الأَنسية في سياق اجتياح ثقافة الميديا الشعبية

راهنية الميديا الشعبية

الميديا الشعبية أو التواصل الاجتماعي Social Media ؛ وبفعل ارتفاع مبيعات وسائطها الذكية إلى مستويات قياسية ؛ أصبحت بالكاد المهيمنة على كل وسائل الاتصال والتواصل بين شرائح كبيرة من أفراد المجتمعات ؛ زاد من رقعة اجتياحها للوسائل التقليدية الأخرى ، كالمنشورات الورقية خاصة ، تركيزها على قوة الإغراء والإثارة ؛ عبر صورها وسهولة اقتحامها لكل ما كان عزيز المنال أو محظورا بالمرة .. علاوة على تدفق معطياتها Data الضخمة بسرعة خارقة ؛ تفوق أحيانا المليارات من المعلومات في زمن الثانية الواجدة أو جزء منها …
بيد أن هذه المعطيات ؛ على وفرتها ؛ تختلف لغتها ومضامينها من شعب إلى آخر ؛ فالشعوب المتخلفة أو بالأحرى التي ما زالت ترزح تحت نير الأمية الأبجدية ولها قدم راسخة في الجهالة ، وتأتمر بالخرافة ، عادة ما تنضح بها خطاباتها والمضامين التي تروج لها ؛ عبر هذه الوسائل ؛ وهي لا تخرج عن ثقافة شعبوية تستمد مادتها ؛ في الغالب الأعم ؛ من الشارع والشائعة وأحاديث المقاهي ، وزج أوقات الفراغ .

الأنسية في سياق ثقافة الميديا الشعبية

الأنسية ؛ Humanizm في مفهومها السوسيولوجي العام ؛ تعني “تصوير أو منح خصوصيات وصفات بشرية قابلة لتجعل من حاملها إنسانا متحضرا وقابلا للتعايش ضمن مدينة ” ، أو بشكل عام هي “نزعة فلسفية أخلاقية ، تركز على قيمة الإنسان وكفاءته ، وتنتهج التفكير العقلاني والمنهج التجريبي ، وهي ؛ في الأخير ؛ مذهب يهدف إلى خير الإنسان ..” ويتميز هذا المفهوم بأضداده “كالوحشية” والروبوتيكية Robotised والبربرية أو العفوية القريبة من الفعل الغريزي Automatism .
وللأنسية خصوصيات ؛ تستمدها من مرجعيات ، توافق عليها المجتمع ، تتضمن قيما وقواعد وضوابط وقوانين للتساكن والتجاور ولبناء والتنمية البشرية .. وكلما كانت هذه المرجعيات راسخة في مجتمع ما ، كلما أمكن للعناصر الحضارية والعمرانية أن تزدهر وتنفتح على ثقافة الآخرين ، وكلما انحطت وسفلت عناصر الأنسية منه أو انعدمت بالكاد ، كلما تحول مجتمعها إلى البربرية والهمجية ، وصعب آنئذ وجود روابط التواصل مع عناصره ، إذا لم تتشرب ثقافتها الاستهلاكية المهيمنة .

هبوط مستوى الأنسية وصعود مستوى الأنانية

في مجتمع مغربي ـ مثلا ـ والذي تشهد الإحصائيات الدولية والأبحاث الميدانية أنه مصنف ضمن الشعوب التي لم تنعتق بعد من نير الأمية الأبجدية ، أو التي لا تقرأ سوى 6 دق/سنويا ، مع انحسار أدوار المؤسسات المربية ( الأسرة ؛ المدرسة ؛ المجتمع ؛ الميديا ..) ؛ أصبح في الآونة الأخيرة مجتمعا استهلاكيا بالدرجة الأولى وأكثر طموحا ـ مهما كانت العقبات ـ ، ينساق مع الإشاعة ويرتكز في مواقفه على “العادة” ، أو بالأحرى على ما هو شائع ودارج ، لا يهاب صرامة القانون وضوابطه ، بل يسعى جاهدا للتحايل عليه والمرور من ثغراته أو ؛ في حلات كثيرة ؛ يحرص على مساومته والاستهتار بالقيم الإنسانية . فيما يلي جرد لأهم المواقف التي تجلد فيها الأنسية ويغيب لها أثرها :
ــ السياقة داخل المدن ، وفي نقط تقاطع الممرات، أصبح من العسير العبور بسلامة ؛
ــ تنفجر الأنانية ، وبصور بشعة أمام مواقف وقضايا تافهة ؛
ــ التحلي بالصبر والاصطبار أصبحت عملة نادرة بين معظم أفراد المجتمع من الجيل الحالي ؛
ــ التحري والتحقيق والبحث والتروي .. كلها مزايا نكاد نفقدها عند معظم أجيال التسعينيات ومواليد العشرية الأخيرة من القرن
الماضي ؛
ــ خصوصيات هذه الأَنسية المنحطة ، تلقي بظلالها على الخدمات العامة ، في قطاعات حيوية عديدة .
ــ هناك هامش للرفع من منسوب هذه الأنسية المنحطة واستصلاحها ، فقط في حالة احتكاك هذه المواطن بثقافات بلدان غربية ،
فاندماجه حينها يحتم عليه التوافق والانسجام والالتزام بالقواعد الحضارية العامة السائدة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى