إلى خالد الصمدي: ماذا قررتم في حق أبناء الطبقة الوسطى والتعليم الخصوصي؟

عبدالفتاح المنطري
كاتب صحافي

تتبعت جلسة حواركم مع أحد المواقع االإخبارية بصفتكم كاتب الدولة المكلف بقطاع التعليم العالي والبحث العلمي، والذي أجبتم فيه عن عدد من الإشكالات المثيرة للجدل والتي تضمنها القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين
وبعيدا عن قضيتي التعريب أو الفرنسة ومجانية التعليم وهما حجر الزاوية في هذا القانون المصيري المصادق عليه، فإني أريد أن أثير بدوري معكم قضية الطبقة الوسطى والتعليم الخصوصي ،والتي مررتم عليها مرور الكرام بقولكم بعظمة لسانكم :”ضروري أن أشير هنا إلى قضية تنظيم القطاع الخاص.يعني استثمار القطاع الخاص في مجال التعليم خاصة في ما يتعلق بالأسعار والتأمين والخدمات ومعايير الجودة وما إلى ذلك الذي هو مطلب كبير جدا لكثير من الآباء والأمهات خاصة الطبقات الوسطى التي تكتوي بنار تحمل مسؤولية تمدرس أبنائها في القطاع الخاص ويشتكون على حال ونحن على أبواب الدخول المدرسي ونسمع هذا الكلام بصفة دائمة ومستمرة.فلأول مرة، يحدد القانون إطارا قانونيا لضبط الخدمات وضبط مقابلها وما إلى ذلك.على كل حال ،هذه قضايا ربما سنجد فيها تفصيل بالرجوع إلى ثنايا القانون”
وبالعودة إلى هذه الثنايا ،سنجد أنه تم التنصيص على “إلزام التعليم الخاص بمبادئ المرفق العمومي وتوفير التعليم لأبناء الأسر المعوزة والأشخاص في وضعية إعاقة و منح التعليم الخصوصي مهلة 6 سنوات لتوفير حاجياته من رجال التعليم بعيدا عن أطر المدرسة العمومية ومراجعة نظام الترخيص للمدراس الخصوصية وتمتيعها بتحفيزات ضريبية لدفعها للمساهمة في تعميم التعليم الإلزامي، ومحو الأمية وكذا إعادة النظر ومراجعة رسوم التسجيل والدراسة والتأمين عن طريق مرسوم وزاري”.هذا من ضمن ما يهم التعليم الخاص
وموازاة مع المصادقة على هذا القانون، جرى تنسيق داخل “لوبي” المؤسسات التعليمية الخاصة بهدف فرض زيادة جديدة في الواجبات الشهرية مطلع هذا الموسم الدراسي تتراوح بين 100 درهم و 500 درهم شهريا وفقا للمستوى التعليمي و”مكانة” المؤسسة التعليمية و”سمعتها”.وغني عن الذكر،التأكيد على استغلال أرباب المؤسسات التعليمية الخاصة – ومنذ سنوات طويلة – فراغا “مريبا” في القانون المنظم لنشاطهم، والذي لا يتيح للوزارة الوصية التدخل في قضية تحديد الرسوم الشهرية والسنوية التي تقررها المؤسسات التعليمية الخاصة في المغرب
ألا تشاطرني الرأي في أن الفقر في الوطن غربة والغنى في الغربة وطن يا سيدي كاتب الدولة المكلف بقطاع التعليم العالي والبحث العلمي..آه..أي وطن رائع يمكن أن يكون هذا الوطن، لو صدق العزم وطابت النفوس وقل الكلام وزاد العمل “مكره أخاك لا بطل”. إنها القولة الحكيمة الخالدة التي جاءت -حسب ما ورد في مصادر تاريخية -على لسان الصحابي الحكيم والأمير الداهية عمرو بن العاص (رضه) لما كانت معركة صفين قائمة بين الامام علي بن أي طالب (كرم الله وجهه) ومعاوية بن أبي سفيان (رضه) فخرج سيدنا علي من بين جيشه ورمى درعه أرضا ووقف أمام جيش معاوية وقال من يبارز وكانت من علامات الشجاعة عند العرب أن يرمي الفارس درعه و يبارز بسيفه فقط وكان جيش معاوية يبلغ 80000 مقاتل من أهل الشام ولم يخرج منهم أحد لمبارزة علي خوفا منه،ثم قال بعض أهل الشام لمعاوية, قم فبارزه فأنت القائد فخاف معاوية وقال لا،ثم نظر الى عمرو بن العاص وقال له قم أنت يا عمر فتعجب عمرو وقال أبارز أبا الحسن في دلالة على شجاعة علي وأنه لن يقدر عليه وعلى شجاعته
فقال له معاوية عزمت عليك أن تبارزه وأخذ الناس يكررون على عمرو قول معاوية ويدفعونه لمبارزة علي فخرج عمرو مضطرا حتى وصل الى علي وقال له ( مكره أخاك لا بطل) في إشارة إلى أنهم هم من أجبروه على ذلك وأنه لا يريد مبارزة علي ،فضحك الامام علي ورجع الى جيشه وترك عمرو
حقا إنه غبن ما بعده غبن “فرضته” الحكومات المتعاقبة على أولياء أمور أبناء الطبقة الوسطى – وهم مكرهون لا أبطال- من الذين يتعلمون بمؤسسات التعليم الخاص
والمغبون في قاموس المعاني من غبَنَ / غبَنَ في يَغبِن، غَبْنًا وغُبْنًا،فهو غابِن،والمفعول مغبون.غبَنه في البيع والشِّراء: غلَبه ونقَصه وخدعه ووكسَه .رجَع بصفقة المغبون: خسر ورجع فارغ اليدين،عاد خائبًا
غبَن مسكينًا : حرَمه بعض حقّه :- غبَن وريثًا في حقِّه : حرمه قِسْطًا من حصَّته في الميراث.غبَن الشّيءَ :أخفاه في الغَبَن أو المغبِن ، خبَّأه للشِّدَّة … غبَن اللصُّ سريقتَه
الغبن حاصل إذن من قبل الدولة في حق من اختاروا تدريس أبنائهم بمؤسسات التعليم الخصوصي كرها لا طوعا عملا بمقولة ابن العاص (مكره أخاك لا بطل) خاصة تلكم الشريحة الاجتماعية التي يزيد أو ينقص دخلها الشهري الصافي عن جوج فرنك التي بلغت شهرتها الآفاق أي 8000 درهم ، وهي المؤلفة من متقاعدي الدخل المحدود والمتوسط وموظفي ومستخدمي الطبقة المتوسطة الدنيا وصغارالتجارومن يماثلهم ، هؤلاء يبارزون وهم عزل من هو أعتى منهم وأصلب عودا ليس كحالة ابن العاص في مواجهة الإمام علي، يواجهون كل المصاعب الممكنة في غياب دعم ومراقبة الدولة وتخليها عنهم كلما حمي وطيس المعركة من أجل ضمان مستوى تعليمي راق ذي مغزى
متطلبات وتكاليف سنوية وشهرية مرهقة وملزمة تضعها مؤسسات التعليم الخصوصي أمام أنظارهم وتزداد قيمتها كل سنة تقريبا دونما حسيب ولا رقيب حتى أضحى حال هؤلاء “الأيتام” وكأنهم في مأدبة لا يفوز فيها بعشائه إلا من كانت خالته في العرس حاضرة …هكذا يضطرالمرتبون في فئة جوج فرنك أسفل أوأعلى من ذلك قليلا إلى الخضوع لشروط النمسا
التي تلتهم نصف الراتب أوأكثر من ذلك طوال المسار الدراسي لأبنائهم
وفيما يخص هذا التعليم الخاص المكتسب للجودة في معظمه ،لابد من الاعتراف بتقصير الدولة في حماية من التجأوا إليه مكرهين و لابد من الالتفات جيدا من قبل الجكومة إلى دافعي الضرائب من تلكم الفئات الاجتماعية المتوسطة الدخل من درجة جوج فرنك تزيد أو تنقص حسب مستوى دخل الأسرة من جانب ربها أو زوجته أو هما معا، إذ أن هذه الفئة قد اختار العديد من المنتمين إليها من أجراء بالقطاعين الخاص والعام وأساتذة ومتقاعدين وأصحاب مهن حرة وتجار صغار، تدريس أبنائهم بمؤسسات التعليم الخصوصي كرها لا طوعا أو تفاخرا.فالغبن حاصل في حقهم من قبل الدولة ،إذ تركوا يواجهون كل المصاعب الممكنة من أجل ابتغاء تمدرس جيد لأبنائهم وبمحيط جيد وآمن ومراقب في غياب دعم ومراقبة الدولة وتخليها عنهم
هذه هي الحقيقة الصادمة التي يكتمها إعلام الدولة كقناة ميدي آن تيفي كلما تطرق إلى موضوع التعليم الخصوصي ، وبالمقابل أيضا يشكو أرباب هذه المؤسسات من غياب تدابير استراتيجية تخفف من العبء الضريبي عليها وتخلق قنوات دعم مالي أو عيني لهذه المؤسسات من قبل الدولة ومجالس المدن حتى تتمكن من خفض قيمة مساهمة الآباء في أداء رسوم التمدرس والأنشطة الموازية والنقل والتأمينات ونحو ذلك مما يقع على كاهل الأسر المتجهة بأبنائها إلى التعليم الخصوصي
وما ينكره إلا جاحد أو مكابر أن مسؤولية الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية قائمة هنا في ضمان تعليم ذي جودة وفق منطوق الفصل 31 من دستور:تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في
العلاج والعناية الصحية.
الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة.
الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة.
التنشئة على التشبث بالهوية المغربية، والثوابت الوطنية الراسخة.
أليس من حق هذا المواطن المتوسط الدخل وهذه المؤسسة التعليمية الخاصة إذن أن يسترجعا قسطا وافرا كله أو بعضه مما تحملاه عن الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية من تكاليف مالية هي المسؤولة عن دفعها والاضطلاع بمهمتها دستوريا مثلما هومعمول به في الدول الراقية التي لا تدفع مواطنيها كرها صوب التعليم الخصوصي بل توفر له تعليما عموميا ذي جودة قد يفوق مستواه ما يتوفر لدى من اختاروا هناك عندهم بوابة التعليم الخصوصي
يقودنا الحديث إذن إلى المآلات التي عليها طفولتنا المتمدرسة المنتمية إلى الطبقات الدنيا والمتوسطة في مجتمعنا …هل تتوفر على الحقوق والمكاسب المتعارف عليها وفق المعايير الدولية في مجالات التمدرس والصحة الوقائية والعلاجية والتأمين والسكن والتعويضات العائلية الكافية لها والرعاية السوسيو-نفسية والحق في التمتع بكافة ضروريات العيش وكمالياته مثل ما هو معمول به في مختلف الدول التي تشبهنا أو تضاهينا اقتصاديا على الأقل
فهل من منطق الأشياء – سيدي كاتب الدولة، العضو في الحكومة – أن ينتظر الموظف أو المستخدم أو المتقاعد النظامي ثمان سنوات من عمر حكومة يتزعمها حزبكم لتعرض عليه زيادة في التعويض الخاص بأطفاله لا تزيد عن مائة درهم للطفل الواحد في الشهر،في حين أن الطفل الأوروبي مثلا يعوض هو وأمه بأضعاف ذلك المبلغ الهزيل حماية له ولها مع مجانية العلاج والتتبع والتمدرس والاستفادة أيضا من منح الدعم المدرسي للأسرة وووو.. .لذلك طالبت أكبر مركزية نقابية بالمغرب بزيادة شهرية قدرت ب400 درهم للطفل الواحد وبزيادة شهرية أيضا في أجرة الموظف أيا كانت رتبته وللمستخدم بالقطاع الخاص سواء بسواء بمبلغ 500 درهم ،في حين بقي أمر المتقاعد مبهما في تصريحات الحكومة والنقابات وحتى بجلسات الحوار الاجتماعي..متقاعد ثمانية آلاف درهم،أدنى أوأعلى من ذلك ببلادنا السعيدة،لا صوت له في جلسات الحوار الاجتماعي – فيما يبدو للعيان -وفي كل البلاغات الصادرة عن الحكومة أو النقابات وكأنه يعيش في كوكب آخرغير كوكبنا ،وكأنه لا يتأثر بالزيادات المتوالية في الأسعار من وقت لآخر مقابل جمود معاشه جمودا تاما والذي لا حراك فيه منذ إحالته على التقاعد وكأنه بدون أبناء متمدرسين بالقطاع الخاص أو بالقطاع العمومي ولا أسرة تنتظره،ولا حتى معدة ولا قلب ولا سمع ولا بصر ولا فؤاد ولا وزن له ولا اعتبارولا ضروريات ولا أسفار ولا أوراق إدارية ولا أمراض ولا علاج أو بمعنى آخر، مجرد ميت ولاحياة فيه وهو ما يتناقض مع روح دستور 2011 الذي نص على السواسية في الحقوق والواجبات..هذا في الوقت الذي انحنت فيه الحكومة الفرنسية لعاصفة السترات الصفراء بتقديم عرض اجتماعي مقبول إلى حد ما من طرف البعض دون البعض وأسرعت الحكومة الإسبانية أيضا إلى خطوة استباقية بالزيادة في الحد الأدنى للأجور بنسبة 22% ،إذ رفع المرسوم الحد الأدنى الشهري للأجور من 858 أورو إلى 1050 أورو. وربما تتلوها دول أخرى بإجراءات مماثلة..ولأنه لا قياس مع وجود الفارق في العدالة الاجتماعية بيننا وبين مواطني الاتحاد الأوروبي ،فإنه ينبغي التذكير بأن العديد من الخدمات الاجتماعية (الصحة وتوفير العلاج والدواء والتعليم ومقرراته ولوازمه وتوفير الشغل أو التعويض عن البطالة والتعويضات العائلية ذات القيمة المحترمة الخاصة بالأم والأطفال والتعويض عن السكن وووو ..إلخ) بتلك الدول هي مضمونة ومحمية من طرف الدولة مع إعطاء الحق لأي مواطن أو مواطنة في استرجاع جزء من الرسوم والضرائب المؤداة.ومع ذلك،انتفضت الأسر الفرنسية متوسطة الدخل هناك حتى دفعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تقديم حزمة من الإجراءات المالية والاجتماعية لمساعدة ذوي الدخل المحدود،في مسعى لاحتواء الغضب الاجتماعي الذي اجتاح البلاد
:مسك الختام ،قوله عز من قائل في الحديثِ القدسي
يا عبادي إِنِّي حَرَّمتُ الظٌّلمَ عَلَى نَفسِي وَجَعَلتُهُ بَينَكُم مُحَرَّمًا فَلا تَظَالَمُوا. رواه مسلم. وعن أبي ذرٍ,- رضي الله عنه-. قوله: (فلا تظالموا) وقال النووي- رحمه الله: (أي لا يظلمُ بعضُكم بعضًا) إذ هو محرم.ومن الظُلمِ ،الاعتداءُ على حقوقِ الآخرينَ وإيذاؤُهم في دمائِهم وأموالهم وأعراضهم، قال النبي- صلى الله عليه وسلم -: ((كلُ المسلم على المسلم حرام دمُه ومالُه وعرضُه)) رواه مسلم. وبه وجب التذكير والإعلام والسلام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى