حي الباطوار سيمفونية مقززة

بقلم : الطاهر كردلاس

لو اطلعت على حي الباطوار باكادير من قريب قبل تجولك هنيهة في شوارعه، لوليت فرارا من هول ماترى .. كلاب ضالة متسخة تشمئز من مرآها النفوس ، تملأ الأرصفة ، متمددة جنبا إلى جنب مع المتسكعين والمتشردين والمتسولين من مختلف الأعمار من أحداث صغار إلى كهول تجاوز بعضهم الأربعين.

كلاب وقطط تجوب الشارع الرئيسي في تزاحم مع المارة بشكل منفر، كأنها تستأنس المكان اللائق بها.. ضجيج السيارات بكل أنواعها يصم الآذان.. التزاحم والاختناق قبالة سيارات الأجرة كأنك تشاهد معركة يختلط فيها الحابل بالنابل.

في الشوارع والأزقة تصدمك بقع سوداء زيتية من الأوساخ والسوائل الممتزجة بالغثيان وبكل ما يلفظه الحيوان أو أولئك المشردون من قاذورات تلتصق بأرضية المكان أيما التصاق ، فيشكل الكل لوحة تكعيبية هي إلى الخيال أقرب.. كأنما يد سوريالية أو دادائية تعمدت التلطيخ والعشوائية حتى أضحي الزفت كله ’’زفت ’’ بلغة إخواننا المصريين..

في كل شبر وحيثما وطئت قدماك هناك سيمفونية عشوائية تنبئك بالعبث والعدمية المطلقة. يتعانق الدخان والغبار وأنفاس البشر، يئن الثرى والحجر من مطرقة التهميش المتعمد ، وتتلبد السماء بألوان داكنة ، كأنما هي كئيبة على حي عرف فيما مضى تحت قبتها إشعاعا متنوراعلى جميع الأصعدة…

وتلوح “سينما سلام” كتنين محدودب فقد توهجه من فرط الإهمال والتهميش .. فأضحى فارغا فاه يستنشق الفراغ والهواء الممزوج بروائح سمجة لايستسيغها الذوق بعدما كان يتلقف في جوفه افواجا من البشر أو كأنها غدت تبدو للناظر كخرطوم فيل شاخ واضمحل ففقد وظيفته البيولوجية في تذوق متع الحياة .

واأسفاه كيف تحولت سينما سلام إلى ما تحولت إليه بعدما كانت تعج بالحركة والحياة وإغداق المتفرجين بأروع أفلام الفن السابع . أيها المكان بكل نوستالجيته الكامنة في اللاشعور ، والذي وطئته قدماي لأكثر من أربعين سنة ، حينما كنت يافعا أتملى الحياة ببصيرة أخرى.

يامن صمد صمود الأبطال في وجه أعتى زلزال هاأنا الآن المح في تضاريسك المجعدة التي شاخت بعد سنوات من النسيان في الذاكرة الشعبية سيمفونية مبعثرة عبثت بها يد فنان اشمئز من لاجدوى ريشاته التي بدأت تخونه في الخلق والإبداع حينما رجعت لنفسي أسائلها بديلا ممكنا لما هو مستحيل ، وتغييرا لللامتغير في ظل التماهي مع سخرية الأقدار، وسخرية البشر، صرخت بصوت غير خافت .. والكَلِماْتُ بها حشرجة في الحلقوم : هذا مكان لـمْ يعد كالأمكنة كما بالإمكان أن تكون…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى