“البيجيدي” .. الطريق إلى النهاية
* ياسين الضميري
قديما كانت الحكومات السابقة تسوق للمغاربة على أن كل المصائب التي توجد في هاته الأرض السعيدة سببها الجزائر، بداية من القرقوبي و مرورا عبر قوارب الموت و غزو الجراد للحقول الحدودية و انتشار الفقر و الإجرام و هلم جرا من المصائب و الفتن ، كل هذا تقف خلفه الجزائر و تتحمل مسؤوليته المباشرة و غير المباشرة أيضا…
أما اليوم ، و بعد أن غزت العولمة كافة مناحي الحياة و أضحت منصات التواصل الاجتماعي هي المرآة التي تعكس و تفضح كل شيء بعيدا عن الرقابة التي كانت و ما تزال و ستظل تحكم وتتحكم في الإعلام الرسمي الموجه ، اتضحت ضبابية الصورة نوعا ما و تأكدنا بما لا يدع مجالا للشك أن الجارة الشرقية مظلومة “نسبيا” في اتهام حكوماتنا لها لتصدير أزماتنا الاجتماعية و الاقتصادية و “دات غير الشنعة” كما كانت تقول لنا الجدات و نحن صغار ، و لو أن الأمر ذاته يحدث بشكل مشابه عندهم أيضا.
اليوم أدركنا أن كل الأزمات و المصائب التي تحيط بنا في هاته الأرض السعيدة تتحمل حكوماتنا و مسؤولينا النصيب الأوفر فيها ، كل حسب درجته و مكانته في هرم المسؤولية ، و كأن قدر هذا الشعب المسكين أن تتكالب عليه كل المؤشرات لتجعله شعبا يستحق أن يصنف بأنه “الأتعس” في هذا الكوكب.
منذ تولي البيجيدي زمام السلطة و الحكم في المغرب و كل المؤشرات الاقتصادية و الاجتماعية تهوي نحو السفح ، لا بنكيران أفلح في تنفيذ وعوده و لا العثماني خالف الركب و سار في نهج الإصلاح الحقيقي البعيد كل البعد عن الحسابات السياسية الضيقة.
رحلت حكومة بنكيران ، تلك الحكومة غير المأسوف على رحيلها ، رحلت و خلفت وراءها إرثا ثقيلا و ربما أثقل من ذاك الذي وجده بنكيران حين أصبح يرتدي “الكرافاطة” و يؤدي طقوس البيعة التي لطالما انتقذها حين كان يطنب مسامعنا في قبة البرلمان من كراسي المعارضة بالشعارات الفضفاضة، رحلت حكومته و خلفت وراءها عشرات القرارات غير الشعبية التي كادت تؤدي بالبلاد للهاوية بعد أن سجلت في عهدها أكبر نسبة من الوقفات الاحتجاجية و المسيرات لأبناء هذا الوطن خاصة من الطبقات الشعبية الغاضبة و المخنوقة و المسحوقة…
رحلت حكومة البيجيدي الأولى و جاءت الحقبة الثانية و يا ليتها ما جاءت ، وعود وردية معسولة شبيهة بتلك التي يقدمها “زير النساء” لعشيقاته القاصرات و التي بمجرد أن يقضي وطره منهن يختفي دون رجعة و حتى حين يظهر له أثر يجيد التلاعب بالكلمات و يبرع في التراشق بالاتهامات و البحث عن شماعة للتبرير حتى و لو استعان هو أيضا بالجارة الجزائر ليتهرب من مسؤوليته.
حكومة العثماني كانت أكثر قتامة من سابقتها و أكثر اشمئزازا ، و لو أن التاريخ و الزمن عاد بنفسه للوراء لنصح بذاته المغاربة بعدم التصويت لحزب “اللامبة” التي خفت نورها بمجرد أن استحلى وزراؤها الجلوس بالكراسي المريحة في المكاتب المكيفة و في دواوينهم و وزاراتهم “ثريات” و “قنديلات” ، هؤلاء الذين تحولوا من مدافعين عن الطبقات الشعبية أيام “الزلط” لمدافعين عن معاشاتهم و امتيازاتهم عملا بمبدأ “تفوتني غير أنا و تجي فيمن بغات”.
الغريب في فترة حكم “البيجيدي” أن هؤلاء “المداويخ” الذين أوصلوا بنكيران لرئاسة الحكومة رغبة في “البحث عن بديل” ، و “الصكوعة” الذين أوصلوا العثماني أيضا لذات المنصب فقط نكاية في هفوات “إلياس العماري” غير المحسوبة و لا المدروسة ، أضحوا اليوم هم أول ضحايا السياسة البيجيدية التي أصبحت تتعامل ببراغماتية منقطعة النظير بعيدة كل البعد عن المصلحة العامة لعموم المواطنين المغاربة و هذا أمر لم نشهده حتى في أسوء الحكومات التي تعاقبت على تدبير شؤون المغرب منذ بزوغ فجر الاستقلال.
و تلك الأيام نداولها بين الناس ، اليوم سلطة و تسلط و غدا من يدري ، هناك حيث الحساب العسير ، حيث لا ينفع مال و لا بنون و لا جاه و لا سلطة و لا تجارة دين و لا هم يحزنون ، هناك حيث الكل سواسية ، كل حسب صحيفة أعماله، فهل سيتذكر “البيجيديون” ما جاء في الأثر عن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه : “لو أن بغلة عثرت في العراق لسُئل عنها عمر لِمَ لَمْ تمهد لها الطريق؟”.
و في النهاية ، صحيح أن أزمات المغرب و مصائبه لا يتحمل “البيجيدي” وحده مسؤولياتها ، غير أنه هو بذاته جزء من المشكل ، و لا بد من التذكير أن من أوصل “البيجيدي” لسدة الحكم قادر على أن يزيلهم منها و يصعد بغيرهم ، و هذا أمر حتمي بكل تأكيد و مجرد حقبة و ستنتهي بسلبياتها و إيجابيتها ليظل التاريخ شاهدا على من خان العهد و باع الوهم وساوم في القيم و فرط في المبادئ و تنازل عن الكرامة و اشترى الحياة الدنيا بأبخس الأثمان…
*صحافي و كاتب رأي