في زمن كورونا… اختفى التافهون وتجند الصالحون
محمد منفلوطي_هبة بريس
إييه يازمان، يا دوار، كان حتى الأمس القريب كان الحديث كل الحديث عن التفاهة بكل أشكالها وألوانها، أبطالها المفترضون يؤثتون المشهد بقفشاتهم الحامضة، يتسيدون على مواقع التواصل الاجتماعي يخلقون البوز دون حمولة ثقافية ولا تحاليل علمية، ماعدا الضحك على الذقون وخلق البهرجة والهضرة الخاوية.
في زمن كورونا، التي تعد من حسناتها أنها صححت المسار وكشفت عن عورة هؤلاء الذين اختفوا عن الانظار، وضاقت بهم السبل بعد أن تحول النقاش وتطور على منصات التواصل الاجتماعي وانبعث من جديد رأي أصحاب العقول النيرة من أساتذة جامعيين وأكاديميين وبروفسورات في الطب ورجال سلطة وأمن وعسكريين بواسل، ورجال تربية شرفاء، الكل ركب موجة التحدي وأخذوا مواقعهم دفاعا عن الوطن ومواطنيه، منهم من ترك الأهل والأحباب والأطفال الصغار والرضع، ومنهم من لبس لباس البطولة ووقف في الصفوف الأمامية في مواجهة جائحة كورونا…إنه زمن كورونا الذي كان له الفضل في إعادة ترتيب الأوراق وتوزيع الأدوار بين أعمدة الوطن وركائزه الأساسية، وكشف عن معدن هؤلاء الأصيل في مواجهة أي خطر من شأنه أن يهدد الوطن…إنه زمن الكورونا الذي أبان عن ضعف البشرية وهلعها على الرغم من التطور العلمي والتكنولوجي، لكن في المقابل كانت له حسنات عدة على رسم معالم جديدة لعالم جديد تعطى فيه الأهمية للعلم والعلماء والمفكرين والأطباء والأساتذة والمهندسين بدل التصفيق للتافهين.
في زمن الكورونا، أبان هؤلاء من بني جلدتي عن دورهم الريادي في زمن الشدائد، بدءا من الطبيب والطبيبة، والممرض والممرضة، القابعين داخل قاعات الفحص وأقسام الانعاش، يطلون علينا من وراء حجاب، لا يأبهون لعدوى قادمة ولا لأهمية الفراق ووحشة الأهل والأحباب ومعانقة أبنائهم الصغار، إنهم جنود الوطن الأوفياء ينقذون الأرواح وينعشون الأمل ويناشدون المواطنين البقاء في منازلهم حتى لا تزداد الأعداد.
في الزاوية الأخرى من الحرب على جائحة الكورونا، يقف العسكريون بمدرعاتهم وأسلحتهم، ومعهم الأمنيون وبسياراتهم ودراجاتهم، يجوبون الشوارع والأحياء شبر شبر، وإلى جانبهم تقف السلطات المحلية بمختلف مكوناتها، ومعهم يقف أفراد الوقاية المدنية والقوات المساعدة، ومن ورائهم توثق كاميرات الإعلاميين تحركاتهم وتدخلاتهم ونداءاتهم…إنهم جنود الوطن الذين أبانوا عن حسهم الوطني.
فبتعليمات من السلطات العليا لملك البلاد حفظه الله ونصره، ومعها الوقفة البطولية لكافة مكونات الشعب المغربي، استطاع المغرب بحنكته أن يتخذ سلسلة من الاجراءات والقرارات الجريئة لاحتواء تداعيات وباء كورونا المستجد الذي أتى على الأخضر واليابس بالعديد من دول العالم، تنزيلا للتعليمات الملكية السامية التي تستهدف اغلاق الحدود وتقييد تحركات المواطنين حفاظا على أرواحهم وحرمة الوطن، وفي ظل المجهودات الحثيثة التي تبذلها الأجهزة العسكرية والأمنية والطبية والاعلامية والجمعوية والسياسية وغيرها الذين أبانوا عن حسهم الوطني وصلابة المواقف عند المغاربة الأحرار.
الملاحظ أنه وفي ظل هذه المجهودات المبدولة بين كرّ وفر بين بعض جيوب المقاومة ممن لم يستوعبوا الدرس بعد من الأحداث المؤلمة التي تعرفها العديد من دول العالم، وحجم الوفيات المسجلة والتوابيت المنتصبة لضحايا كورونا، لازال هناك البعض من المواطنين ببعض البؤر وخاصة بالاحياء الشعبية لم يلتزموا بعد بقواعد حالة الطوارئ الصحية، وكأن الأمر لا يعنيهم، تجدهم على شكل مجموعات مصغرة يتقاسمون الحديث دون احترام المسافات القانونية فيما بينهم، وفي مقابل ذلك تجد طائفة التزمت البيوت ووزعت الورود عبر نوافذ شققها على دوريات الأمن هذه الأخيرة التي أعادت التحية بأحسن مثلها ورفعت لها القبعة وأعطتها التحية العسكرية.
في زمن الكورونا…اختفى التافهون وتجند الصالحون للدفاع عنه، منهم من وقف سدا منيعا على الحدود وأصابعهم على الزناد، ومنهم من سارع إلى تقديم التبرعات، ومنهم من انخرط في توزيع المؤونات على الأسر المعوزة والعائلات، ومنهم شارك في حملات التوعية وتمرير الدروس للتلاميذ عبر المنصات، ومنهم من سخر سياراته في تقريب الخدمات…إنه زمن الكورونا الذي أبان عن دور الرجال في زمن الشدائد، وهي رسالة لتصحيح المسار وإعادة الاعتبار لهؤلاء الأبطال وجعلهم من ضمن العناوين الكبار على صفحات الجرائد والقنوات ومواقع التواصل الاجتماعي ليل نهار، لطمس آثار التفاهة والحموضة التي أضحت وصمة عار.