لنفكر مستقبلا من أجل وضع قانون موضوعي وإجرائي لحالات الطوارئ

ذ. رشيد وهابي
المحامي بهيئة الجديدة
maitre4ouahabi@gmail.com

فيروس كورونا من المؤكد أنه شر أفزع العالم كله ومازال يفزع ويفجع، وكابوسه الذي لم يقتصر على الليل، استمر حتى في ساعات النهار. لا نعلم متى سيضعف وينهار، ويرفع الله عن عباده كلفة هذا الشرير المستتر؛ لكلنا نعلم ونقول لو ظهر وبان إلى العلن، لن يكفيه سلاح أيدي وأرجل كل إنسي فوق الأرض من رد لشره بالأطنان؛ وسيحركون له المسدس والدبابة؛ ولكنه أصغر من أن ترصده عيون تلك السندان. ولكن كل ما فعله فينا كورونا الجديد، لا يجب أن ينسينا أن نشكره ونزجي له الشكر والعرفان، خصوصا أنه سيعلمنا دروسا مفيدة جدا في التضامن والاقتصاد والسياسة وحب الحياة وأشياء كثيرة، بعد أن يعود إلى دياره في طي النسيان. والدرس الذي علمنا في المغرب وفي بلدان كثيرة مثله، ولم نكن نضرب له حسابا ولا نرخي له بالا، هو أننا نحتاج في المغرب إلى مدونة خاصة بقوانين الطوارئ، والى إجراءات خاصة لتطبيقها. فحين يصبح تطبيق بعض القوانين بالحالة التي هي عليها، ويكون تطبيقها عادلا في الحالات العادية، فإنه في حالات الطوارئ يصبح كل عمل بها ضربا من ضروب المجازفة التي يمكن أن تولد وتنتج عنها مخاطرة ومخاطر كبيرة. فقد دهشت وأنا أشاهد على التلفاز قرار الرئيس ترامب حين أصدر أمرا في إطار قانون الطوارئ إلى مسؤولي شركتين من كبريات الشركات الأمريكية والعالمية في صناعة السيارات، يلزمها فيها بقوة قانون الطوارئ الذي كان مصاغا ومنشورا وينتظر في الرفوف ساعة التطبيق، أن تحول نشاطها إلى صناعة أجهزة التنفس لإنقاذ المواطن الأمريكي؛ فهو لم يوجه لها استعطافا أو طلبا أو التماسا، بل أمرا يجب أن ينفذ بقوة قانون الطوارئ؛ وشعرت بقوة البناء القانوني للدولة الأمريكية التي تنظر وتشرع لظروف لها نسبة ضئيلة في الوقوع؛ ومع دلك تشرع لها، و في نفس الوقت أنا مندهش بما سمعت وشاهدت. قرأت في بعض المواقع الإلكترونية المغربية وأنا في منتهى الغضب والإحتيار عن رفض مجموعة من ربابنة الطائرات المغربية، طلب الشركة التي يشتغلون فيها أن يوافقوا على إنقاص نسبة من أجورهم، تتراوح بين عشرة في المائة وثلاثين في المائة، لإنقاذ شركة الخطوط الملكية من الإفلاس. فهي لم تخبرهم أنها ستسرحهم وتستغني عن خدماتهم بحكم هذه الأزمة الطارئة، ولا أنها ستقطع جزءا كبيرا من أجورهم أو توقف أجورهم، بل جزءا بسيطا منه؛ ومع ذلك رفضوا وهم يتقاضون مبالغ شهرية مهمة نظير عملهم؛ والمؤكد أن أغلبهم يدخرون مبالغ مالية تكفيهم لسنوات، هم وأسرهم، وليس لأشهر قليلة فقط، ليس من أجل مثل هذه الكائنات التي لا تراعي ظروف الدولة والشركات التي تشغلهم أثناء فترة الطوارئ، بل من أجل أطياف كثيرة من أبناء مجتمعي ممن يفرحون للأزمات والكوارث. ففيها يربحون أكثر ويزداد دخلهم بشكل أفضل، ويختبئون ويبعدون حتى لا يساهموا في عملية الإنقاذ، معتقدين أن تلك المساهمات والتضحيات ستبطئ عملية تسلقهم في سلم الثراء.
وكلنا رأينا ملك البلاد حفظه الله وكل القوى والفعاليات ذات الكفاءات العالية والطيبة من هذا البلد الأمين، التي تعمل إلى جانبه ليل نهار، ومعها الحكومة ومختلف السلطات، الذين يفكرون في صحة المواطنين وفي سلامتهم الجسدية، مضحين بدرهم الاقتصاد وعملة السياحة والسواح، ومعرضين أنفس هؤلاء وأسرهم لهجمة الوباء، مقابل حفظ المواطن كيفما كان، فقيرا أو متوسط الحال أو غني المتاع؛ ونرى كيف أن الدولة المغربية بمختلف تشكيلاتها، نزلت إلى أرض الميدان في معركة كان يمكن أن لا تكون، وأن نحتفظ بالطاقات والساعات التي تخسر لمواجهة هذا الفيروس الفتاك.. لو كان لدينا هناك قانون طوارئ، وكان هناك وعي وتقريب للأفهام عن كنه هذا القانون وأهميته في حفظ الوطن والمواطن، قبل أن مطرقته على الرؤوس بمكيال، لو كان لدينا قانون طوارئ يشدد ويغلظ في عقاب بعض الجرائم التي تقع أثناء حالة الطوارئ، لقللنا حتى من فكرة الاقتراف، بعد أن يسمع عنها المجرم المحترف، ويعلم أنه لو ارتكبها، قد يخلد بين الزنازن، مادام الدم مازال يسري بين شريانه، ويعاقب على جرائم قد تقع فقط في أوقات الطوارئ/ أو يكثر ارتكابها أثناءه.. ونستغني عن الجر والوضع تحت الحراسة النظرية، لمن يرتكب جرما بسيطا مرده استهتار غير شديد؛ فمثلا من ضبط في الشارع وهو يخرق حالة الطوارئ في المرة الأولى، بالاعتماد على بطاقته الوطنية، وبأجهزة متطورة يحملها رجل الشرطة، تصور بطاقته وتخزنها في تطبيقات مبتكرة لغاية معينة، يطلب منه أن يؤدي غرامة قدرها 500 مائة درهم في الحال، مقابل الدخول إلى الدار؛ فإن أداها سلم وغنم، وإن لم يؤدها، تسجل في صحيفة التطبيقات الأمنية، ويؤدي ضعفها أو أكثر بعد حين؛ ومن قبض عليه في حالة عود ثانية، وهو يخرق حالة الطوارئ، وبعد أن يتم إدخال رقم بطاقته أو تصويرها، يصدر تحذير معلوم بأن المضبوط سبق أن خرق الحجر مرة قبلها، فتحرر ضده المساطر أمام الشرطة القضائية، إذا كانت مبررات الخروج غير مقنعة أو مستعجلة، ويمكن للنيابة العامة في اطار سلطة الملائمة، أن تأمره بأداء غرامة أكبر، أو تتابعه وتودعه الحبس، إن ظهر أن خطره واستهتاره سيتكرر؛ وكذلك، فإن التأسيس لقانون الطوارئ ضروري لبض التجار الذين يستغلون ظرف الحال ليفرطوا في حلب المستهلك المنهك أصلا من فراغ جيب السروال؛ وهو كذلك سيكشف لنا عن معادن الناس، وسيظهر المتعفف المتلطف الذي يوثر على نفسه ولو كانت به خصاصة، ويخفف ثقل الميزانية عن دولته؛ ونحن لا نقصد هؤلاء لأنهم يستحقون كل التفاتة، ولكن نقصد من يملكون قوت الشهر والسنة والعقد والدهر ويطمعون في الزيادة، وفي مزاحمة كل مسكينة محتاجة، فلاشك أن الدعم المهم الذي ستقدمه الدولة المغربية لكل المسجلين في الضمان الاجتماعي، وفي القطاع غير المهيكل ، والذي نشد عليه ولا نرفع له القبعة فقط، ولكننا ننحني له إجلالا وتقديرا، لأننا عرفنا فيه حجم التضحية؛ فهذه الخطوة المهمة يجب أن تكون مصاحبة بما سآتي على ذكره، حتى لا نترك تلك الكائنات الطفيلية التي تعيش وتحيى وتبحث عن الزيادة، دون مراعاة لتراتبية الاستحقاق؛ فيجب على الدولة في كل قرية أو مدينة قدمت إعانات لهؤلاء المستحقين، أن تعلن عن أسمائهم في لوائح في المواقع الإلكترونية المحلية والوطنية، حتى نترك لأصحاب الحسنات من صحافة وجيران وأصحاب وأصدقاء، أن يفضحوا كل من استفاد من قوت الفقراء، وهو لا يستحق إكرامية الدولة، وقد يكون في غنى يغنيه، ومع ذلك تقدم يطلب لقمة نار ينزعها ويزاحم فيها من يستحق. وإذ ذاك يمكن للدولة أن تطلب من طالبي الصدقة المحترفين إرجاع المبالغ المغتصبة من طرفهم، وتخيرهم بين أن يؤدوا غرامة مستعجلة أو يدخلوا الحبس الذي يمكن أن يكون جيدا لمثل هؤلاء من رعاع الفعل.
وفي حالة الطوارئ مثلا، يجب أن يتم تمتيع كل المحاربين في ساحة الطوارئ، من كل المسؤوليات التي يمكن أن تترتب عن أفعالهم وأخطائهم غير العمدية، والتي يمكن أن تمس جسم أو حياة إنسان، ويمكن أن تعرضهم للحبس أو التعويض، إذا ارتكبت في الحالات العادية.
وأنا مع إشهار اسم من يتصدق بالملايين، وتتبع صحة التصدق من عدمه، وتتكلف الدولة بالتأشير على صحة الصدقة من زيفها، حتى نعرف الصديق في وقت الشدة، ونعرف الكريم من اللئيم، ومن يمن ينفت علينا زفير الكلام، صباح مساء ويمنع عنا مطر جيبه حين نحاجه؛ و هكذا سيشجع آخرين، لا يتصدقون إلا اذا رأى خصومهم أو أعداءهم، فيتصدقون بحصة تفوق حصصهم؛ وفي هذا نسعى ليتنافس المتنافسون، ولست مع من يتصدق بقطعة رغيف، ويقيم لها الدنيا ويفضح صدقته، وينشرها في كل طريق؛ فمن الأحسن أن يخفيها، وسيجزيه عنها رب العباد؛ و يجب مثله أن يتوارى حتى لا يشجع آخرين على التصدق برغيفين، وهم يحسبون أنهم أفضل وأكرم من متصدقي الرغيف.
وحالة الطوارئ تحتاج إلى تضحية الجميع من أجل التفكير في من هو أقل منهم مالا وادخارا وأمانا، قبل أن يفكروا في أنفسهم، وأولها الطبقة الغنية، وتليها الطبقة الوسطى التي يجب عليها أن تناضل في الاستغناء عن جزء من الأجرة، من أجل الطبقات الفقيرة، في فترة الطوارئ؛ ولا ضير أن يطلب كبار الموظفين من دولتهم أن تنقص نصف أجرتهم، لكي يبرهنوا لها أن الموظف الإطار الصالح، يعرف معدنه في وقت الشدة؛ والشيء نفسه يمكن أن يقال كذلك على أطر الشركات. فإن فعلوا دون طلب السلطات، سجلوا في خانة الكرماء الرحماء، وإن سكتوا أو رفضوا، سلط عليهم سيف قانون الطوارئ، لكي يأخذ منهم بعض أجورهم، وهم صاغرون ينظرون. ويستثنى من إنقاص الأجر كل محارب وسط الوغى وفي ساحة الميدان يقاتل؛ بل يمكن أن نزيده في الأجر، إذا كانت ثمة في الخزينة وفرة.
أفكار كثيرة يحتاجها قانون الطوارئ، وكان بوسعنا أن نتطرق لبعضها، لكن حيز المقال لا يسعف، ولا يتسع، وسمات كبيرة يجب أن تميزه. فالصرامة مطلوبة مع الكاذبين والمستغلين والمارقين وغير المستجيبين لنداءات السلطات؛ وسلطات كبيرة وجديدة وحازمة، يمكن أن يصدرها قائد البلاد، أو من يفوض له في ذلك، دون حاجة لحكومة أو برلمان أو اجتماع. فحالة الطوارئ التي قد تهدد البدن أو السكن لا مجال معها لسلوك طريق القوانين والتشريع، التي قد تستغرق انتظارا بالساعات والأيام. فحين تكون البلاد بمثل حالة هذه اللحظات، يصبح انتظار الساعة مرعبا وغير مرغوب، وبصبح رد الفعل مطلوبا على رأس الثانية والدقيقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى