كُـــــــــورونا وحسناتها السبع

محمد منفلوطي _ هبة بريس

إذا كان العالم قد أحصى شرها المستطير بعد أو وضعته في حالة نفير، وإذا كانت قد فاجأت الكبير قبل الصغير من عالمنا المستدير ، فإن لهذه الجائحة العالمية حسنات على الرغم من حجم ضحاياها ومساوئها كأكبر خطر يهدد البشرية في زمن العولمة، فهي لامحالة ستعيد رسم خارطة جديدة لعالم ما بعد الكورونا، كما أنها أبانت عن ضعف البشرية وهوانها، وجشعها وحب الذات، وأماطت اللثام عن واقع العلاقات المبنية على المصالح الضيقة، وفضحت مروجي الاشاعات والفضائح ومروعي الآمنين، وأبانت عن الدور الريادي للرجال في زمن الشدائد، وطمست آثارالتافهين وخلصت العباد من قفشاتهم المُضحكة على مواقع التواصل الاجتماعي.

ولا شك أن هذه الجائحة العالمية المدمرة يصعب معها تخيل عواقبها على المدى البعيد، فهي لامحالة ستؤدي سيؤدي إلى رسم معالم لعالم جديد بمتغيرات على مستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والصحي.

كورونا ورسم خارطة طريق لعالم جديد من التحالفات

لقد كشفت كورونا منذ الوهلة الأولى عن ضعف البشرية وهولها، وهلعها، وكأن قول الله يصدق عليها حين قال رب السموات والأرض: “خلق الإنسان هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا”، فبعد الاتحادات العالمية والعلاقات الدولية المبنية على منطق الاقتصاد والربح، وبعض حجم التكثلات والاستقطابات، فقد أبانت حجم الكارثة التي خلفتها “كورونا” عن ضعف هذه العلاقات، بيد ان كل دولة أغلقت عن نفسها الأجواء وحتى البرية منها في زمن الاتحاد الأوروبي، وكأن لسان حالها يقول “نفسي نفسي”، وهو ما يزكي قول الله عز وجل حين قال: “يوم يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ” صدق العلي القدير.

فبعد أن تسبب التفشي المتسارع لفيروس كورونا في بقاع الكرة الأرضية بتعطيل الحياة في مدن عديدة وإغلاق الأسواق وتعطيل حركة السفر والإضرار باقتصاد العالم، فقد كشف عن كفاءة العديد من الحكومات فشل أخرى في التصدي لهذه الجائحة، وهو ما يسهم لا محالة في تقوية الدولة وتعزيز الوطنية.
ويرى العديد من خبراء القانون الدولي والعلاقات الدولية، أن من شأن هذه الجائحة التي يمر منها العالم أن تحول السلطة والنفوذ من الغرب إلى الشرق، لاسيما وأن دولا شرقية أبانت عن حسن النية في تقديم الدعم بشكل أفضل، كما أن تعاطي الصين مع الوباء كان جيدا بالرغم من تعثرها في البداية عند اكتشاف الفيروس.

كورونا..العالم يتنفس بشكل أفضل بلا تلوث بيئي وأخلاقي

إذا كان تلوث الهواء من ابرز المعضلات التي تواجه البشرية قبل مجيء الجائحة، فإن حضور الأخيرة ساهم في تنظيف الهواء ميكانيكيا بفعل انخفاض منسوب انبعاث الغازات السامة، إذ بدت الحركة مشلولة بالعديد من المصانع والمعامل والمختبرات العالمية، بفعل تدابير منع انتشار فيروس كورونا، لكن في المقابل يبقى التخوف قائما بعد اندحار هذه الوباء العالمي لاسيما وان العديد من الدول سوف تعمل على تعويض خسائرها بمضاعفة نشاطاتها الصناعية وهو ما قد يدخل العالم من جديد في شبح التلوث ما بعد الجائحة.

حتى شوارع العالم بدت فارغة ليلها كنهارها، لا أثر لمظاهر العناق والعلاقات الحميمية بطعم الحب المزيف، اذ بدت حاناتها وعلب الملاهي الليلية بها فارغة من مظاهر العري والفسق والفسوق والرقص والليالي الحمراء، وأغلق كل واحد عن نفسه باب التحدث إلا عن بعد أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وانتهى دور أصحاب الأرض في محاربة هذا الوباء ليعلنوها مدوية لعل صاحب السماء يرفع عنهم البأس، وهي الصرخة ذاتها التي لم يخفها رئيس وزراء ايطاليا حين قال: “انتهت حلول الأرض، الأمر متروكٌ للسماء”.

في زمن كورونا… اختفى التافهون

في زمن كورونا، التي تعد من حسناتها أنها صححت المسار وكشفت عن عورة هؤلاء الذين اختفوا عن الانظار، وضاقت بهم السبل بعد أن تحول النقاش وتطور على منصات التواصل الاجتماعي وانبعث من جديد رأي أصحاب العقول النيرة من أساتذة جامعيين وأكاديميين وبروفسورات في الطب ورجال سلطة وأمن وعسكريين بواسل، ورجال تربية شرفاء، الكل ركب موجة التحدي وأخذوا مواقعهم دفاعا عن الوطن ومواطنيه، منهم من ترك الأهل والأحباب والأطفال الصغار والرضع، ومنهم من لبس لباس البطولة ووقف في الصفوف الأمامية في مواجهة جائحة كورونا…إنه زمن كورونا الذي كان له الفضل في إعادة ترتيب الأوراق وتوزيع الأدوار بين أعمدة الوطن وركائزه الأساسية، وكشف عن معدن هؤلاء الأصيل في مواجهة أي خطر من شأنه أن يهدد الوطن…إنه زمن الكورونا الذي أبان عن ضعف البشرية وهلعها على الرغم من التطور العلمي والتكنولوجي، لكن في المقابل كانت له حسنات عدة على رسم معالم جديدة لعالم جديد تعطى فيه الأهمية للعلم والعلماء والمفكرين والأطباء والأساتذة والمهندسين بدل التصفيق للتافهين.

في زمن الكورونا…ضاع الحق بين الإخبار والاشاعة

مع استمرار حمـــــى عدد المصابين والوفيات جراء تفشي فيروس كورونا عبر بعض دول العالم، وفي ظل الزخم الكبير الذي بات يؤثث المشهد بصورة مثيرة للعجب على مواقع التواصل الاجتماعي وصفحات وسائل الإعلام وشاشاتها، وفي خضم الاحداث المسارعة والترقب المشوب بالحذر لتجاوز الأزمة، من بين ثنايا هذا كله، تنساب معطيات وأخبار منها ما يحمل منطق الجد والمصداقية، ومنها ما يحتمل الخطأ، ومنها ما يندرج في خانة التضخيم والتضليل والترويع، مما خلق نوعا من الهيستيريا الفتاكة التي هي أشد من كورونا القاتل….فدبّ الخوف في نفوس الناس، منهم من فارق العناق الذي تبين لاحقا انه كان بطعم النفاق، ومنهم من ألغى مجالس العزاء ومجالسة الأخلاء، وآخرون دفع بهم “كورونا” إلى إلغاء الاحتفالات والتظاهرات والسهرات، ودول أخرى سارعت إلى إغلاق العديد من المصانع والمعامل وما خلفه من تأثير مباشر على الاقتصاد.

إنها الإشاعة القاتلة والأخبار الزائفة التي تندرج في إطار الفسق والفسوق، لما تلوكه الألسن وتخطه الأنامل وتذيعه مواقع التواصل الاجتماعي لأخبار زائفة من هنا وهناك، بغرض نشر الفتنة والخوف بين صفوف العباد، وما الأخبار الزائفة الي يروج لها هؤلاء لأناس حول “فيروس كورونا” لخير دليل على حقد هؤلاء وبغضهم لاستقرار بلدهم وأمنه وأمن مواطنين من خلال الترويج للمغالطات المرعبة من هنا وهناك.

فبعد المزاعم والافتراءات التي مافتئ هؤلاء المتربصون ينشرونها كان آخرها ما تم الترويج لها، لخير دليل على صدقية الآية الكريمة بعدم الانجرار وراء الأخبار الزائفة، وهو بالفعل ما يعامل معه السلطات المعنية ببلادنا “مشكورة” بنوع من الحزم حين أصدرت بلاغات تحذر من نشر مثل هاته الأفكار والافتراءات لخلق “البلبلة” بين صفوف المواطنين، لمثل هؤلاء نقول “اتقوا الله في وطنكم، واعملوا على افشال كل المحاولات البائسة لابتزازه والنيل من استقراره من قبل أعدائه الذين يعملون ليل نهار لجعله رهينة بين أيادي من يكنون له العداء ويحاولون اجهاض مسلسله الديمقراطي الذي ظل نموذجا استثنائيا سواء في معركة التحرير والاستقلال أو في مرحلة بناء الدولة الديمقراطي”.

كورونا….كشفت عن الأنـــــا والأنـــــــا الآخر

فيروس قاتل أماط اللثام عن زيف العلاقات البشرية وتعلقها بالحياة بطعم المصالح وتبادلها، وخير دليل على ذلك ما شهدته متاجرنا ومراكزنا التجارية من تهافت وتدافع وتسابق نحو اقتناء الطعام والشراب، ظنا منهم أنها ستحميهم وتقيهم من شر قادم لاقدر الله…اتقوا الله في وطنكم واتقوا الله في أنفسكم وعودوا إلى رشدكم، وأكثروا من التهليل والتسبيح والتكبير وقراءة القرآن، وتزوّدوا بالتقوى بدل زادَ البطن، وتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى، لأن التقوى زادُ المرء في حياته وحتى بعد مماته.

فيروس كورونا القاتل، كشف عن أنانية البعض في الحصول على طعامه وشرابه والاقبال على اقتنائه بلهفة دون أن يعي بأن هناك أناس في حاجة ماسة لقطعة رغيف قد تسد رمقهم، وكأن المؤونة هي سبب العيش…ألم يعلم المرء بأن جشعه هذا منح الفرصة للمضاربين والمحتكرين للتدخل والتحكم في الأسواق وخلق نوع من الاحتكار الذي قد يؤدي إلى الكارثة عفانا الله وإياكم من شرها.

كورونا القاتلة فرصة لتعزيز الصحة العامة العالمية

لاشك ان العالم المتحضر بل مبلغ اليقين بأن أخطر يهدد البشرية على الاطلاق هو خطر الأوبئة والفيروسات الفتاكة التي لا ترى بالعين المجردة، اذ لا ينفع معها لا سلاح نووي ولا دبابة قاذفة ولا صاروخ عابر للقارات، ومن ايجابياتها ستعيد ترتيب الأفكار من جديد لتحديد الأولويات، ولعل ما سيذهب العالم أجمع هو تعزيز الصحة العامة العالمية، حيث سنرى هرولة معظم الدول إلى تعزيز البنى التحتية لقطاع الصحة، وتكوين الأطر والكوادر الطبية وتحفيزها وتشجيعها على الابتكار والبحث العلمي وبناء المستشفيات وإعادة فتح التي تم اغلاقها دون قيد ولاشرط، إذ أن من حسنات كورونا أيضا أنها استطاعت اقناع الدول على الاعتماد على نفسها وصناعة نفسها بنفسها من خلال تجويد وتطوير العرض الصحي والتربوي والتعليمي والأمني والاجتماعي والاعلامي، وتشجيع المبادرات وتكريم المبتكرين والمخترعين وجعلهم في الصفوف الأمامية، لأن تخطي هذه الأزمة لاتقوم له قائمة إلا بمثل هؤلاء الأبطال من طينة الطبيب والأستاذ والامني والعسكري….وان تشجيع التفاهات وتفريخ الطفيليات ممن صنعوا لأنفسهم مكانة في المجتمع ما هو إلا مجسمات من ورق.

مقالات ذات صلة

‫6 تعليقات

  1. اشكرك جزيل الشكر صاحب المقال على ما تفضلت به ، مقال في المستوى يلخص حال وطننا و العالم اجمع من جرا ء هدا الوباء القاتل و نرجو من الله عز و جل ان يرفع عنا هدا البلاء و يصرف عنا هدا الوباء و يحفظ وطننا العزيز و العالم اجمع من كل الاوبئة و الامراض انه سميع مجيب اللهم امين يارب العالمين .

  2. الله يعطيك الصحة أصبت مربط الفرس بمقالك الجامع المانع هذا…فليخرس التافهون والوصوليون … وليبعث من جديد العلماء والشجعان والمفكرون

  3. لا حياة للتافهين والوصوليين والمتطرفين والمشعودين اثناء وبعد الوباء. (فأما الزبد فيذهب جفاءا، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) قرآن كريم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى