هل نحن في دولة مؤسسات…؟

الديموقراطية ومؤسسات الدولة

كل التعريفات التي لصقت بكلمة الديموقراطية ؛ سواء في الأنظمة ارأسمالية أو الشيوعية أو الراديكالية ؛ تستحضر في دساتيرها الشعب ومؤسساته باعتبارهما عنصرين أساسيين في تشييد أي بناء ديموقراطي ، أو بالأحرى كل دولة ديموقراطية .
ومؤسسات أي دولة تستمد قوة وجودها من الشعب عبر صناديق الاقتراع ، وتحكيم كل مكونات المجتمع المدني ، وتنظيم أنشطة أقسامها ومرافقها بناء على قوانين وتشريعات دستورية ، لا يمكن بحال التجاوز عنها أو إغفالها في ممارسة الصلاحيات التي خولها لها الدستور ، وإلا أصبحت مؤسسات صورية ليست ذات أدوار في السياسة العامة ، أو مجرد واجهة Interface لتأثيث المشهد السياسي وتسويقه ، ولهذه الصورة الخداعة تداعيات خطيرة ، أشبه بفراغ دستوري ، في غياب الأطراف أو الجهات المتحكمة في القرارات السياسية ، وهي في عمومها أشبه بفوضى عارمة ؛ تغذي شهية تدخل الحركات الانفصالية والتنظيمات الراديكالية ، فضلا عن إطلاق العنان لأعمال النهب والتخريب .. هذا إذا لم يتولى الجيش إحكام سيطرته على مفاصل الدولة ، وتجارب دول المغرب العربي ليست ببعيدة عنا ؛ في تونس وليبيا والجزائر إلى حد ما ..

هاجس الإرهاب ومؤسسات الدولة

هناك أنظمة عربية سياسية تولدت لديها حساسية مفرطة بالريبة تجاه قنوات التواصل الإدارية التي تربط مؤسساتها ببعضها ، وقد اشتدت هذه الحساسية مع تعاظم خطر التنظيمات الإسلامية وتوسع رقعة نيرانها في العديد من المناطق الجغرافية ، مما حدا بها إلى ضرب حصار على قنوات التواصل الرسمية ، مخافة اختراقها من أطراف وجهات ضالعة أو ذات صلة بتنظيم إرهابي ، واستبدالها بأخرى “سرية” تتلقاها من جهات عليا ، في شكل “مكالمات ورسائل” مرقمة ومشفرة تحمل “تعليمات رسمية” Instructions formelle .

هذا الهاجس أو بالأحرى الحساسية الإرهابية ؛ لدى هذه الأنظمة ؛ نجم عنها حالة ركود سياسي طال بالكاد جميع مرافق الدولة ، يعمل على تقزيم صلاحياتها ويصبح “الانتظار” سيد الموقف أمام كل القضايا والبرامج والمشاريع التي يناط بهذه المؤسسات أمر تنفيذها ، وانتظار صدور “التعليمات” قد يستغرق أمدا كبيرا ، ما تستفحل معه الأوضاع وتفضي حتما إلى تأخير عجلة التنمية ، تتحول معها مؤسسات الدولة ؛ في تعاطيها مع القضايا المصيرية وتدبير الملفات ؛ أحيانا إلى ما مؤسسات مشلولة القرارات ، وعلى ضوئها يمكن أن نستشف من تصريحات مسؤولينا ــ في الدوائر الرسمية والوزارات ــ أنهم لا يمارسون مهامهم وصلاحياتهم الدستورية كاملة للبت في هذا الموقف أو ذاك ، بل يتأنون إلى حين صدور تعليمات لهم بلإفصاح عن موقف أو بت في قضية ؛ مهما كان حجمها ؛ وطنية أو جهوية أو ذات صلة بالعلاقات الدولية .

وضعية سياسة كهذه تترتب عنها عادة ما يمكن توصيفه بمخاطبة الجهات العليا في كل القضايا والحقوق التي تهم عامة المواطنين ، فبدلا من مخاطبة مؤسسة بعينها كالمؤسسة القضائية ـ مثلا ــ في استرداد حقوق ما ، تملي الظروف الآنية اختيار مخاطبة جهات عليا رأسا ، كالمؤسسة الملكية أو القصر الملكي .. علما أن الملك محمد السادس نفسه ؛ وفي إحدى الخطب له بمناسبة عيد العرش أكد على أن ” كل مؤسسة ملزمة بالقيام بأدوارها كاملة .. ولا تنتظر أن أقوم مقامها ” .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى