هل أجاز الرميد في زمن كورونا قانون” تقديس السلع والمنتجات “؟
بقلم : محمد الشمسي
سجل وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان ملاحظاته بشأن ما جاء في مشروع قانون 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة .
وإذا كان عالم شبكات التواصل الاجتماعي قد بات مُعفنا وسكنته فيروسات معدية تسيء لكل ما هو إنساني وأخلاقي وتنعق خارج قافلة القانون والأخلاق، ويحتاج هذا فعلا العالم إلى “تسييقه وتجفيفه بماء جافيل” من تلك الكوارث والظواهر النزقة التي تتاجر في الأباطيل والقوادة والخداع ، فقد تم استغلال مهاجمة فيروسات “السوشل ميديا” من أجل اجتياح حقوق المستهلك وجرفها ومصادرتها، ومنع المستهلك من التعبير عن موقفه بكل حرية وبكل سلمية من أي بضاعة أو سلعة أو خدمة تُعرض عليه في السوق وتُطِل عليه في الوصلات الدعائية، واعتبار كل موقف سلبي منه كرغبته في مقاطعتها ودعوة غيره إلى ذلك يشكل جريمة يعاقب عليها من 6 أشهر إلى 3 سنوات وغرامة من 5000 إلى 50000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين.
المثير في مذكرة وزارة حقوق الإنسان أنها لم تعبر عن رفضها للمادة المشئومة جملة وتفصيلا باعتبارها تخرق الدستور والقوانين والمواثيق الدولية، بل طالبت المذكرة فقط بإدخال بعض”الروتوشات” عليها من قبيل التخفيف من العقوبة في شقيها الأعلى والأدنى، بمعنى “رَطْبُو يديكم شوية”، مع مقترح أكثر تفخيخا يستبدل عبارة “الدعوة إلى المقاطعة” بعبارة “إعاقة الممارسة العادية للنشاط الاقتصادي”، وكأني بهذه الملاحظة تريد أن تخرج الباطل من بالباب وتعيده من النافذة، فغدا سيتم اعتبار “الدعوة إلى المقاطعة” صورة من صور “إعاقة الممارسة العادية للنشاط الاقتصادي”؟، لذلك لم ألمس في مذكرة وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان أي امتعاض أو انفعال وهو يرى كيف يتم جر المستهلك ل”معبد السلع والبضائع والخدمات”حتى يجثو أمامها على ركبتيه مُسبِّحا بحمدها وسيف القانون على رقبته، كما يعبد الهندوس أو السيخ البقر.
لعلها ردة حقوقية قد لا تنفع معها توبة الحكومة ولو بعدولها عن المادة الخبيثة، لأن الخطورة تكمن في وجود من طاوعته أصابعه تحرير قانون وحشي وقمعي داخل حكومة تقدم نفسها للشعب أنها منه وإليه ، فقد بتنا كمستهلكين نخاف من أن نركل أمام الملأ علبة حليب فارغة، أو نرمي قنينة ماء خاوية، أو ندحرج قارورة غاز، فيصبح فعلنا شكلا من أشكال الدعوة لمقاطعة تلك المنتجات، ويتم جرنا نحو مقصلة القانون، وعليه لم يبق لنا ـ بدخول هذا الفصل حيز التنفيذ ــ سوى تقديس كل السلع في السوق، الغالية منها والبخسة، والجيدة والرديئة، و”اللي عندها أصل واللي معندهاش”، وأن نحمل أحذيتنا ونمشي حفاة مخافة اتهامنا بالإساءة للشركة مصنعة الحذاء، فترى هل سيعتبرون قلي بعض السلع أو غليها أو طبخها على النار صورة من صور الدعوة إلى المقاطعة ؟، هونوا علينا فنحن ما بين طوارئ صحية وحجر صحي ،وهلع وباء ، وترقب غدٍ غير واضح الرؤية، و”اللي عينو فشي حاجة يخرج ليها نيشان وبلا فلسفة”، لأنه لا علاقة لتطهير وسائل التواصل من “الصعاليك” بتكميم أفواه المستهلكين وحثهم على التمسُّح بالبضائع، وعلى حد تعليق صديق ظريف، فحتى البهائم تعبر عن مقاطعتها للأعلاف إذا كانت فاسدة، أفتستخسرون فينا حقا مكفولا للبهائم؟…