طيب، لن نخوض في تفاصيل و أسباب و خلفيات من هاجم محمد الفايد، كما أنه لن نتوقف عند مرجعيات المدافعين عنه و ما أكثرهم، بل سنتجاوز كل هذا النقاش العقيم لنطرح سؤالا بريئا على كلا الطرفين، مفاده “هل بسجن الفايد ستحل مشاكل المغرب و نعيش جميعا في رخاء و هناء؟”.
هو سؤال سيجعلنا نتيقن أن هؤلاء الذين رفعوا شكاوي على الفايد كان حريا بهم مناقشة أفكاره بالحجة و البرهان مهما بلغت درجة الاختلاف، بالعلم و المعرفة التي يتبجحون بها هم و يبخسونها لدى الرجل.
كما أن هؤلاء الذين انبروا للدفاع بكل ما أوتوا من جهد في مواقع التواصل الاجتماعي عن الفايد، كان أفضل لو حاولوا البحث أكثر و الاستبيان و التدقيق في عدد من النصائح التي قدمها الرجل و محاولة إقناع غيرهم بذلك عوض مهاجمة إديولوجيات المختلفين معهم فكريا، و أكيد كانوا سيدركون أن بعضا من تلك التوجيهات و النصائح في غير محلها.
اليوم، لا يمكننا الحديث عن صراع بين معارضي و مؤيدي الفايد، بل إن الأمر أظهر لنا أن المغرب يسير للهاوية في ظل تفشي بعض الأفكار المنحرفة الشاذة، التي قد يصعب و لربما يستحيل احتواؤها فيما بعد، فالطبقة التي كنا نعتقد واهمين أنها مثقفة و تشكل نخبة النخبة اختارت الهروب للأمام محاولة الزج في السجن برجل له قناعات و أفكار يدافع عنها بكل لباقة أمام العلن، رغبة منها في تكميم الأفواه التي تخالفها في الرأي عوض النقاش المستفيض الذي قد يجعل غير المصيب فيهما يعود لرشده.
الغريب في الأمر أن هاته الطبقة هي نفسها التي صمتت حين خرج أحدهم ضاربا كل مبادئ الشريعة و الدين عرض الحائط بدعوته المغاربة للإفطار في رمضان لمحاربة فيروس كورونا، لدرجة أضحينا في حيرة من أمرنا، أيحارب الفايد لأنه يستمد نصائحه من علوم طبية أم لأنه ينهل من مرجعيته الدينية؟
و حتى الطبقة التي تدافع عن الفايد، و ما أكثرها، عدد كبير منها اختار مهاجمة منتقدي الرجل عبر النبش في حياتهم الخاصة و التشهير بهم، ليسقطوا في نفس خطأ الفئة الأولى، حيث و عوض مناقشة الأشخاص كان حريا بالجميع مناقشة الأفكار، و مادام النقاش محمودا فكنا سنحترم الطائفتين معا.
على أي اتفقنا أم اختلفنا مع ما يقوله محمد الفايد، فالرجل مكانه بيننا، حرا في هذا الوطن، و ليس في غياهب السجون كما يريد البعض، هو على الأقل لم يسب عرض أحد، و لم يتهم أحدا و لم يرتكب جريمة قتل أو سرقة او اغتصاب أو انتحال صفة ينظمها القانون، كل ما في الأمر أنه بحث و اجتهد، فإن كان اجتهاده مصيبا فله الأجر و إن كان غير ذلك فليس عليه وزر كما جاء في روايات الدين الذي حدده الدستور مرجعا بهذا البلد.
على دعاة سجن الفايد أن يستحيوا من أنفسهم، فالتاريخ يسجل و لا يرحم، مشاكل المغرب ليس سببها الفايد، و لن تحل بسجنه، وطننا في غنى عن كل هاته المزايدات، وطننا في حاجة ماسة لنا جميعا، يدا واحدة، متحدون مع عاهل البلاد و مؤسسات الوطن، لنعيد بناءه من جديد، مغرب قوي بسواعد أبنائه، مغرب الحرية و الانفتاح و التقدم و الأفكار، نعم الأفكار التي تنتجها العقول و تناقشها، بتعقل و رزانة، لتظهر صحة الأصح منها و تصلح التي لا تصلح، دعوا الفايد و شأنه، و من لا تروقه نصائحه فليتجاهلها و ذلك أبسط الأشياء و أضعف الإيمان، و لا تجعلوا ضمائركم تعذبكم في يوم من الأيام، آنذاك حين لا ينفع الندم…
و حتى نختم، مؤسسات الدولة و جهاز القضاء مامسالينش للعب دراري، خليو ناس تخدم، هم في غنى عن الصراعات المفتعلة و التافهة، التحدي حاليا هو كورونا، و علينا جميعا أن ندرك صعوبة المرحلة و ما تتطلبه من تضحيات جسام لربح المعركة، فجميعنا في قارب واحد…