ما هي خلفيات الحركات الاحتجاجية في المغرب؟

شهد المغرب في الأشهر الماضية موجات من الاحتجاجات الاجتماعية ولا سيما في مناطقه الفقيرة.

ويشكو سكان هذه المناطق من التهميش وتخلي السلطات العامة عنهم، ما يحتم على الحكومة رفع شعار البحث عن “نموج إنمائي جديد”، وهو ما باتت تدعو إليه بصورة متكررة.

وبانتظار أن تتحقق هذه الوعود، وسعيا لتهدئة مشاعر الغضب المتصاعدة في جرادة، المدينة المنجمية السابقة في أقصى شمال شرق المملكة، توجه رئيس الوزراء سعد الدين العثماني إلى المنطقة السبت معلنا عن سلسلة من التدابير. غير أن ذلك لم يمنع السكان من تنظيم تظاهرة سلمية جديدة في اليوم التالي.

أثار مقتل بائع السمك محسن فكري (31 عاما) في 28 تشرين الاول 2016 سحقا في عربة لجمع النفايات في الحسيمة بمنطقة الريف (شمال) عندما حاول الاعتراض على مصادرة بضائعه، وهي صنف من الأسماك محظور صيدها، صدمة في المغرب وتسبب بتظاهرات استمرت لأشهر وموجات توقيفات وعقوبات في أعلى مستويات الدولة.

وكان المتظاهرون يطالبون في بدء الحركة الاحتجاجية بإحقاق العدالة وكشف الحقيقة حول مقتل “الشهيد”، غير أن الحركة اتسعت تدريجيا لتشمل مطالب اجتماعية واقتصادية في منطقة الريف المعروفة تاريخيا بأنها متمردة والتي تشكو من التهميش وسوء التنمية.

وواجه “حراك الريف”، وأحد أبرز وجوهه الناشط ناصر الزفزافي، تشددا تدريجيا من قبل السلطات التي أوقفت مئات الاشخاص بينهم الزفزافي نفسه.

وعلى مسافة 900 كلم، عانت مدينة زاكورة، كبرى مدن الجنوب، في تشرين الأول 2017 أزمة مياه حملت سكانها على النزول إلى الشارع في “مسيرات العطش” احتجاجا على الانقطاع المتكرر للمياه.

بدورها، شهدت مدينة جرادة (شمال شرق) التي تواجه أزمة معيشية حادة منذ إغلاق منجم مهم في التسعينيات، تظاهرات سلمية إثر مقتل عاملي منجم في نهاية كانون الأول في بئر غير قانونية لاستخراج الفحم الحجري.

ولا يزال السكان يتظاهرون حتى اليوم رافعين أعلاما مغربية للتنديد بـ”التخلي” عن مدينتهم والمطالبة بـ”بديل اقتصادي” عن “مناجم الموت” غير القانونية التي يجازف فيها مئات العمال بحياتهم.

أوضح الخبير السياسي محمد ظريف لوكالة فرانس برس أن “المغرب عرف في السنوات العشر الأخيرة احتجاجات مماثلة في مدن أخرى مهمشة”.

ففي 2007 هزت تظاهرات مدينة صفرو (وسط) احتجاجا على غلاء أسعار المواد الغذائية الأساسية. وبين 2005 و2009 جرت تحركات شعبية في سيدي إفني (جنوب) وبوعرفة (شرق) احتجاجا على سوء التنمية. كما شهدت مدينة تازة (وسط) تظاهرات مماثلة عام 2012 على خلفية ضيق اجتماعي.

غير أن الحراك الحالي وتظاهرات العقد الماضي تختلف عن الاحتجاجات العنيفة التي جرت في الثمانينات.

وقال الخبير الاجتماعي عبد الرحمن رشيق الذي أصدر كتابا مرجعيا حول التحركات الاجتماعية، متحدثا لوكالة فرانس برس إن “الاحتجاجات الاجتماعية انتقلت من ظاهرة الشغب التي تتسم بعنف دام سواء من جانب السكان أو من جانب الدولة (…) إلى التظاهرات والاعتصامات والمسيرات، وميزتها التحركات الجماعية السلمية”.

وهو يعتبر أن خريجي الجامعات الشبان العاطلين عن العمل والتنظيمات النقابية “لعبت دورا كبيرا” في هذا التحول في نمط الاحتجاجات.

كما أن موقف الدولة حيال الحراك تطور.

وحتي في أزمة الريف، حاولت السلطة بموازاة تصديها بشدة للتحركات، التعامل معها بإطلاق أو تحريك سلسلة من المشاريع الإنمائية.

وانطلاقا من ذلك، عمدت حتى الآن حيال جرادة إلى “حوار مفتوح”، وأعلنت السبت عن تدابير يفترض أن تلبي المطالب المرفوعة.

لفت ظريف إلى أن الاحتجاجات “تجري جميعها في مدن صغيرة تعاني من التهميش والفقر وقصور في البنى التحتية”.

وفي دراسة صدرت عام 2010، لخصت الباحثتان الجامعيتان كارين بنعفلة ومونتسيرات امبيرادور تعبئة سنوات الألفين فكتبتا أن هذه التحركات “تكشف عن الإحساس بالتهميش لدى سكان يعيشون في مساحات-هوامش، مناطق جبلية معزولة أو أرياف نائية، ويرسمون صورة مغرب وصف في زمن الانتداب بأنه +غير مجد+”، بعيدا عن حيوية محور الأطلسي الممتد بين طنجة والرباط والدار البيضاء.

وتبقى هذه القراءة للأحداث صحيحة إلى اليوم من شدة ما تعاني المملكة من تباين اجتماعي ومناطقي صارخ، على خلفية البطالة المتفشية بنسب مرتفعة بين الشباب. وأشار تقرير صدر في تشرين الأول إلى أن الفقر الشديد ما زال منتشرا في المناطق المعزولة من المغرب.

وبات البحث عن نموذج تنمية جديد لازمة يرددها المسؤولون منذ أن أعلن الملك محمد السادس أن “النموذج التنموي الوطني أصبح اليوم غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة (…) للمواطنين، وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات ومن التفاوتات المجالية”.

غير أن ظريف رأى أن “نموذج التنمية الاقتصادية غير المجدي هو نتيجة النموذج السياسي” وهو يعتبر أن “مراجعة النموذج الاقتصادي يجب أن تمر عبر خيارات سياسية جديدة من ضمنها إدخال الديموقراطية إلى المؤسسات وتوسيع نطاق الحريات”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى