لدينا غزارة في القوانين إلى حد التخمة ،لكن ماذا عن تطبيقها … !

 

                        القانون وتنظيم العلاقات

 

كان وجود القانون منذ الخليقة معيارا لتساكن المجتمعات والأفراد وتنظيم العلاقات فيما بينها ، حرصا على صيانة الحقوق والواجبات والحريات ، واستجابة لمبادئ العدل التي يجب أن يتساوى أمامها الجميع ، وقد وجد أن وفرة القوانين داخل مجتمعات معينة يعتبر ضابطا ومؤشرا على وجود عدالة نسبية ، ودليلا على انفتاحها وتساكنها وتمدنها .. فقد كانت ؛ هذه القوانين ؛ في البدء تستمد روحها من الكتب السماوية كالتوراة والإنجيل والقرآن من جهة أو الديانات الوضعية كالهندوسية والبوذية والفرعونية والآشورية من جهة أخرى .. ثم ما لبثت ؛ تحت وطأة التمدن الحضاري وتوحيد مصادر التشريع ؛ أن أصبحت تسن تبعا للأعراف الدستورية والمنظومات التشريعية التي يختص بها كل بلد على حدة ، وإن كانت تختلف في صيغها ومراميها وأجرأتها .. فالقوانين الزجرية في الولايات المتحدة الأمريكية مثلا ليست هي بالمثل في جنوب إفريقيا أو الصومال أو المغرب ..

 

الثقافة القانونية لدى المغاربة

 

احترام القانون ؛ لدى معظم المغاربة ؛ موسوم باللامبالاة حينا وبالحيطة والحذر حينا آخر ، أو يتم التعامل معه بريبة شديدة ، وإذا وجد أحدهم خرقه يمنحه امتيازا أو يعفيه من ذعيرة فلا يتوانى عن الإقدام عليه ، لكن إذا كان ينظر إلى القانون بوصفه زاجرا لا يخلو خرقه من متابعة قضائية في حينه أبدى احترامه له ورضخ لتعليماته . فالقانون ما زال برأي شريحة واسعة من المغاربة عدوا يجب التحايل عليه ما وُجد من سبيل إلى ذلك .. وهذا السلوك اللاقانوني أو الاستهتار بالقانون يعكس ثقافة الشخص وصعوبة اندماجه في مجتمع الحق والقانون ، سيما إن كان يحمل خلفية مغلوطة عن التعامل بالقانون ، أو قناعة مترسخة في النصب والاحتيال ، وفي كل الأحوال يجب التأكيد على أن السلوك العام لمواطن ؛ في بلد ما ؛ يعكس بشكل غير مباشر مدى صرامة الدولة في تطبيقها للقانون مهما كانت ظروف الأحوال والنوازل ، ويجد مواطنها ألا غضاضة في احترام القانون حتى ليشكل جزءا لا يتجزأ من ثقافته ، والعكس صحيح ، أي كلما كان هناك تراخ أو ميز في تصريف القانون من طرف الحكومة ، كلما كان المواطن هو الآخر متلكئا في احترام بنود القانون والرضوخ لمقتضياته .

 

عينة من القوانين المغربية العاطلة

 

تأمّلُ منظومة القوانين التي تؤطر علاقات المغاربة بمختلف مرافق الحياة يكشف عن وجود ترسانة ضخمة من التشريعات والقوانين والضوابط التي تغطي كافة الميادين والمرافق العامة والخاصة ، لدرجة يتأكد معها أن المغرب ؛ على مستوى مؤسساته ؛ مواكب لكل القضايا ويتعقبها بإرساء أسس تشريعية يحتكم لها أمام القضاء … لكن السؤال : هل كل هذه الغزارة في التشريعات والكم الهائل من القوانين تعرف سبيلها إلى التطبيق..  وذات أثر في حياة المجتمع المغربي ؟؟

فيما يلي عينة من القوانين لا تطبق :

* قانون ممر الراجلين ؛

*   ”   نصب لاقط هوائي على الشرفات والنوافذ ؛

*   ”  ذعيرة تنظيف السجاد والأفرشة والأثاث في الدرج والممرات والأبهة ؛

*   ”  المادة 19 منع صرف المياه الناتجة عن التنظيف من خلال النوافذ والشرفات ؛

*   ”  منع تثبيت الأجهزة المستقبلة للبث التلفزي كالهوائيات والصحون في واجهات البنايات أو شرفاتها ؛

*   ”  الحفاظ على هدوء العقار وعدم إحداث ضجيج باستعمال آلات الصوت ؛

*   ”  تحديد وقت بدء وتوقف أشغال الإصلاح التي ينتج عنها الضجيج داخل الأحياء والدور السكنية والمرافق المشتركة ؛

*   ”  عقوبة التحرش الجنسي من 1ش إلى 6ش / 200 إلى 10,000 درهم ؛

*   ”  استعمال الهاتف أثناء السياقة ؛

*   ”  التدخين في الأماكن العمومية ؛

*   ”  منع بيع المشروبات الكحولية بجوار الدور والمدارس والمقابر والثكنات العسكرية ؛

*   ”  منع استخدام معمل لنساء أقل من سن 21 ؛

*   ”  منع بيع مشروبات كحولية إلى مغاربة مسلمين ؛

*   ”  منع بيع الخمور لجميع القاصرين ؛

*   ”  عقوبة كل شخص وجد في حالة سكر بالشوارع والأزقة أو الطرق أو المقاهي أو في أماكن عمومية ؛

 

مستوى وفاء الحكومة بقوانينها

 

يبدو ؛ من خلال تأمل هذه العينة من القوانين المعطلة ؛ أن الأداء الحكومي المغربي على مستوى الوفاء بالتشريعات والقوانين يعرف لامبالاة واضطرابا في تطبيق كل القوانين ، فقد تسري على قضايا وملفات ولا تسري على أخرى ، لعامل انتفاء نضج قانوني بدرجة كافية لدى المواطنين فتهملها أو تتصيد بها حالات خاصة ، علما أن صياغة مشروع قانون ما يكلف خزينة الدولة أحيانا ما بين 70 إلى 100 مليون سنتم ، ويستغرق إعداده مدة تنيف عن السنتين ! وهذا يوضح أن التشريع المغربي فج وغير دقيق الصياغة ، ولا يستحضر كافة الحيثيات والظروف والأحوال لدى أجرأته ، فيطغى عليه الجانب الكمي على حساب الجانب الكيفي مما يكون عائقا على سريان مفعوله على الجميع واستثماره .

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى