شبكات التواصل الاجتماعي بين التقنين وحرية التعبير

 

 

بقلم النائب البرلماني سعيد بعزيز

حقوق الإنسان مجال شمولي لا يقبل أي تجزئة، ومطلب العيش في مجتمع كريم لا تمس فيه أية حقوق أو حريات، هو الدافع الأساسي إلى المطالبة بتحيين مختلف قوانين الحريات العامة وجعلها ملائمة للدستور ولما تقتضيه المعايير الدولية، ومجرد التفكير في التراجع عن المكتسبات التي حققتها بلادنا في هذا المجال، يعتبر انتكاسة حقيقية.

 

وفي هذا السياق، عملت حكومة التناوب بقيادة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي بإدخال تعديلات مهمة تمس مجال الحقوق والحريات على الظهير رقم 1.58.377 بشأن التجمعات العمومية الصادر بتاريخ 15 نونبر 1958، وذلك بواسطة القانون رقم 76.00 الصادر بتنفيذه الظهير رقم 1.02.200 بتاريخ 23 يوليو 2002، أبرز هذه التعديلات تتعلق بتخفيض العقوبة المنصوص عليها في الفصل 12 من (مدة تتراوح بين ستة أشهر وثلاث سنوات) إلى (مدة تتراوح بين شهر واحد وستة أشهر)، والفصل 13 من (مدة تتراوح بين سنة واحدة وثلاث سنوات) إلى (مدة تتراوح بين شهر واحد وستة أشهر)، وتغييرات أخرى ذات طابع حقوقي تتماشي مع توجه حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

 

 

واليوم، على كل من يؤمن بمبادئ حقوق الإنسان، ويتشبث بها كما هي متعارف عليها عالميا، أن يشتغل وفق منطق حكومة التناوب، وذلك بتكريس المكتسبات وعدم المساس بها، والتعجيل بتحيين الباقي وجعله مطابقا للدستور والمعايير الدولية.

 

وفي إطار قواعد الشفافية والحكامة، أعتقد أنه من بين ما يحتاج إليه المواطن المغربي اليوم، هو الوضوح، وهذا لن يتم على مستوى التشريع، إلا بالاطلاع القبلي للمواطنات والمواطنين على مشاريع النصوص وإبداء الرأي بشأنها.

 

 

ومن بين ما يحتاج اليوم إلى تحيين، ويدخل في اختصاصات الحكومة، نجد المرسوم رقم 229.08.2 الصادر في 21 ماي 2009 بإحداث مسطرة لنشر مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية، والذي يخص النشر الإلكتروني لمشاريع القوانين والمراسيم والقرارات والمقررات الإدارية التي تتعلق ببعض القطاعات والمجالات الوارد ذكرها في إطار اتفاقية التبادل الحر المبرمة بين المملكة المغربية والولايات المتحدة الامريكية.

 

 

فما المانع اليوم، من توسيع هذا المرسوم ليشمل مختلف المشاريع القانونية؟

 

ولماذا لم تعمل الأمانة العامة للحكومة على نشر مشروع قانون رقم 22.20 يتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة للعموم قصد إبداء الرأي اعتبارا لأهميته؟
إن تجميع آراء وتعاليق المهتمين، أصبح أمرا ضروريا، ويندرج في إطار استثمار واستغلال طاقات ومهارات وكفاءات وخبرات بلادنا، وتكريسا للشفافية وتعزيزا للثقة بين الدولة ومؤسساتها من جهة، والمواطنات والمواطنين من جهة أخرى.

 

وعدم توسيع اختصاصات اللجنة التقنية المكلفة بمهمة الإشراف على عملية النشر الالكتروني لمشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية، والتي يرأسها ممثل الأمانة العامة للحكومة، لتعمل على نشر مختلف النصوص بهدف إتاحة الفرصة للمعنيين والمهتمين لإبداء تعاليقهم أو مقترحاتهم بخصوص مضامينها، يعتبر حرمانا حقيقيا للمواطنات والمواطنين من حق الإطلاع وإبداء الرأي بشأن مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية التي تهم حياتهم اليومية والتي قد تفرض عليهم واجبات أو تحرمهم من حقوق وحريات.

 

كما أن بلاغ المجلس الحكومي المنعقد بتاريخ 19 مارس 2020، والذي تدارس مشروع قانون رقم 22.20 يتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، اقتصر إعلانه على أنه تمت المصادقة عليه مع الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات المثارة في شأنه التي سيتم دراستها من قبل اللجنة التقنية ثم اللجنة الوزارية المشكلتين لهذا الغرض، وإعلانه أنه جاء في سياق التدابير القانونية والمؤسساتية التي تقوم بها المملكة لمكافحة الأنماط المستجدة من الجريمة الإلكترونية.

 

نعم لمكافحة الجرائم الالكترونية، لكن لا لتجريم التعبيرات المرتبطة بحرية الفكر والرأي والتعبير، لكونها مكفولة بكل أشكالها.

 

وما يتداوله رواد مختلف وسائل التواصل الاجتماعي بخصوص بعض المواد من هذا المشروع (5، 6، 7، 8، 14، 15 و18)، المنشورة بطريقة غير رسمية، جعل جل المتتبعين في حيرة من أمرهم للتأكد من صحة الوثيقة المتداولة من عدمها، والتي أثارت وبشكل مشروع، موجة من السخط والاستنكار، لما تحمله من تراجع خطير على ما حققته بلادنا من تقدم في مجال الحقوق والحريات، وفق ما كرسه الدستور.

 

لذلك فالمواد المتداولة، وبصيغتها الحالية، لن تنال صوت الغيورين على هذا الوطن، بغض النظر على من أعد مشروع القانون، هل الوزير الحالي أم السابق؟ ومن طالب بإحالته على اللجنتين التقنية والوزارية المشكلتين لهذا الغرض، لإعادة صياغته ومراجعة حمولته، هل هو الوزير الاتحادي أم وزير أخر؟

لنواصل في مدرسة الاتحاد.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى