“غنرجع برشيد بحال فلوريدا” .. هل أوفى رئيس المجلس بالوعد؟‎

مباشرة بعد تحصله على منصب الرئاسة بأغلبية مريحة بمجلس جماعة برشيد ، خرج عبد الرحيم الكميلي الذي حاز المنصب ممتطيا جرار البام في تصريح إعلامي ليؤكد من خلاله أن وقت العمل قد حان و أنه سيحول مدينة برشيد لتصبح في فترة ولايته شبيهة بفلوريدا الأمريكية.
 “غنرجع برشيد بحال فلوريدا”، عبارة خرجت بعفوية من شفاه الكميلي الرجل المعروف بتواضعه و شعبيته و بساطته وسط سكان المدينة غير أنها جرت عليه الكثير من السخرية سواءا بفضاءات مواقع التواصل الإجتماعي و كذا بمقاهي و مجامع أهل المدينة في جل دروبها و تشعباتها.
لم يكن الكميلي يدرك جيدا أثناء تصريحه أن البون شاسع بين ولاية أمريكية لها ثروات و مداخيل ضخمة تجعلها تضاهي ميزانية دول في القارة السمراء بحالها و بين مدينة صغيرة الحجم مازالت تلتمس خطواتها الأولى في عالم التمدن و التحضر.
تصريح رئيس المجلس الجماعي لبرشيد الذي كان متحمسا آنذاك و هو يضع قبعة التسيير لأول مرة في تاريخه الحافل بالإنجازات المهنية في قطاع “البناء و مواده” جلب عليه الكثير من السخرية و الاستهزاء غير أن الرجل ظل متمسكا بخيط الأمل الرفيع في تحقيق وعده المنشود.
نعم لقد حلم الرجل الجالس على كرسي الرئاسة ببلدية برشيد بتحويل شوارع المدينة و أحيائها و فضاءاتها بين ليلة و ضحاها لتضاهي بذلك مدن ولاية فلوريدا الأمريكية، فهل كان الرجل يغط في نوم عميق حين صرح بذلك أم أنه فعلا كان يدرك و يعي ما يقول أم أن الأمر لا يعدو أن يكون وعدا من الوعود التي تعودنا على سماعها من أفواه الساسة و منتخبي الوطن؟
الذين يعرفون الكميلي جيدا يدركون أن الرجل صاحب الباع الطويل في قطاع العقار يتميز بعزيمة و إصرار و تحد كبيرين، فالرجل الذي استطاع مراكمة ثروة كبيرة في مدينة برشيد قبل دخول غمار السياسة لم تتغير طباعه و لا عاداته حتى و هو يلج نادي الأثرياء ليس في الشاوية و حسب و إنما في كافة ربوع الوطن و ظل الكميلي الذي ارتدى “الكرافاطة” هو نفسه الكميلي الذي كان يستيقظ كل صباح بملابس رثة يتفقد أحوال الشاحنات المركونة قبالة بيته العادي في طريق “الحبس” و يجالس عماله البسطاء حول “براد أتاي” و يناقشون مستجدات خارطة الطريق الخاصة بهم.
نجح إذن عبد الرحيم الكميلي في الانتخابات بأغلبية ساحقة كانت متوقعة نظير شعبيته في المنطقة و شرع في تفقد بنية المدينة التي ينوي إحداث ثورة بها، ترجل ذات صباح من سيارته بالقرب من مدخل المدينة الشمالي و وقف ينظر طويلا قبل أن ينطق “نعم سأحول برشيد لفلوريدا”.
اليوم و بعد أشهر من انطلاق ورش إعادة تهيئة و صيانة البنية التحتية لبرشيد لا يمكن لجاحد أن ينكر التغيير الجذري الحاصل في المدينة و طرقاتها و “زفت” شوارعها و مصابيح إنارتها و عدد من فضاءاتها، في ظرف وجيز استطاعت عاصمة اولاد احريز أن تغير جلدها و تلبس عباءة جديدة جعلت زائرها يدرك فعلا أن ثمة هناك عمل، لكن هل ما تحتاجه برشيد هو هذا فقط؟
صحيح أن صلاحيات المجلس البلدي لوحده محدودة و لا يمكن لأي كان مكان الكميلي أن يفعل أكثر مما فعله الرجل حتى و لو أن بعض الصفقات التي فوتت تشوبها أكثر من شائبة حول كيفية تفويتها و الجهات المستفيدة و علاقاتها المتشعبة و هاته أمور تعودنا عليها في هذا الوطن غير أن المدينة و شبابها لا يحتاجون فقط لشارع تم تغيير شكله و إسمه بعدما قهرتهم تلك “البوطوات” التي غيروها بمصابيحها من فرط الاتكاء عليها.
مدينة برشيد تحتاج لثورة حقيقية لا يمكن للكميلي وحده أن يحققها، فالرجل يبذل ما بوسعه لتوفير بنية تحتية تليق و مكانة مدينة تتربع ضمن عرش المدن العشرة التي تتوفر على أكبر المناطق الصناعية بالمملكة و لا يحتاجنا لندافع عن إنجازاته التي يراها المواطن البرشيدي تتحقق على أرض الواقع بأم عينيه في كل شبر من المدينة.
برشيد تحتاج لمن ينتشل أبناءها من براثين العطالة القاتلة التي حولت عددا منهم لمجرمين و مدمني مخدرات و قطاع طرق ، هؤلاء الشباب الذين مع كامل الأسف تخرجوا من المعاهد القليلة التي تتوفر عليها المدينة بحلم تم وأده فتحولوا لقنابل موقوتة تنتظر ساعة الصفر للانفجار بعد أن رفضتهم شركات و مصانع المدينة التي يفوق عددها المائتين.
برشيد تحتاج لمؤسسات تعليمية قادرة على استيعاب جيل الغد من أبنائها، فالاكتظاظ حول أقسام مدارسها و إعدادياتها و ثانوياتها لأشبه ما يكون بالسوق الأسبوعي و لن ينتج لنا تعليما ذو جودة، برشيد تحتاج أيضا لمؤسسات جامعية و مدارس تعليم عال يغني شباب المدينة من مشقة التنقل صباح مساء لجامعات سطات و معاهد البيضاء و المحمدية، ليبقى “السونطر” وحده ملجأ ينتشل جل خريجي ثانويات المدينة الذين لم تسعفهم ظروف الحياة في تحقيق الذات.
برشيد تحتاج للأمن، فالمدينة تحولت لمنطقة سوداء بعد أن عادت المخدرات و حبوب الهلوسة لتجد سبيلا لأحيائها الهامشية و الفقيرة خاصة في ظل قربها من منطقة “الدروة” التي تعتبر مصدرا “للبلية”، فرغم المجهودات الجبارة لعناصر المنطقة الأمنية المستحدثة قبل سنوات بالمدينة غير أن محدودية العناصر البشرية و اللوجيستيكية تصعب و تعقد مأمورية التدخلات مما يضاعف من نسب الجريمة و الاعتراض و النشل و هلم جرا.
برشيد تحتاج لهواء نقي بعد أن أصيب عدد من قاطنيها بأمراض الربو و التنفس في ظل المخلفات الصناعية التي تنفثها المركبات الصناعية بالمدينة، برشيد تحتاج لرؤية مجتمعية تشاركية تعي بأهمية البيئة و تجعلها في صلب أولوياتها.
برشيد تحتاج لمن يثق في مؤهلات أبنائها، تحتاج لمن يقدر قيمة الكفاءة قبل الألقاب العائلية، تحتاج لمن يعطي لا لمن يأخد، تحتاج لمن له ضمير حي و غيرة نابعة من عمق المسؤولية، تحتاج لمن يتحرك و يعمل لا لمن يجتهد في الكلام الفضفاض، برشيد تحتاج و تحتاج و لكل حاجة محتاج.
و لمن ينتقد عفوية الكميلي بخصوص رغبته تحويله مدينة برشيد لتضاهي فلوريدا نقول “دعوا الرجل يشتغل”، و هنا سنستحضر المثل الذي نطق به أحد عقلاء المدينة و العارفين بخبايا أمورها مفاده “أسيدي دوزو المشاريع لبعضكم و كولو 50 في المائة غير الخمسين لي باقا تبان في أرض الواقع و هذا ما حصل، فعلى الأقل الكميلي له حلم و طموح أما شي وحدين كلاو حتى شبعو و مادارو والو”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى