واقعة “الكيف” والبيجيدي .. ومقولة “يلزمك 20 سنة لتبني سمعتك ويكفيك 5 دقائق لتفقدها”

ع اللطيف بركة : هبة بريس

قال الميلياردير الشهير “وارن بوفيت” يلزمك 20 سنة لتبني سمعتك ويكفيك 5 دقائق لتفقدها”، المثل ينطبق على واقع الحال للحزب الحاكم بالمغرب ” البيجيدي” بعد الجدال الذي خيم على قانون ” تقنين القنب الهندي” و الانشقاق الذي وقع بين الاخوان بين مؤيد ومعارض للمشروع الذي تقدمت به وزارة الداخلية من أجل شرعنة ” الكيف” لأغراض صناعية طبية.

فمجرد ما صادق العديد من الاخوان على قانون ” شرعنة الكيف” جمد الامين السابق للحزب ” بنكيران” عضويته بالحزب، وما أعقبها من ” فرقشات ” لنشطاء فايسبوكيين حول إقدام الحزب ” الاسلاموي” على التصويت على القنب الهندي، وكثرت التعليقات والانتقادات ومن يحرم ” العشبة ” ومن يحللها لأغراض طبية .

لكن كثيرون إستغربوا من تجميد بنكيران لعضويته من حزب المصباح، وهل ذلك له مرتكز أساسي حتى يأخذ الامين السابق هذا الموقف، هل بنكيران حرم ” العشبة” خارج الجهاز المكلف بذلك، أم أن هذا الاخير حاول إزعاج ” الكبار” أصحاب الشركات المختصة في الأدوية التي ستستفيد من تقنين ” الكيف” وما يمكنه يدر ذلك من زيادة في الاموال، أم أن بنكيران حاول بتجميد عضويته من الحزب وفضل الهروب الى الامام وانقاذ وجه الحزب الذي يتبنى المرجعية الاسلامية وما أحدثه التصويت على ” الكيف” من صدمة على مناضلي الحزب وتراجع مواقف الكثيرين من تراجعات الحزب .

فواقعة ” الكيف” قد تكون أخر مسمار يدق في نعش الحزب قبل الانتخابات المقبلة، وحجم تراجعاته بعد واقعة سابقة ” التطبيع” وإنزاله الكثيف لنوابه في ملف ” القاسم الانتخابي” وما اعقبها من إنهزام ل ” بيجيدي” بعد تصويت الاحزاب المشاركة في الاغلبية الحكومية على مشروع القانون .

– حراك شعبي أوصل ” المصباح” ومرجعيته تطفئ ” مصباحه”

حزب “العدالة والتنمية” وحتى بداية 2012 كان من ضمن قلة من الأحزاب السياسية في المغرب التي لم تشارك في أي حكومة، وقد منحه ذلك قوة داخل المعارضة البرلمانية لا مثيل لها بين باقي الأحزاب كما أن الغطاء الديني أو المرجعية الإسلامية التي تبناها الحزب في خطاباته مكنته من بناء قاعدة شعبية واسعة.

الانقلاب الذي حدث في أول يوم من تعيين سعد الدين العثماني، يفتح الباب أمام التشكيك في مرجعية “العدالة والتنمية” ومدى صمودها أمام الإغراءات والضغوط.

لكن السرعة الفائقة التي طبعت تراجع الحزب عن مجموعة من المبادئ العامة أثارت الكثير من الردود. فالحزب عندما يصرح أن مرجعيته الإسلام، فمعنى ذلك ليس بالضرورة أن يفرض تفسيره الخاص للدين على مؤسسات الدولة أو الهيئات المدنية باختلافها، فمسألة الإيمان والتدين تبقى شأنا فرديا ولا يمكن تسطيرها ضمن برنامج حكومي أو قوانين وضعية، وهذا الأمر، وإن كان الحزب خلال أيام المعارضة يروج خطابا معاكسا له إلى حد واضح، غير أنه سرعان ما أدرك، وهو يتسلم مجموعة من القطاعات في الدولة، أن مشروعية القرارات داخل الحكومة تستند فقط لشيئين لا ثالث لهما، وهما الوثيقة الدستورية ثم النصوص القانونية، وليس إلى تفسير الدين على أساس أيديولوجية الحزب، إلا أن ذلك لا يعفي الحزب من المساءلة حول تراجعه عن مواقفه المفترض أنها تستند إلى مرجعيته الدينية، وهي مواقف شخصية تنطلق من الأدبيات التي تناسب قناعات مكوناته منها التصويت على قانون ” تقنين القنب الهندي”، وهو ما زاد تشكيك الشارع المغربي في مرجعية “العدالة والتنمية” ومدى صمودها أمام الإغراءات والضغوط، وهي الأدبيات التي طالما شدد على أنها تستند إلى الأسس الإسلامية، وبالتالي هي ميثاق أخلاقي يتوجب على الحزب الالتزام بمضمونه في ممارسات وزرائه في تدبيرهم الشأن العام وفي جميع مواقفهم، إذ إن السياسي عندما يقر بأن مرجعيته السلوكية والأخلاقية إسلامية، فان معنى ذلك، أنه يتبنى كشخص أخلاقيات تمنعه من كل الانزلاقات المخالفة للأخلاق كالكذب على المواطنين مثلا أو تزييف الحقائق والسكوت عن قول الحق وفضح الفساد والاختلالات الكبيرة حفظ الأمانات وعدم الإسراف في المال العام، واحترام المواثيق والوعود وعدم الغش وحفظ الأبدان وعدم السماح بإيذائها، وهي كلها مقومات رئيسية للدين الإسلامي، ولا يمكن للشخص أن يقدم نفسه قدوة في الالتزام الديني دون أن يحرص على الالتزام بها.

فهل احترم الحزب تلك الأسس الدينية التي يفترض أنها تشكل لبنات البناء المرجعي لديه، فمثلا هل تبنى في تدبيره الحكومي وعود “إسقاط الفساد والاستبداد” ومحاكمة المفسدين والمتورطين في الاستبداد والشطط في استخدام السلطة الذي استقاه من شعارات الحراك الديموقراطي، وهل فضح وزرائه الاختلالات التي وجدوها في مكاتبهم الوزارية، أو هل أمر وزير العدل بالتحقيقات في كل تلك التجاوزات الأمنية الخطيرة في حق المتظاهرين وهل أمر وكلاء الملك الخاضعين لنفوذه كرئيس للنيابة العامة بشن حملات تطهيرية في بعض الملاهي والكباريهات التي تعد أوكارا لشبكات الاتجار بالبشر واستغلال القاصرين وهي نشاطات يجرمها القانون الجنائي والتزامات المغرب دوليا، خاصة بعد الضجة التي خلقها فيلم “الزين لي فيك” والحديث الذي دار في أعقابه عن هذه الأوكار والجرائم واستغلال بؤس النساء والفتيات للمتاجرة بهن واستقطابهن..

كل تلك الوعود اصطدمت خلال لحظة مجابهة الأمر الواقع، بالحقيقة التي سعى الحزب طيلة ولايته الأولى إلى تغليفها بغلاف الإكراهات والمبررات الواهية، وهي لحظة كان يفترض أن تؤكد فيها قيادة الحزب مواقفها وقناعاتها المستمدة من العقيدة، وأن تعلن تشبثها بمبادئ الميثاق الأخلاقي للحزب المفترض أنه تأسس على مقومات الإسلام التي ذكرناها سلفا، غير أن ما وقع، هو ذلك الذي تابعه الملايين من الناس، وهو ما وصفته قطاعات واسعة داخل العدالة والتنمية ذاتها بـ “الخيانة” أي خيانة العهد وخذلان الرجل الذي صمد لأزيد من خمسة أشهر من الضغوط السياسية والنفسية ورفض التنازل عن شروط لم يتبناها هو فقط، بل دعمتها الأمانة العامة للحزب وجميع قطاعاته وقواعده..

لكنها في ظرف 24 ساعة غيرت موقفها، ثم خالفت “الأمانة العامة” الوعود التي قطعتها على نفسها و”خانت” الأمانة التي حملها إياها من صوتوا لصالح الحزب، وذلك بالرضوخ طواعية لـ “التحكم” الذي احتج عليه بن كيران وكوادر الحزب طيلة الحملة الانتخابية، وقبول المشاركة في حكومة متشرذمة والرضا بفتات من الحقائب الوزارية .

على “العدالة والتنمية” سلك ما سلكه إخوانهم في “حركة النهضة” التونسية بقرارها التاريخي خلال مؤتمرها العام الماضي قطع كل صلة مع العمل الدعوي، وهو ما ينبغي للعدالة والتنمية المغربي القيام به اليوم قبل الغد.

إن اللحظة التي اتخذ فيها الحزب موقفه الخطير بالتراجع عن شرطه الأساسي وذلك بعد قبوله بحزبي “الاتحاد الاشتراكي” و”الاتحاد الدستوري” وتخليه عن وزارة العدل التي عقدت عليها الآمال خلال الولاية الأولى لتنزيل وعود الحزب بمحاسبة المفسدين، وقبوله بحكومة “مبلقنة”، إلى درجة تحول معها إلى مجرد حزب ثانوي في الحكومة لا أكثر، برئيس رسمي سيمارس عملا شكليا وسيحكم في الواجهة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى