هل يقطع المغرب مع نظام “المأذونيات” لتحقيق التنافسية ؟؟

شكل نظام الامتيازات نقطة سلبية في الاقتصاد المغربي مند فجر الاستقلال الى الآن، بالرغم من انتقادات وجهت لهذا النوع من اقتصاد ” الريع” الذي بقي عائقا رغم الإصلاحات الكبيرة التي عرفتها المملكة في كافة المجالات .

وشكل نظام الامتيازات انتقادات من طرف الباحثين والمختصين وحتى الساسة ، لما يوفره من تشجيع على الريع على حساب النجاعة الاقتصادية والإبداع ، كما يجعل قطاعات عديدة محتكرة بشكل يشل معه انفتاح الاقتصاد الوطني.

ما هي مأذونية نقل ؟

يطلق عليها بالدارجة المغربية ب ” لݣريمة ” ، هي رخصة استغلال سيارات الأجرة بالمغرب ووسائل نقل مدفوعة الثمن (غير عمومية) في المغرب. تم إنشاء هذا النوع من الرخص بعد استقلال البلاد سنة 1956 لتقنين قطاع النقل الحضري والجهوي، إلا أن نظام تداول هذه الرخص يضل أوضح مظاهر الريع في الاقتصاد المغربي.

– الخلفية التاريخية

في الخمسينيات والستينيات، من القرن الماضي، بعد استقلال المغرب عن فرنسا، عمدت السلطات آنذاك لبناء مجتمعات عصرية في المدن القليلة. فبالإضافة إلى النقل الحضري بكل من الدار البيضاء، الرباط، فاس، مراكش، مكناس، طنجة ووجدة، عمدت السلطات إلى دعم النقل المدفوع الثمن عبر الخواص كسيارات الأجرة الصغيرة، سيارات الأجرة الكبيرة وحافلات النقل الجهوي، عبر توزيع مأذونيات النقل على أعضاء من جيش التحرير سابقا والأشخاص أو الأسر ذات الاحتياجات الخاصة.

– التوظيف السياسي

في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، عاش المغرب نوع من التجاذب السياسي بين الدولة والمعارضة آنذاك، مما أدى بالسلطات لاستعمال هذه الامتيازات (كرخص استغلال لوسائل النقل أو استغلال بعض الثروات المعدنية أو البيئية لفائدة الأعيان، و كبار الفنانين، الرياضيين وحتى بعض من يُعرفون برجال الدين ، بالإضافة إلى فئة قليلة من حصلوا عليها عن طريق العوز التام عن طريق طلبهم للملك مباشرة خلال زياراته لربوع المملكة.

– الخلفية القانونية

ينظر التشريع المغربي لرخصة استغلال وسائل النقل على أنها “هبة” وليست حقا يمكن المطالبة به. لا يمكن لأي شخص التقدم بطلب رخصة استغلال للسلطات المحلية بضوابط واضحة أو طرق توزيع شفافة، فالرخصة عبارة عن إكرامية «اجتماعية» تدوم 6 سنوات، قابلة للتجديد المتكرر، لا يمكن ان تُسحب من صاحبها ويمكن كراؤها أو توريثها وحتى بيعها.

– أصناف المأذونيات

توجد في المغرب 9 أصناف لرخص استغلال وسائل النقل الغير عمومية، وهي كالتالي :

1. استغلال سيارة أجرة صغيرة للمجال الحضري فقط بإلزامية العداد

2 . استغلال سيارة أجرة كبيرة بين المدن .

3 . استغلال سيارة أجرة للبضائع عبارة عن سيارات صغيرة ذات مقصورة لشخصين ومساحة نقل البضائع بحد أعلى 3 طن وتسمى بالعامية “هوندا” .

4 . استغلال شاحنة أجرة للبضائع للخواص، تستعمل في نقل مواد البناء أو الأثاث أثناء الرحيل .

5 . استغلال حافلة نقل حضري داخل المدن، لها الحق في استغلال بعض الخطوط الحضرية موازاة مع حافلات النقل العمومي .

6 .استغلال حافلة نقل جهوية و هي حافلات نقل جهوية للمسافات الطويلة بين المدن، بعض هذه الحافلات بذائي وأخرىات مريحات دون معيار موحد .

7. استغلال هيلكوبتر سياحية هي مروحيات نقل سياحية، تُستعمل لأغراض التصوير من السماء أو نقل بعض رجال الأعمال.

8 . استغلال طائرة نقل اجرة صغيرة بمحركين مروحيين للمجال الوطني فقط (5 مقاعد).

9 . استغلال باخرة لنقل المسافرين مثال (باخرة بلادي، باخرة مراكش أو كوماناف …) .

– وزارة الداخلية تبدأ في الاصلاح

اتخذت وزارة الداخلية، مؤخرا، قرارا جديدا بخصوص “كريمات” سيارات الأجرة الكبيرة والصغيرة (الطاكسيات)، بعدما أعلن الوزير عبد الوافي لفتيت عن تجميد إصدار “الكريمات” الخاصة بسيارات الأجرة بصنفيها الأول والثاني، نظرا لكون الوضعية الحالية لسيارات الأجرة بأغلب عمالات وأقاليم المملكة لم تعد تسمح بإضافة رخص جديدة في الوقت الراهن.

وقد ذكر لفتيت في جواب على سؤال تقدم به أحد البرلمانيين ، بأنه تم اتخاذ عدد من الإجراءات والتدابير وفق مقاربة تشاركية من أجل تكريس المهنية بالقطاع، خاصة من خلال حصر استغلال رخص سيارات الأجرة على السائقين المهنيين وعدم المصادقة على تقويض الاستغلال بالنسبة لأي عقد جديد أو تجديد عقود الاستغلال عند انقضاء المدة المحددة بالنسبة للمستغلين غير المهنيين.

– هل القرار بداية إزالة ورم ” الريع ” في قطاع النقل ؟؟

بحسب تقرير صادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، حول مكامن ضعف النموذج التنموي الحالي، أكد على أن نظام “الامتيازات” في المغرب قد تسبب في بطء النمو الاقتصادي .

ومن المعلوم أنه ليست ” المؤدونيات ” لوحدها من تشكل حجرة عثر أمام الاقتصاد الوطني ، بل هناك العديد من القطاعات لازالت تحت وطأة نظام الامتيازات، مثل المحروقات والنقل العمومي ومقالع الرمال والصيد في أعالي البحار. وفي رأي المجلس، فإن “وضعيات الريع غير المُنتِجة قد تتولد من رحم السياسات الاقتصادية نفسها، حينما يتم تخويل إعفاءات وتحفيزات ضريبية لبعض القطاعات والفاعلين دون تقييم وتتبع صارم ودقيق لمدى فعاليتها”.

ويؤكد تقرير المجلس الاقتصادي أن ” خطر بعض أشكال الريع يكمن في كون غالبها تتخذ طابعا قانونيا بموجب المساطر المتبعة، مضيفا نفس التقرير أن “استمرار الامتيازات والمُحاباة في المغرب قد يُساهِم في بعض الحالات في إفساد مناخ الأعمال، على اعتبار أن الأفراد يُكرِّسون جزءاً من جهودهم ومواردهم المالية في الحُصول على فرص للريع ويجتهدون في المحافظة عليها بشتى الوسائل”.

وبالإضافة إلى نظام الامتيازات والمُحاباة عبر المأذونيات والتراخيص، يتسم الاقتصاد الوطني، حسب التقرير، أيضاً بتركيز كبير في مُعظم القطاعات بشكل يُولد وضعيات مُهيمِنة على السوق لفائدة بعض الشركات الكبرى.

وحسب المجلس، فإن العوامل سالفة الذكر “تُمثل عقبات رئيسية؛ لأنها تحول دون بروز فئة من المقاولين القادرين على استثمار وتثمين فرص الإنتاج والابتكار داخل الاقتصاد، وتكرس وجود لوبيات الريع والمُضاربين غير المُنتِجين الذين يشكلون جيوب مقاومة حقيقية تعيق التغيير”.

وبالإضافة إلى ما سبق ذكره، يُهدد نظام الامتيازات التماسك الاجتماعي في المملكة على اعتبار أن المواطنين أصبحوا أكثر وعياً وأقل قبولاً لمظاهر الحيف والامتيازات والفوارق؛ وهو ما يفسر تنامي وتيرة الاحتجاجات ذات المطالب الاجتماعية، من قبيل احتجاجات الحسيمة وجرادة وحركة المقاطعة.

وحسب نتائج استشارة قام بها المجلس حول نظام الامتيازات والمحاباة، اعتبر 50 في المائة من المشاركين فيهابأن ثمة اتفاقات في ما بين الفاعلين الاقتصاديين تكون على حساب مصلحة المواطن، كما اعتبر 42 في المائة منهم أن مبدأ المنافسة غير متحقق بالقدر الكافي.

ويترتب من مكمن الضعف الذي يعتري النموذج التنموي الحالي جملة من أوجه القصور التي يُعاني منها المغرب؛ فعلى مستوى الرخاء الاقتصادي يدفع ضغط الامتيازات وغياب المنافسة إلى عدم تشجيع حاملي المشاريع، وبالتالي إعاقة الاستثمار والنمو والشغل. كما يتسبب نظام الامتيازات أيضاً في ضعف تكافؤ الفرص من خلال ولوج غير منصف إلى فرص الاستثمار لا يُقدر مبادئ الاستحقاق والعمل والإبداع، ناهيك عن تأزيم علاقة الثقة بسبب غياب إجراءات فعالة لمكافحة نظام الامتيازات وعدم تعميم المحاسبة؛ الشيء الذي يضعف الثقة في المؤسسات ويغذي هوامش الفساد والمحسوبية.

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. سياسة دكتاتورية فاشلة ، ملكية منذ عقود لم توفر حتى مشفى لنفسها ، والله اعلم ما للعرب عن ملكنا من فديوهات وما لا يحكى ، من شدود ووووو

  2. هناك أشياء كثيرة يجب أن تحرر و أخرى يجب فرض تحريرها. حيث نجد شيوخ يرأسون منضمة شبابية.
    أما الطاكسيات مالك الطاكسي من يسوقها مثل الصيدليات دون معاون و عمر السيارة لا يتجاوز 5 سنوات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى