الوضعية السياسية الجزائرية أو المعادلة الصعبة

مدخل عام

يعرف المجتمع الجزائري في الفترة الراهنة ؛ ومنذ الإعلان عن ترشح عبد العزيز بوتفليقة رئيس الجمهورية الجزائرية للانتخابات الرئاسية لولاية خامسة ؛ اضطرابات وقلقا شديدين تجاه مستقبل الجزائر وتردي أوضاعه المعيشية ، وتضخم مشاعر التذمر لدى شرائح واسعة من المجتمع الجزائري ، في ظل رئاسة صورية ؛ ليست ذات احتكاك حيوي مباشر بالشعب وما يحبل به من قضايا وتحديات . ولمحاولة استبيان معالم المستقبل الجزائري ـ في المدى القريب على الأقل ـ يجدر بنا أولا التوقف فيما يلي عند أبرز المتغيرات التي تعتمل داخل المشهد السياسي العام الجزائري :
* دخلت حالة الرئيس بوتفليقة الصحية مرحلة جد حرجة ، تعطلت معها بعض وظائفه الفيزيولوجية ؛
* يبدو أن هياكل وأجهزة ذات صلة عضوية بقصر المرادية هي التي تتحكم في القرارات الرئاسية المركزية والحيوية ؛
* الهيئة العسكرية الجزائرية تقف على مسافة معينة من الأطراف الفاعلة لتطويق كل الوضعيات المحتملة خروجها عن مسارها الطبيعي ؛
* غليان الشارع الجزائري في عدة ولايات له ما يبرره ، وتظاهراته حتى الآن ما زالت ملتزمة بالسلمية ونبذ العنف ؛
* الأحزاب ومكونات الشعب الجزائري منقسمة على بعضها وإن كانت غالبيتها ؛ فيما يبدو ؛ ترفض إعادة ترشح بوتفليقة “لعهدة” خامسة ؛
* الدستور الجزائري حتى الآن وفي ظل الوضع القائم أصبح محل انتقاد الجميع بإعادة النظر في بنود الانتخابات الرئاسية ؛
* خارج حدود الجزائر ، ما زال الصمت والترقب سيد الموقف لدى معظم دول الجوار ، باستثناء فرنسا التي أضحت خارجيتها في الآونة الأخيرة ومع دنو موعد الانتخابات ، تعبر عن أن ” الانتخابات شأن جزائري داخلي ” ، ” وللشعب حق تقرير مصيره ”
* الكواليس حاليا تشتغل بسرية مطلقة وبدرجة محمومة ، سواء تعلق الأمر بمصالح أمريكا في المنطقة أو دول الاتحاد الأوروبي الذي تذهب إليه شحنات ضخمة من غاز ونفط الجزائر ؛
* رسالة بوتفليقة إلى الشعب بخصوص “إجراءات إصلاحية جذرية ” في غضون الستة أشهرالمقبلة … قد تقرأ بمعاني ودلالات سياسية مختلفة ، كخطب ود الشعب لانتخابه أو كمرحلة انتقالية ينتظرها الشعب بخصوص شغل الفراغ الرئاسي في حالة اختفاء بوتفليقة من المشهد السياسي ؛
* نتائج الانتخابات الرئاسية ؛ كما هي العادة في الأنظمة السياسية العربية ؛ محسومة سلفا للتهالك على كرسي السلطة إلى آخر عرق ينبض في جسد الحاكم !

الغموض السياسي وتأجيل موعد الانتخابات

من السابق لأوانه التكهن بالغد الذي يطمح إليه كل الجزائريين ، وحتى في حالة إعادة بوتفليقة إلى قصر المرادية يوم 19 أبريل 2019 ستكون إيذانا بالعد التنازلي لخلافته على هرم السلطة باللجوء إلى الأدوات الدستورية أو تشكيل مجلس للرئاسة والعودة لانتخابات مبكرة ، وفي جميع الحالات لن يكون الرئيس الخلف سوى من بطانة الهيئة الحاكمة ، والتلاعب بنتائج الانتخابات أو بالأحرى التحكم في خارطة المشهد الانتخابي العام أمر وارد وللحكومات العربية قصب السبق فيه ، وبالتالي سوف لن يكون من قبيل المفاجأة أن يجد الجزائريون أنفسهم أمام رئيس جديد من اقتراح الهيئة الحاكمة التي كانت تدير دفة الحكم خلف الكرسي الرئاسي البوتفليقي ، وقد يكون منتميا إلى حزب جبهة التحرير الوطني أو أي حزب آخر باستثناء الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية .

سيناريو سياسي متوقع

إن رسالة بوتفليقة هي إشارة قوية ؛ بغض الطرف عن صحة صدورها من الرئيس أو مدير حملته الانتخابية أو طرف أجنبي فاعل في الخفاء ؛ إلى وجود غموض سياسي ، سيبقى ملازما للحالة الصحية للرئيس لأمد غير طويل حسب التكهنات المتسربة من التقارير الطبية لحالة بوتفليقة ، وبالتالي فإن أي اختفاء طارئ لشخصه سيكون إعلانا صريحا لوجود شغور في منصب الرئاسة ، ويعني ذلك ؛ من الوجهة الدستورية ؛ الإسراع في تنظيم انتخابات رئاسية لاختيار الرئيس الجديد .. وإذا ما سارت الأوضاع وفق هذا السيناريو فسيكون من العبث إجراء انتخاب في نسختين ليس بينهما سوى بضعة أشهر ، فالتدبير الحازم يقتضي راهنا تأجيل تنظيم الانتخابات بعض الوقت لتهيئة المجتمع الجزائري للتعامل مع عهد جديد يقطع مع زمن بوتفليقة “الصوري” .
أما الإصرار على إجراء الانتخابات في أوانها يوم 19 أبريل 2019 ، وإعادة بوتفليقة رغم أنف الأكثرية الساحقة من الشعب فسيساهم لا محالة في مزيد من الاحتقان الشعبي أو بالأحرى اغتصاب لإرادة الشعب الجزائري والتي قد تفضي إلى تأزيم الأوضاع أو تؤول إلى انفجارات شعبية غير متوقعة مهما كانت المسكنات السياسية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى