هل أضحت أعصابنا ملغومة ؟!

 

 

          توصيف الظاهرة

 

اعتدنا على مشاهدة معظم المغاربة ؛ في الطرقات والمرافق العمومية ، وحتى داخل الأسر ؛ بمجرد أن يشرع أحد في التحدث إليهم ينفجرون ؛ وبشكل هادر ومسترسل ؛ غاضبين ساخطين ناقمين أو صاخبين ومعربدين ومقهقهين إلى حد الجنون وانتفاخ الأوداج واحمرارها …

وأحيانا يحس الشخص بجليسه أشبه بآلة تسجيل مفتوحة وقد ضاعت منها أزرار الضبط والتحكم ، كما أن مجرد “تماس” بسيط أو سوء تفاهم ؛ بين هؤلاء الفرقاء ؛ يتطور إلى معركة بإطلاق ألسنة نارية ؛ لا تعير لحرمة الفضاء العام أي اعتبار ، وكثيرا ما تنتهي إلى تراشق بالأيدي أو لقطات من لعبة الكوريدا . فماذا ياترى وراء هذه السلوكيات الساخنة الرعناء ؟ ما الذي يجعل المغربي “يثور” ويهيج لأتفه الأسباب ؟ لماذا كانت عصبوناته  Neuronsبهذه الحدة والإثارة ؟

 

الضغوطات وإفرازاتها السلوكية

 

كانت تتوفر للمجتمع المغربي ؛ فيما مضى ؛ قيم وضوابط أخلاقية ؛ تجعل الفرد مجبرا ، بحكم الحاجة إلى الاندماج الاجتماعي ، على احترام السلوك الاجتماعي المشترك ومراعاة قيمه وأصوله ؛ في عمله ؛ في علاقاته العامة ؛ وبين أفراد أسرته .. فإذا كان منوطا بمهمة ما أو مزاولا لشغل يحرص ؛ إلى حد ما ؛ على كظم قضاياه الشخصية والحيلولة دون حضورها في أداء عمله أو التأثير على مجرياته ، مهما بلغت به من الحدة والثقل .

إلا أن الأجيال الحالية ؛ من مواليد التسعينيات وما دونها ، ومن فرط ثقل “أعباء الحياة” وتعقد مساراتها ؛ لم يعد بإمكانها كبح جماح هذه الأعباء وضغوطاتها ، يحملونها أنى راحوا وأقاموا ؛ خلال العمل ، داخل الأمكنة العمومية ، في السفر والإقامة .. مما يولد لديها دائما الشعور بالضيق إلى حد الاختناق ، فإذا تحدثوا انفجروا صاخبين وإذا ضحكوا قهقهوا إلى حد الإثارة وإذا احتكوا ببعضهم ؛ حتى داخل صفوف المصلين ؛ رفعوا عقيرتهم وتحولوا إلى شيوخ الإفتاء ، أما إذا هاتفوا أحدا عبر البورطابل فثمة ساحة الفنا جديدة ليشنفوا أسماع من حولهم بأغرب الأحاديث وأبشعها شكلا ومحتوى ، أما إذا احتجوا سارعوا إلى استعمال قاموس آخر ما تفتقت عليه عبقرية المعتقلين المجرمين الأشرار .

 

لنجهر بهذه الحقيقة المرة

 

كثيرا ما تطالعنا ؛ بين الفينة والأخرى ؛ قصاصات الأخبار اليومية عن وقوع حوادث سير جد تراجيدية مؤلمة ، سيما ما كان منها متعلقا بوسائل تنقل المسافرين عبر الطرق الوطنية بما فيها السكك الحديدية ، تذهب ضحيتها العشرات بل المئات كل سنة .. وتختتم هذه الأخبار عادة بجملة من قبيل ” نتيجة لتهور السائق” أو “رداءة الطريق أو أحوال الطقس” ، بيد أن هناك حقيقة تظل ضائعة بين أنقاض هذه الحوادث الأليمة ، لا يلتفت إلى أهميتها ووجاهتها أو بالأحرى “ضلوعها” في هذا الحادث أو ذاك ، إنها حقيقة نفسية السائق وضغوطات الحياة التي يحملها على عاتقه وهو يقود عربة أو ناقلة أو قطارا بأرواح وأنفس تزيد أعدادها بين العشرة 10 إلى الثلاثمائة 300 نفرا ؛ يسوق ونظره (عقله) تائه ومرتد إلى دواخله يتأمل زوابعها وآلامها وحرج مواقفها .. وكيف الفكاك من شرنقاتها .. فتتداعى جميع حواسه ومشاعره إلى البؤرة المركزية التي ستحجب عنه ـ في لحظة ما ـ رؤية الطريق ومسار سفره صحبة الآخرين فتقع الكارثة المحققة .

 

هاتف مجاني لإفراغ الشحنات الزائدة

 

هناك دول غربية ؛ على مستوى عال من التعقيد الحضاري ؛ الذي حمّل المواطن لديها أعباء ثقيلة وضغوطات نفسية فوق الطاقة ، فلجأت إلى سن تشريعات صارمة بوجوب خضوع أصحاب مهن النقل خاصة إلى كشوفات طبية منتظمة تشمل الحالات العقلية والنفسية للسائق ، فضلا عن بث أجهزة هاتفية مجانية في الطرقات وأماكن خاصة بغرض مساعدة المواطنين عموما على “التخفيف” من حدة الضغوطات التي يعانون منها ؛ يستعملونها بشكل انفرادي إما للسب والشتم أو الصراخ أو العويل أحيانا ، يقضي المواطن في ضيافتها زهاء دقيقتين 2 إلى ثلاث دقائق 3 كحبة أسبرين للتخلص من الضغوطات النفسية وإفراغ الشحنات الزائدة .

لكن في المغرب ـ مع شديد الأسف ـ يتخذ بعضنا بعضا بمثابة “نفاخة” لإفراغ مكبوتاته وقضاياه ومشاغله ، وإذا لم يجد من يسمعه كبتها لتنفجر في يوم من الأيام في صور مأساوية .

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى