
طنجة تحتضن دورة إدارة التغيير
في يوم السبت 27 يوليوز2024، على تمام الساعة السادسة مساء بفندق ROYAL TULIP بطنجة، نظم مكتب EQOTA Consulting للاستشارات و التكوين، دروة عنوانها ” التغيير إرادة و إدارة” تحت شعار غير ما بداخلك يتغير ما بحولك . لكن المحاضر هنا ليس كوتشا و لا مدربا للتنمية البشرية.. بل هو الشيخ المربي الذاكر الصوفي سيدي ياسين الوزاني حفظه الله .. فتخيل معي – أيها القارئ الكريم – عندما تتعلم هذه المهارات من أصحاب البصيرة و أهل العرفان .. ممن يمتحون من معين القرآن، و يقتدون هدي النبي العدنان عليه صلوات الله.. فطالما صدعوا رؤوسنا أصحاب التنمية البشرية بالكلام عن التغيير و الإيجابية و …. لكن كلامهم تحفيز لحظي.. و تخدير موضعي.. و بعبارات معسولة منمقة رشيقة.. و تحليق فوق السحاب الصراد في العالم الوردي بأجنحة من ورق..
لكن في هذه الدورة تجد المحاضر (الشيخ) يفتح قلبك و عقلك على باطن القرآن الذي يأخذك من ألبابك ليوقفك على حقيقة نفسك و يفتح بصيرتك على دنياك و آخرتك..
أنت مطالب بالتغيير و ليس التغير:
فبدأ الدورة بتعريف مفهوم التغيير و أنه تطوير و ترقية للوصول إلى مرتبة الصلاح. و ليس المقصود به التغيُّر الذي هو تأثر لحضي و التغير المفاجئ الكلي الذي يدندن حوله أصحاب التنمية البشرية..
و من هنا ربطك الشيخ بالله.. فأنت تتغير لتكون صالحا لله .. و ليس صالحا لتحقيق مكاسب عابرة أو أهداف بسيطة..فإذا كنت له كما يريد كان لك بما تريد..
و حذر من ترك هذا التغيير للقدر ، فقد يأتيك بما لا يحمد عقباه.. فقد يأتيك بالمرض لتقلع عن عادة سلبية تمكنت من قلبك و عقلك و نفسك .. و قد يأتيك بظلم يقع عليك لتفر إلى الله و تصطلح مع ربك.. و قد يأتيك بفقدان شخص عزيز لتعيد حساباتك..
المفاجأة:
و هنا فاجأ الشيخ الحضور بكبسولة فنية أقل ما يقال عنها أنها مبدعة، حيث تكلم شخص ( كان رتب مسبقا مع الشيخ هذا العمل الفني المسرحي المبدع) بصوت الضمير .. و كأنه يتكلم بلسان الحضور فقال:
نعم أريد التغيير.. و لكن كيف؟ طالما حاولت و فشلت؟ هل أستطيع أن أكون أفضل مما أنا عليه الآن؟ أم أنك ستقول لي ما يقوله الآخرون..سئمت من هذا الكلام..
و هنا دخل هذا الصوت (الذي لم يظهر صاحبه) في حوار مع الشيخ.. و كان حوارا لخص فيه الشيخ أسباب مقاومة التغيير ..
موانع التغيير:
ثم استأنف الشيخ حديثه عن موانع التغيير فذكر سبعة موانع تمنع الشخص عن التغيير:
إدمان الروتين.
عدم القدرة على التغيير.
عدم وجود الأهداف.
الجهل بطريقة التغيير.
عدم معرفة الأولوية في التغيير.
الخوف من فقدان الامتيازات المزيفة القائمة.
عدم القدرة على التحرر من منطقة الراحة.
و قد أجاد و أفاد حفظه الله في تفكيك و تشريح هذه الموانع بمشرط الخبرة التي راكمها من الاحتكاك مع الناس الذين يلتجئون إليه للمشاورة أو الشكوى أو التفريغ النفسي.. و بكشاف نور الإيمان، كيف لا و هو شيخ مربي خريت بخبايا النفس و تلوناتها..
غير ما بداخلك يتغير ما بحولك:
ثم وضع الشيخ بواسطة المسلاط هاتين الآيتين على الحائط :
“ذلك بأن الله لم يك مغيرًا نعمةً أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” الأنفال: 53
“إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” الرعد:11
و اعتبر – حفظه الله – أن تغيير الخارج ما هو إلا تغيير لمجموعة من القناعات و التصورات في الداخل، و خصوصا بالتعرف على المناطق الشعورية النفسية الخمسة و هي:
منطقة الاعتبار
منطقة التركيز
منطقة الاعتزاز
منطقة التوهم
منطقة الراحة
فلا يغير الله ما بحولك حتى يعيد الشخص ترتيب هذه المناطق بالوعي و الإيمان و المربي..
كيف نحقق التغيير؟
و بعد أن أرسى فضيلته قواعد التغيير و لبناته الأساسية، دخل في الموضوع الرئيس :كيف نحقق التغيير؟
و فجأة اقتحم القاعة ذلك الهاتف مرة أخرى و قطع انتباه الحضور.. و هنا سيلخص الشيخ بهذه الكبسولة الفنية كل الدورة.. فقال ذلك الهاتف الذي لم يظهر صاحبه بعد:
نعم نعم.. كلام جميل .. أريد أن أتغير .. لكن أخاف! أخشى ! لا أستطيع! قطعا سأفشل! حاولت مرارا!
و هنا طلب الشيخ من هذا الهاتف أن يظهر و يعلن نفسه.. فخرج رجل شاحب الوجه، يحمل على ظهره صرة كبيرة سوداء قوست ظهره، و يجر حقيبة كبيرة.. ترتعد فرائسه من الخوف .. و يرتدي معطفا أسودا ..
فتقدم نحو الخشبة و كأنه يشق الأرض من التعب و التباطئ.. في ذهول الحضور و استغرابهم .. حتى بلغ الخشبة التي يقف عليها الشيخ..
فساعده الشيخ على صعود الخشبة في إشارة إلى أهمية دور الأستاذ في حياة الباحث عن حقيقته.. فالأستاذ هو المعين و المرآة..
فلما صعد هذا الشخص ( و الذي جسد هذا الدور هو المسرحي البارع و المبدع معاذ الشبكي) إلى المنصة سأله الشيخ:
لماذا تخاف من التغيير؟؟
قال: أخاف مِن …( و بدأ يلتفت يمنة و يسرة) ؟؟ لا أدري!!
أخاف من نظرة الناس !!
بل أخاف من كل شيء!!
قال له الشيخ: و ما هذا الذي تحمله على ظهرك حتى أثقل كاهلك ؟!!
قال: لا أدري!! (فالتفت إلى الوراء) نعم ..نعم.. إنه الخوف الذي أتعبني و ضيق علي الأرض بما رحبت.. يا الله كم هو ثقيل و مؤلم..
قال له الشيخ: و ما هذه الحقيبة الكبيرة التي تجرها خلفك؟!!
قال: هي حقيبة المتخليات!!
قال الشيخ: المتخليات؟!!
قال: نعم.. أتخلى فيها عن أمور..و أصحبها لعلي أحتاج إليها يوما !!
قال الشيخ: و لماذا تحمل معك كل هذا الثقل .. تخفف من حملك ليمكنني مساعدتك..
قال (في استجداء): هل تستطيع أن تساعدني ؟!! أتستطيع أن تجعلني أتغير و أعيش حياة طيبة؟!!
قال الشيخ: نعم بإذن الله .. و لكن يجب أن تتعاقد مع أمور و تنهي علاقاتك بأمور..
قال: كيف؟!!
قال الشيخ: أولا أزح عن كاهلك هذا الثقل.. و تخلى عن هذا الخوف الذي أتعبك و أنهكك..
(ففك له الشيخ تلك الصرة التي كان يحملها على ظهره..)
فقال: يا الله كم ارتحت الآن.. كم كان ثقيلا.. و لكن أنت حملته بكل يسر…أليس ثقيلا؟!!
قال الشيخ: لا .. ليس ثقيلا.. و لكن أنت الذي حسِبته ثقيلا.. فإياك أن تحمله مرة أخرى.. و تعاقد مع التوكل على الله.. و اليقين في الله.. و الرضا عن الله.. و الرجاء لما في يدي الله..
و الآن تعالى نفتح هذه الحقيبة العجيبة (ففتح الشيخ الحقيبة و أخرج منها نظارة طبية) فقال له: ما هذا ؟!! تخليت عن نظارتك في حقيبة المتخليات؟!!
قال: ما عدت في حاجة للنظر.. كل شيء باهت..كل ما حولي قاتم!!
قال الشيخ: بل ضع نظارة الحكمة لترَى المراد من الأشياء ( فألبسه النظارة..ففرح فرحا شديدا )
قال: أنا الآن أرى جيدا.. و أرى بوضوح.. الحمد لله يا رب !!
فأخرج الشيخ من الحقيبة ساعة يدوية و قال له: ما هذا؟!! تخليت عن ساعتك التي تنظم وقتك ؟؟!!
قال: و ما أفعل بالساعة إن كانت الأوقات متشابهة.. فلا قيمة لها عندي!!
قال الشيخ: الوقت رأس مالك.. و نحن لا نموت عندما تفارقنا الروح.. بل نموت عندما تتشابه أيامنا .. و لا يزداد منا إلا الوزن و العمر.. يا هذا نظم وقتك لتحيا.. و من فرط في وقته فهو ميت و إن تحرك بين الأحياء.. ( فألبسه الشيخ الساعة اليدوية)
ثم أخرج الشيخ من الحقيبة سجادة الصلاة.. فقال له باستغراب: ما هذا؟!! هل تضع الصلاة في حقيبة المتخليات؟!!
قال: هذه سجادتي كنت أصلي عليها قيام الليل!!
فقال الشيخ: عد إلى قيام الليل فهو نورك في ظلام المصائب و التحديات و المنغصات..
فقال ذلك الشخص: نعم سأتعاقد مع كل هذا و لكن..!!
فقال له الشيخ: قبل أن تكمل.. لماذا ترتدي هذا الحال الظلماني.. هذا المعطف الأسود .. الذي يُلبسك حال التشاؤم و الحزن و الضعف.. اخلع هذا المعطف!!
و ألبسه الشيخ معطفا جميلا أخرجه له من حقيبة المتخليات و قال له : اِلبس هذا الحال النوراني.. ففيه الفرح و التفاؤل ..
ففرح هذا الشخص و عزم ذاهبا فقال له الشيخ: تمهل!! خذ معك هذه الصرة و هذا المعطف الأسود.. و لكن ضعهما في حقيبة المتخليات.. و لا تنس.. أنني فقط أعدت ترتيب حياتك و لم أضف لك شيئا ..
دواؤك فيك و ما تشعر.. و داؤك منك و ما تبصر
و انتهت هذه الكبسولة الرائعة و غصت القاعة بالتصفيق الحار..
أسباب معينة على التغيير:
فتابع الشيخ محاور دورته و أضاف أن نجاح التغيير في حياتك مرهون بالآتي:
الرغبة الصادقة: فلابد أن يكون عندك التغيير في منطقة الاعتبار التي ذكرناها آنفا..
القرار الثابت: الذي لا يثنيه شيء.. و لا يثبطه أمر..
الاعتراف بوجود أعطاب مانعة: و هي الأعطاب التي توجد في شخصيتك و التي تمنعك عن التغيير..
وصفة التغيير النبوية: و التي تقوم على اليُسر و التدرُّج و المرونة..
و قال في ختام هذه النقاط :
“لا يمكن أن يتحقق كل هذا إلا إذا خرج الإنسان من منطقة الراحة.. و للتقليص من تحكم منطقة الراحة يجب إدخال عادات إيجابية جديدة لتزاحم الروتين اليومي.. و لا يمكن أن ينجح المرء في تثبيت هذه العادات الإيجابية إلا بالتعاقد مع معانيها”
كيفية إدارة التغيير:
و ختم فضيلته هذه الدورة بآخر محور و هو كيفية إدارة التغيير.. و اعتبر أن التغيير الناجح يتكون من خطة متينة عناصرها كالشكل التالي:
تمرين في التغيير:
ثم قدم مجموعة من الأسئلة المعينة على التغيير:
– في نظرك ما الذي يجب أن تغيره في حياتك؟
– ما هي الأشياء التي جعلتك إنسان اليوم؟
– هل ترى في هذه المرحلة من حياتك أنه قد حان وقت الترقي أو ليس بعد؟
– ما هي آخر مرة شعرت أنك تغيرت للأفضل؟
خلاصة القول و زبدة الكلام:
و في الختام أقول: كم نحن في مسيس الحاجة إلى هذه المعرفة المبصرة الرصينة، التي منبعها القرآن الكريم، ومعلمها شيخ جمع الله له بين العلم الصحيح و الحال الصريح.. فهذه الفوائد و الفرائد يحتاجها كل إنسان للوصول إلى الحياة الطيبة و العيش الهني.. هذا هو الخطاب الديني الذي نحتاجه الآن.. خطاب يفيد و يعين و يرشد و يهدي.. فجزى الله فضيلة الشيخ ياسين الوزاني على هذه الدورة الرائعة و النافعة و المبدعة و جعلها الله في ميزان حسناته.
بقلم ايوب الهسكوري
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X