الرسول الأعظم (ﷺ) إكسير حياة الإنسان في الزمن المطلق

عبد اللطيف مجدوب

 

عالم مضطرب

 

ينوء عالم الألفية الثالثة تحت ضغوطات وقضايا مزمنة ؛ لم تفلح بعد علوم السوسيولوجيا ولا السيكولوجيا أو الاقتصاد في إيجاد حلول ووصفات لها أو بالأحرى التقليل من حدة أوجاعها … وهكذا ؛ وفي غمرة هذه المستنقعات المرضية والتهافت المادي ؛ وجد الإنسان نفسه محاصرا بمعضلات وأوبئة وجراثيم فتاكة ، بفعلها تصاعدت نسب الجريمة العابرة للقارات والانتحارات علاوة على أمراض اجتماعية فتاكة تتسع رقعتها كلما ولجنا إلى مدن التلوث الصناعي والحياة الروبوتيكية Robotic life التي أفرزت التفكك الأسري كأبرز ظاهرة لتداعياتها ، فضلا عن التطويح بعلاقاتها الأسرية إلى مستويات دونية خالية بالكاد من جرعات العاطفة والتأنيس البشري ، جعلت من الإنسان يعيش حياة روتينة (رتيبة) تكاد تعتمد على إشباع الغرائز شبيهة بالحيوان الغاشم .

في ضوء هذه التحديات أو لنقل إفرازات العولمة الرهيبة ، تحول اهتمام هذا الإنسان ؛ بالدرجة الأولى ؛ إلى تأمين حياة نفسية واجتماعية آمنة من غلواء هذه الأوبئة وتداعياتها ، فاتجه تفكيره إلى اعتناق ديانات سماوية ووضعية أو الاعتقاد في ظواهر خرافية على غرار ما عاشه الإنسان البدائي واحتك به من تفكير سحري وعبادة الطابوهات .

وتشير الإحصائيات الخاصة باعتناق الديانات إلى أن الإسلام يأتي في الدرجة الأولى من حيث سرعة الانتشار بنسبة%  23,28 من سكان العالم تليه الهندوسية والبوذية فالمسيحية بجميع أقسامها والتي تأتي في مراتب متقدمة من حيث التدين في العالم بنسب تصل إلى ثلث سكان العالم .

 

السيرة النبوية برأي رواد تاريخيين

 

تعتبر السيرة النبوية ؛ برأي الغرب ؛ المدخل الأساس للاقتراب من معرفة الديانة الإسلامية في جوهرها ، لذا كانت محل دراسة من لدن العديد من العلماء والمؤرخين والمستشرقين خاصة ، وفي هذا السياق نقتطف بعض الأقوال والمأثورات التي عملت ؛ في حد ذاتها ؛ على دفع الغرب الصليبي إلى الوقوف على حقيقة الإسلام خلافا لما يروجه له خصومه ، سيما في ظل موجة الإرهاب الدينية التي اجتاحت العالم عقب ضربة 11 سبتمبر 2001 وما تلاها من ظهور جماعات وتنظيمات إرهابية . ونجتزئ فيما يلي آراء شخصيات تاريخية ؛ وردت ضمن مؤلفات أو أقوال مأثورة :

* ألبرت أنشتاين Albert einstein (1879 – 1955) مخاطبا مجموعة من الفلسطينيين ” .. لو سلكتم مع اليهود في هذا العصر مثل ما فعل آخر الأنبياء محمد (ص) لأصبحوا في أيديكم بدلا من أن تكونوا في أيديهم …. فالذي أعرفه أن النبي محمدا استطاع أن يمتص كل سلوكياتهم الشاذة ضده وضد رسالته .. وبالحكمة التي عامل بها الناس جميعا لم يستطيعوا ؛ أمام سلوكه الإنساني وفكره البسيط والعالمي في نفس الوقت ؛ إلا أن يرضخوا له فأصبحوا في يده ، حتى إن بعضهم آمن بمحمد ورسالته وانخرط في طريقه مؤمنا بكل ما يأتي به ”

… ” أعتقد أنه استطاع بعقلية واعية مدركة لما يقوم به اليهود أن يحقق هدفه في إبعادهم عن النيل المباشر من الإسلام …”

* كارل ماركس Karl Marx (1818-1883) : ” .. إن النبي محمدا (ص) افتتح برسالته عصرا للعلم والنور والمعرفة ، حري بأن ندون أقواله وأفعاله بطريقة علمية خاصة ، وبما أنها (التعاليم) وحي فقد كان عليه أن يمحو ما كان متراكما من الرسالات السابقة ..”

* توماس كارليل Thomas Carlyle  (1795-1881) : أفرد في كتابه “الأبطال” فصلا كاملا للحديث عن النبي (ص) مستعرضا نواحي العظمة في حياته مفندا افتراءات الكارهين له ولرسالته حتى اتٌهم بالتحيز للإسلام ومما قاله ” … قوم يضربون في الصحراء عدة قرون لايُؤبه بهم ، فلما جاءهم النبي الفريد أصبحوا قبلة الأنظار في العلوم والمعارف وكثروا بعد قلة وعزّوا بعد ذلة ، ولم يمض قرن حتى استضاءت أطراف الأرض بعقولهم وعلومهم …”

* الشاعر الألماني غوته Johann Von Goethe (1749-1832) : ” .. بحثت في التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان فوجدته في النبي العربي محمد (ص) ” ، ويخاطب أستاذه الروحي الشاعر حافظ شيرازي فيقول : ” .. ياحافظ ! إن أغانيك لتبث السكون .. إنني مهاجر إليك بأجناس البشرية المحطمة ، بهم جميعا أرجوك أن تأخذنا في طريق الهجرة إلى المهاجر الأعظم محمد بن عبد الله (ص) ” … ولما بلغ غوته السبعين من عمره أعلن أمام الملأ أنه يعتزم أن يحتفل بخشوع تلك الليلة المقدسة التي أنزل فيها القرآن على النبي محمد (ص) ”

 

السنة النبوية ضاربة في الزمن المطلق

 

نورد فيما يلي عينة من تحديات معاصرة وقضايا مزمنة ومقاربتها برؤية السنة النبوية :

= طمأنينة النفس ؛ أكدت الدراسات الإكلينيكية Clinique أن الخشوع في الصلاة تصاحبه قوة إفراغ الجسم من الشحنات الزائدة ، كما تمكن صاحبها من استرجاع الطمأنينة النفسية والتوازن الجسماني والروحي ، لذلك كان الرسول (ص) يخاطب بلال وهو يهم بالأذان للصلاة : ” أرحنا بها يابلال ..”

= الحفاظ على البيئة ؛ “لا يبولن أحدكم في الوادي ..” ؛ ” إماطة الأذى من الطريق ” .. هي نماذج من السنة النبوية في تعاملها مع المحيط البيئي والحفاظ على نقائه بدلا من الصرف الصحي العشوائي والنفايات التي تغمر البحار والأنهار فتتسبب في ارتفاع نسبة أكسيد الكاربون في طبقة الأوزون ، مع ما ينجم عنه من تلوث في الهواء كما الحال عليه الآن في العديد من عواصم التلوث في العالم المصنع ؛

= التساكن والتجاور ؛ أوصى النبي الكريم بالإحسان إلى الجار لدرجة قريبة من توريثه ، وهو حال المدن التي تعرف كثافة سكانية مهولة ، كثيرا ما تنشأ عنها صعوبة التساكن والتجاور ، كما يمكن أن يسري منطوق الحديث النبوي أيضا على الجوار بين الشعوب ذات الحدود الجغرافية المشتركة ، سيان بين أن تكون على ملة الإسلام أو غيرها ؛

= آفة العنصرية ؛ سواء في اللون أو الدين أو المنشأ أو على أساس اللغة والثقافة ؛ فالسنة النبوية تشجب كل هذه المظاهر على أساس قاعدة صلبة ” لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى ..”

= شجب المثلية الجنسية (اللواط) ؛ موقف الإسلام واضح من هذه الظاهرة الجنسية الشاذة ، وحرصا على الحد من انتشارها ، كانت السنة النبوية المطهرة واضحة حينما أمرت “بقتل من وُجد يعمل عمل لوط ..” ، لتحصين العلاقات الجنسية المشروعة من عدة أمراض مزمنة كالسيدا وغيرها ؛

= ضرب الفوارق الطبقية ؛ تقوم العولمة على تعميق الفوارق السوسيو- اقتصادية بين الشعوب وسكان المعمور قاطبة ، مما نشأ عنه عادة تبخيس المجهود الفردي وطبع العلاقات البينية بطابع الفردانية وانعدام الثقة ، لكن السنة النبوية تصدت لهذه الظاهرة بحرصها على قيام مجتمع يسوده التعاون “يد الله مع الجماعة ” والوسطية والاعتدال في الإنفاق من خلال الأمر “بالزكاة على أقسام زكاة الفطر وزكاة الأموال والصدقات وأعمال البر …” ؛

= سلامة البدن والروح ؛ يعاني الإنسان في أزمنتنا الحالكة ـ من جملة ما يعانيه ـ من متاعب صحية لا تطاق لعوامل شتى تصب في مجملها في مجال تنويع مصادر التغذية والبذور والأسمدة ، وكذا المواد المصبرة ، رشحت عنها جملة من الأمراض السرطانية المزمنة .. لكن ؛ في التعاليم الإسلامية ، وفي السنة النبوية خاصة ؛ نجد “الصوم” يعد أحد أركان الإسلام ، وبه يصح إسلام المؤمن ، عدا أوامر النبي ووصاياه بخصوص موضوع الصحة حيث يقول “صوموا تصحوا ” ، وقد أثر عنه (ص) أنه كان يصوم يومين في الأسيوع دون احتساب صيامه في مناسبات متعددة .

 

ظاهرة أناس يكتمون إسلامهم

 

عقب الثورة الخمينية 1979 وتداعيات ضربة 11 سبتمبر 2001 تصاعدت موجة الإسلاموفوبيا  Islamophobie لتلقي بظلالها على الكثير من الشعوب والأفراد المتدينين بالإسلام ، مما حدا بالكثير منهم إلى كتم عقيدته وعدم الجهر بها مخافة تصفيته أو مصادرة حقوقه في العيش الكريم ، حتى إن منهم من عدل عن غشيان أماكن العبادة كالمساجد وحضور مناسك الحج والعمرة ، ليلاّ يقع في قبضة شبكات عالمية تترصد حركية وأنشطة علماء وزعماء وأطر عاملة في العديد من الشركات والمعاهد الدولية .

 

ليس أخطر من العرب على الإسلام !

 

كانت التعاليم الإسلامية (قرآن وسنة ومذاهب فقهية ..) عبر التاريخ العربي الإسلامي محل خلافات عميقة بين تيارات وطوائف مذهبية ؛ اشتهرت بين أهل السنة والشيعة وتفرعاتها ، فلم تكن لتحتد وتستعر الخلافات بينها لدرجة النزاعات التصفوية لولا تدخل الحاكم العربي واليا كان أو أميرا أو سلطانا أو رئيسا فيما بعد ، بغرض تشويه معالم الإسلام وينابيعه ليتلاءم مع (اجتهاد فقهاء السلطة) الحاكمة والمسانِدة في كل العصور الإسلامية بدءا بالأمويين والعباسيين .. وانتهاء بعصور جد متقدمة من نهاية القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة ؛ فكان “العالم” و”الفقيه” و”القاضي” يفسر النصوص القرآنية والسنة تبعا لأهواء الحاكم والسلطان سيما في تصفية معارضيه .

وقد وجدها الغرب المتمثل في الماسونية الصهيونية فرصة سانحة لضرب الإسلام والعمل على التشكيك في قيمه ومبادئه ، بتوظيف “عملاء عرب” من الطوائف الدينية المذهبية المتطرفة المتشددة ، وبعض الأقلام المأجورة في الطعن بكل ما اتفق لهم في نصوصه وتشريعاته ؛ مستغلين بث خطاباتهم وأقاويلهم في أوساط الجماهير العربية الفقيرة غير القارئة … مما جعل بعض أقزامهم يتخذها “وظيفة” و”وسيلة للاسترزاق” ، يعتمرون بجبابهم ويسدلون اللحى ؛ تحمل نواصيهم طابع “الإيمان” ليبثوا سمومهم ودعاواهم وترهاتهم في أوساط قرائهم ومريديهم .

 

دعوة لتطهير السنة النبوية من الشوائب

 

“فكرة الدروس الحديثية” التي أقدم عليها المغرب مؤخرا ، وإن كانت نبيلة في مراميها تبتغي تطهير الأحاديث النبوية من التحريفات والموضوعاتية (أحاديث موضوعة) التي طالتها عبر وسائل الميديا بما فيها وسائط وشبكات التواصل الاجتماعي ، فإنها تظل قاصرة ومقصورة على “العقيدة الإسلامية بالمغرب” ، وحتى يكون إشعاعها عالميا يجب توسيع الفكرة لتشمل الأمة الإسلامية قاطبة ، في محاولة لتشخيصها عبر فريق باحث متعدد التخصصات والجنسيات يتولى إنشاء “منظومة السنة النبوية” والتركيز فيها على الأحاديث النبوية التي ورد ذكرها في كتب الصحاح إلى جانب الأدوات والوسائل التي ثبت استعمالها من طرف النبي (ص) وأصحابه ؛ تشمل الكساء والأفرشة إلى جانب العُدد الحربية وأسلحتها . هذا الفريق الباحث المختص بنظري يجب أن ينطلق من تركيا بوصفها الإمبراطورية التي كانت على علم بأصول وينابيع السنة النبوية مع احتفاظها حتى الآن (في متاحف آيا صوفيا وباب السعادة باستانبول ) ببعض الأدوات والأواني والوسائل والمعدات التي استعملت في العهد النبوي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى