رحلة لجهنم.. حين دفع الفقر “الدكالي” لركوب الطائرة أول مرة (الحلقة1)

الساعة تشير للعاشرة و النصف صباحا، وضع حقيبته على ظهره و عانق والدته التي غيرت تجاعيد الشقاء ملامح وجهها، احتضنته كما أنها ستراه للمرة الأخيرة و هي تنطق بعبارات الدعاء الممزوج بالدموع، غالب دموعه بدوره و عاد ليتأكد من وجود جواز السفر الأخضر بحوزته، ثم انطلق نحو وجهته.

ودع رشيد أمه و إخوته الأيتام و غادر الدوار الذي ظل يراوحه لما يزيد عن العقدين من الزمان، ظروف الحياة لم تعد تسمح له بتضييع المزيد من الوقت، كيف لا و هو لا يمتلك سوى شهادة تمدرس تشير لتوقف مسيرته التعليمية في السنة الثانية من سلك الإعدادي.

رشيد الذي هو أكبر إخوته الأربعة، ظل طيلة سنوات يحمل أطنانا من المسؤولية بعد وفاة والده المنحدر من أسرة قروية بسيطة بدكالة، مصاريف الحياة و متطلباتها و رغبته في أن يوفر مدخولا يعينه على إسعاد أمه و إرسالها للحج لتعويضها عن كل ما ضحت به من شباب و جهد و صحة ليصبح هو رجلا و كذا أمله في تحقيق إخوته الحلم الذي عجز هو عن تحقيقه باستكمال دراستهم، كلها عوامل ظلت شعلتها تتقد يوما بعد آخر ليقرر في لحظة معينة هجرة الوطن بحثا عن تحسين سبيل العيش.

فكرة الهجرة بدأت تدور في ذهن رشيد منذ التقى في مقهى القرية بأحد أقرانه الذي هجر الوطن قبل سنوات عبر ركوب قوارب الموت، و بالضبط حين حكى له كيف هاجر بسهولة لإيطاليا و كيف تعرف على شقراء لها من الجمال ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و تزوج بها، و كيف اشتغل مقابل رواتب و منح لم يكن يحلم بها يوما و كيف اشترى سيارة و منزلا و أصبح يسافر لدول و مناطق عدة من العالم.

التغيرات الكبيرة التي كان رشيد شاهدا عليها في شكل و هيئة و حياة قرينه الاجتماعية و المادية قبل و بعد، جعلت فكرة الهجرة التي تناسها تعود لمخيلته من جديد، فشرع يبحث عن طريقة تضمن له الوصول للنعيم المفقود.

اهتدى الشاب الدكالي الأصل بعد بحث معمق لفكرة الهجرة عبر تركيا، خاصة أن عدم إتقانه للسباحة والتي تحولت فيما بعد لفوبيا من البحر جعلته يستبعد بشكل تلقائي الهجرة من خلال ركوب قوارب الموت.

غادر إذن رشيد الدوار و هو يحمل حقيبة ظهر تضم بعضا من الملابس و المستلزمات و جواز سفر و تذكرة نحو تركيا اقتناها بمبلغ يقارب الخمسة آلاف درهم تحصل عليها من خلال بيع عجل كان يملكه.

اختار رشيد وسيلة نقل عبارة عن “خطاف” سيوصله لمطار محمد الخامس بالدار البيضاء ، طوال مسار الرحلة و هو يسترجع دعوات أمه و معها أحلام وردية راودته منذ بدأ يفكر في الضفة الأخرى، و بين لحظة و أخرى يطالع ساعته اليدوية و يسأل السائق عن المدة المتبقية للوصول للوجهة، الطائرة ستقلع في الساعة الخامسة زوالا و عليه أن يكون بالمطار قبل ثلاث ساعات من الإقلاع كما أكدوا له في وكالة الأسفار التي حجز بها تذكرته، صحيح أن الوقت لا يزال مبكرا بكثير عن موعد الرحلة لكنه يريد أن يصل و لو قبل ست ساعات من الموعد، خصوصا أنها المرة الأولى التي سيشاهد بأم عينيه طائرة ما عن قرب، بل الأكثر من ذلك سيركب فيها… (يتبع).

*تلتقون مع حلقة جديدة لسلسلة “رحلة لجهنم” يوميا بعد الزوال طيلة شهر رمضان على موقعكم هبة بريس.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. العهر و الانحلال مكان أصحابه جهنم.الى المتجاوزين و المتجاوزات ذوى الرئة الثانية في الانحطاط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى