أشيبان يكتب: أوقفوا العبث.. حتى لا ينقلب قطار الوطن !

انقلب يوم الثلاثاء الماضي، قرب بلدة بوقنادل، قطار يحمل مواطنين مغاربة باحثين عن الفرص التي تحدّث عنها الملك في خطابه الأخير، ولم يتحرك ضمير أي واحد من الانتهازيين، الذين تحدث عنهم الملك كذلك في الخطاب ذاته. وفي مثل هذه المواقف، نكتشف كم هو هش هذا الوطن الذي يجمع شتاتنا، وكم نحن رخيصون عند من يتولون تدبير شؤوننا.

لكن الخطير في الأمر، هو أنه لا يمكن أن تعوِّل في بناء الوطن على مسؤولين من هذه الطينة، ماتت ضمائرهم وأصبحت مشاعرهم أمام الموت والفرح سواء (L’indifférence totale). لأن الوطن يبنيه المسؤول الذي يمنعه ضميره من النوم إذا شاهد أبسط المناظر المؤلمة، والذي يمنعه ثقل المسؤولية من التفكير في أخذ يوم واحد للراحة، والذي يضع مشاكل المغاربة في نفس مرتبة مشاكله الشخصية، والذي يرى في ابتسامة رضا من أي مواطن بسيط أكبر مكافأة.

ولنكون منصفين، فمثل هذه الحوادث يمكن أن تقع في أي بلد في العالم، متقدما كان أو متخلفا. لكن الفرق بيننا وبين تلك الدول المتقدمة موجود في طريقة تفاعلنا مع الأزمات، وفي تعبئة كل الوسائل لإنقاذ الناس وإيوائهم، وفي إيجاد حلول بديلة لباقي المواطنين، كي لا تتوقف الحياة، وتستمر عجلة الاقتصاد في الدوران، وفي القيمة التي نعطيها للإنسان، وفي تحمل المسؤولين لمسؤولياتهم وتقديمهم لاستقالاتهم عند شعورهم بالتقصير، ولو بطريقة غير مباشرة، وفي مراقبتنا القبلية لمعايير السلامة، والحرص على توفير خدمات للمواطنين بأحسن جودة ممكنة.

إن الدولة، اليوم، توجد فعلا في مأزق حقيقي، فالوضع الحالي يميزه انتشار نخب متلاشية في كل المؤسسات، وغياب أي بديل فِعلي يملأ الساحة ويكسب ثقة الناس، ووصول درجة الاحتقان إلى مستويات غير مسبوقة (لكن الاختلاف هذه المرة في كون الاحتقان أصبح موجودا حتى وسط الطبقات المتوسطة والميسورة)، وارتفاع صاروخي في درجة كُفْر الناس بالمؤسسات وبالأحزاب وبالسياسة وبالسياسيين، وتحول الملك إلى مُخاطَب مباشر من طرف الشعب في أبسط الأزمات، ورتابة في الحياة العامة، يحسها المواطن البسيط قبل النخب المثقفة، وسقوط حر لمنسوب تفاؤل المواطنين والفاعلين الاقتصاديين بالمستقبل.

فما الحل إذن أمام هذا الوضع المتأزم؟

الحل، على المدى القريب، هو إحداث رجّة قوية وسط الساحة السياسية، لكن ليس هناك أي مجال للخطأ هذه المرة، لأنها ربما ستكون آخر فرصة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فقنبلة الجهل، إذا انفجرت، لن يكون هناك مجال للرجوع إلى الخلف، والجاهل إذا ثار يتحول إلى ثور، لا يميز بين الأخضر واليابس.

الجهل في مثل بلداننا أخطر من الفقر، ومن البطالة، ومن الفساد، ومن الاستبداد… وعندما يصبح الجهل عاملا مشتركا داخل المجتمع، أفقيا وعموديا، فاعلم أن أهم شروط الانهيار قد توفرت. فالجهل، إذا اجتمع مع الفقر، ينتج قنابل موقوتة، إذا انفجرت لا تميز بين الحق والباطل. والجهل، إذا اجتمع مع الدين، ينتج التطرف بكل أنواعه. والجهل، إذا اجتمع بالمال، ينتج الفساد بشتى أنواعه… أما إذا اجتمع الجهل والسلطة، فينتجان الاستبداد في أبهى حلة.

لذلك فإصلاح منظومتي التعليم والإعلام هو الحل على المديين المتوسط والطويل، فالمدرسة هي مركز بناء الإنسان، وإصلاحها يستوجب النأي بها عن مستنقع السياسة أولا، وتوفير الموارد المالية اللازمة لتواكب تقدم العالم ثانيا، وتأهيل الموارد البشرية، التي توكل إليها مهمة تربية وتكوين سواعد وعقول المستقبل ثالثا.

أما الإعلام، فهو أول وسيلة يمكن استعمالها بقوة لتنفيس الاحتقان، وجمع الناس وتعبئتهم حول هدف واحد وهو “بناء المغرب”. لذلك يجب أن يصبح الإعلام منصة فعلية لطرح هموم الناس، ومناقشة القضايا الحقيقية التي تهمهم، ليحسوا بأن هناك من يهتم لأمرهم ويريد إشراكهم في الحل، مع تقديم وجوه جديدة يمكنها أن تقنعهم بأنه لا وجود لمشكل من دون حل، وبأنه لا يمكن اختصار شعب بأكمله في بضعة وجوه مُستَهلَكة، أكل الدهر عليها وشرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى