كورونا المغرب ومآل مشروع النموذج التنموي الجديد..خبير سياسي يُجيب

محمد منفلوطي_هبة بريس

في زمن جائحة كورونا، وما صاحبت هذا الزمن من قرارات وتدابير فجائية لتدبير الأزمة من قبل السلطات العليا بالبلاد، يتساءل المتسائلون عن مآل تقرير لجنة النموذج التنموي الجديد، وهل سيتمكن رئيسها شكيب بنموسى من عرض مضامينه على انظار جلالة الملك محمد السادس في متم يونيو المقبل؟ علما أن الرجل وفريق عمله اشتغل لمدة ليست بالهينة ضمن لجنة طافت ربوع الوطن وفتحت النقاش مع وجوه سياسية وجمعوية ونقابية ومقاولاتية، ناهيك عن نزول اعضائها إلى المداشر والقرى ومجالسة المواطنين والاستماع إلى مطالبهم بغية تشخيص الوضع تشخيصا دقيقا وجمع المعطيات التي من شأنها ان تساهم في بناء تصور لنموذج تنموي جديد لما قبل كورونا، لكن الأمر اليوم بات يختلف عن سابقه، بفعل المتغيرات التي أحدثتها هذه الجائحة العالمية التي فرضت على الدول تغيير سياساتها في كثير من القطاعات واعادة ترتيب أوراقها وفق الاولويات.

فالمغرب الآن، أصبح يعيش وضعا جديدا بأولويات جديدة ذات طابع فجائي، فرضتها الظرفية العالمية في مواجهة هذا الوباء الفتاك وما صاحبه من قيود بلغت الى حد اقرار حالة الطوارئ الصحية، على الرغم من تداعيات هذا القرار على الوضع الاقتصادي الا انه كان حكيما ساهم في الحد من تفشي هذا الوباء الخبيث، إذ أن هذه الجائحة العالمية أدت إلى التفكير من جديد لإعادة النظر في رسم سياسة تنموية جديدة كمطلب ملح، من خلال العمل على تأهيل القطاع الصحي وتأهيل الاقتصاد المحلي والرفع من منسوب التضامن والتماسك الاجتماعي بين مختلف مكونات الشعب، لاسيما وأن التدابير الجريئة التي اتخذها المغرب ملكا وحكومة للتصدي لهذه الجائحة تزكي هذا الطرح، لدى نجد ملك البلاد سارع الى احداث صندوق للدعم، والعمل على تخصيص دفعات مالية للفئات الهشة، وتشجيع المقاولات، إذ أن النقاش حاليا حول هذا النموذج التنموي الجديد بات مطروحا وبشدة على طاولة النقاش من قبل أكاديميين وجامعيين وباحثين ومهتمين بالشأن الداخلي للبلاد، لاسيما وان الوضع الحالي وفي ظل هذه الجائحة وما أسفرت عنه من إعادة رسم معالم السياسة الداخلية والخارجية لدول العالم، أضحى يتطلب إعادة النظر في رسم معالم النموذج التنموي لما بعد “كورونا”، بغية تنويع مصادر خلق الثروة الوطنية وتوسيع دائرة الاستفادة وتشجيع الصناعة والاكتفاء، لأن المغرب اليوم فرصة تاريخية ليكون سباقا إلى الريادة في مجالات كبيرة بعد انشغال العديد من الدول في انقاذ شعوبها من فك هذا الوباء القاتل.

لمناقشة هذا الموضوع من جانبه الأكاديمي، ارتأينا اشراك الأستاذ الجامعي وأستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسطات، والمحلل السياسي والخبير في الدراسات الامنية “المصطفى قاسمي”، الذي أكد على لجنة النموذج التنموي الجديد، كانت قد عينت في ظل ظروف وطنية ودولية مغايرة وبناءا على معطيات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية كانت من شأنها أن تساعد في رسم مشروع تنموي جديد يعالج الاختلالات التي سادت تطبيق النموذج التنموي السابق و الذي حقق العديد من النتائج الايجابية وهو النموذج الذي رسمه المغفور له جلالة الملك الراحل الحسن الثاني. وهذا النموذج التنموي هو بالأساس بناء دولة القانون، فدولة القانون كانت بالنسبة للملك الراحل مشروع مجتمعي واضح المعالم نجح في وضع شقها الأول الذي هو الاطار المؤسساتي والقانوني بامتياز حتى أصبح المغرب نموذجا يحتذى به على المستوى الاقليمي والعربي وينوه به في المحافل الدولية، ثم اتم جلالة الملك محمد السادس نصره الله شقه الثاني المتمثل في الجانب الاقتصادي والاجتماعي حيث منذ اعتلائه عرش المملكة مافتئ يدعم ويقوي دور الاقتصاد و العناية بالجانب الاجتماعي ويكفي أن نعود الى المشاريع الاستراتيجية التي فتحها في هذا المجال لنتبين ذلك، لكن هذا النموذج اعترضته عوامل جديدة حالت دون تحقيق بعض اهدافه تتمثل في انخفاض نسبة النمو الاقتصادي، وارتفاع النمو الديموغرافي بالمملكة، وسوء تدبير في الميدان السياسي والاقتصادي والاجتماعي أو ما يسمى بغياب الحكامة الجيدة، هذه الأسباب وغيرها أظهرت ضرورة تعديل هذا المشروع التنموي وذلك من أجل تحقيق أهداف مرتبطة بالأساس بتحقيق رفاهية المواطن وتقوية اقتصاد الدولة و نشر ثقافة حقوق الإنسان وبناء مجتمع ديموقراطي حداتي. هذا كله دفع العاهل المغربي الى تعيين لجنة لتعرض على انظار جلالته نموذجا تنمويا جديد ا في اطار مقاربة تشاركية كما اعتاد نصره الله في سياسته، لكن الظروف الوطنية والدولية التي كانت وراء هذا النموذج كلها انعدمت وتغيرت وبالتالي يعد تقديم أي تقرير في هذه المرحلة التي اظهرت معالم نظام دولي جديد في التشكل تبقى بدون جدوى خصوصا أننا نعلم مدى ارتباط المغرب في سياسته واقتصادياته بالتحولات الدولية ومدى تأثيرها عليه .

واضاف الخبير السياسي المصطفى قاسمي، أن بلورة أي مشروع استراتيجي تنموي بالنسبة للمغرب في ظل هذه التحولات الدولية والوطنية يبقى رهينا بالأخذ بعين الاعتبار العديد من المعطيات: أولا اقتصاديا فالعالم اليوم في تحول بات بارزا يتمثل في بروز العمل عن بعد télétravail الذي طبع هذه المرحلة مرحلة وباء كورونا، ولا نعلم لحد الآن مدى تأثيره على سوق الشغل حيث يظهر ان التكنولوجيا ووسائل الاتصال باتت حاضرة وبقوة وإلى أي حد أن المجتمع المغربي مهيأ لهذ الحقبة، ثانيا ثم دخول الربوتيك الى القطاع الاقتصادي وكيف سيكون تأثير ذلك على بلدنا، ثالثا أضف إلى ذلك بروز ثقافة العمل الجزئي أو ما يسمى بالانجليزيةpart time .

إن العالم اليوم يضيف المتحدث، أصبح موحدا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا رغم اختلاف الهويات، ولم يعد من الممكن النظر الى المواطن في بعده القطري بل في بعده الدولي فوسائل الاتصال ازالت الحدود فيمكن لأي مواطن يتوفر على الكفاءة المطلوبة أن يشتغل خارج البلد وهو مقيم في بلده فالانترنيت أمحت الحواجز والحدود كما أن وسائل الاعلام تجاوزت حدود مقر تواجدها للتأثير على الرأي العام الدولي، ولقد لاحظنا كيف أن الحظر أصبح عالميا في ظرف وجيز، كما أن هذه المرحلة أعادت الدولة إلى الواجهة في ضبط المجتمع وحمايته وتجدر الاشارة، إلى إنه لايمكن لأي كان أن يتنبأ بتطورات المرحلة، وأي خوض في هذا المشروع في الظروف الحالية لا بالنسبة للدولة أو المجتمع يعد تضييعا للجهد والمال فالدولة الآن منكبة على حماية المجتمع وترقب التطورات وجلالة الملك أكيد هو في قلب هذه التحولات ولا يمكن أن تفوته أهمية توفر المعطيات وبروز معالم النظام الدولي الجديد.

واضاف المصطفى قاسمي أن المرحلة توحي بالعديد من التغيرات على المستوى الاقتصادي حيث الآن برز وبشكل ملح الاستثمار في القطاع الصحي كحاجة ملحة من خلال البحت العلمي والمختبرات وايجاد اللقاحات والأدوية وغيابه داخل الدولة يجعل منها ضعيفة وغير قادرة على حماية مواطنيها فالأساس الذي وجدت عليه الدولة الحديثة هو:1 حماية الملكية 2_ والحرية الشخصية بمعنى أن يكون المواطن آمنا على شخصه وممتلكاته وبدون ضمان ذلك فهذا يشكل خطرا على وجود الدولة نفسها، على مستوى التعليم بات ضروريا اعادة النظر في الطرق والمحتويات التعليمية، فالمرحلة أكيد ستعيد دور الدولة إلى الواجهة و ستطرح مسالة جدلية الدولة والمجتمع، سياسيا تلوح الصين بوجودها كقوة صاعدة منافسة وبشكل قوي للولايات المتحدة، بؤر التوتر عديدة على المستوى الدولي صراع المصالح والقوى بات بارزا يظهر إعادة هيكلة النظام الدولي وملامح نظام دولي جديد في الافق لم تتوضح معالمه بعد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى