عذرا أستاذي..انتظرناك أمام باب القسم ولم تأت

محمد منفلوطي_ هبة بريس

عذرا أستاذي، هذه أول مرة نجلس طويلا ننتظر قدومك…أول مرة تخلف الميعاد…ماالذي جرى، وما سبب غيابك…انتشر خبر غيابك بين صفوف تلاميذ وتلميذات الوحدة المدرسية السمان التابعة لمجموعة مدارس الزواتنة التابعة للمديرية الاقليمية للتعليم بسطات…حينها تداول المتداولون خبر وفاتك الذي نزل كالصاعقة وأدخل الجمع في حالة شرود…ما الذي حصل وكيف حصل…

عذرا أستاذي، لم نوفيك حقك، وأنت الذي كنت بين ظهرانينا صباح مساء، تمسح رأس التلميذ اليتيم، وتبتسم في وجه الآباء والأولياء وتسارع في قضاء المآرب…

عذرا يا أستاذي يا المصطفى الشعباوي، الذي تعلم عليه الكثير من أبناء قريتي ومنطقتي النائية…حتى صار جزء من النسيج الجمعوي هناك…عذرا أستاذي، لأول مرة نحس فيها أننا افتقدناك بحق، وأننا لم نستطع رؤياك مرة أخرى، وأنت الذي تركت وراءك بصمات ونقوشات من ذهب في نفوسنا..

عذرا أستاذي، هي أول مرة سنقف فيها خارج الصف ننتظر قدومك الذي لا يأتي ولن يأتي أبدا، عذرا أستاذي هي المرة الأولى التي نحس بها بفراق الأب الحنون والأستاذ المجد الذي ينير دربنا.

عذرا أستاذي، كيف لك أن تترك كرسيك ومكتبك ومذكراتك اليومية ووثائقك التربوية وزرتك البيضاء بياض الثلج، وتقرر الرحيل دون سابق انذار، لترحل عن هذه الدنيا الفانية إلى دار البقاء والجزاء…كيف لنا أن ننساك والفصل بدونك لا طعم له ولاأنس، كيف أن ننساك ونحن الذين ترعرعنا بين أحضانك وتربينا على أيديك وتعلمنا، ونورتنا بنور المعرفة قبل أن تطفئه المنون وتفجعنا فيك وتعجل برحيلك…لماذا أستاذي فاجأتنا بهذه الغيبة الطويلة التي لم تكن في الحسبان؟

عذرا أستاذي، لم تترك لنا الفرصة للبحث عنك في الصفوف الأمامية كأستاذنا ومربينا وناصحنا، لم نبحث عنك أبدا ولم ننتظر قدومك لتطل علينا مرة أخرى كل صباح وأنت تتأبط محفظتك في عز القر والحر.

أستاذنا سي مصطفى الشعباوي الذي كان لنا بمثابة الظل الذي نحتمي به من حرارة الشمس وقساوة الطبيعة وظلم الجهل، كان يقف شامخا بهندامه الأنيق وعطره الفاخر واطلالته البهية وابتسامته الرائعة التي لا تغادر محياه…ألا ترى أيها الرجل الطيب أنك زرعت فينا الشهامة والرجولة وحب الخير…وكنت حريصا على كسب الرهان وتحقيق أعلى المعدلات…من سيسلمنا شواهدنا في نهاية السنة الدراسية، ومع من سنتقاسم فرحة النجاح.

عذرا أستاذنا…كيف سيكون يومنا الأول ونحن ننتظر قدومك راجلا لتعلمنا أبجديات الحروف الأولى…كيف لنا أن نبقى ننتظر قدومك صباحا لتفتح لنا باب العلم والمعرفة وتقف شامخا على جنبات الصف تقوم اعوجاجنا لندخل سالمين على كراسي المعرفة…

عذرا أستاذي، خطفك المنون من بين أيدينا غدرا وأنت عائد إلى حضن أسرتك الصغيرة بعد أن لبيت طلبات صغارك شراء لألبسة العيد…خطفك وأنت تقود دراجتك النارية مهرولا لحضور صلاة الظهر، قبل أن تصلى عليك صلاة العصر جنازة…

عذرا…لم نتمكن من حضور جنازتك ولم نقبل جبينك الطاهرة وأنت صائم تلبي نداءالمولى عز وجل…عذرا لم نستطع مرافقة جنازتك المهيبة، التي شيعها الصغير قبل الكبير، وصلى عليها جمود الناس من أصدقائك وأقاربك وجيرانك وضيوف الرحمن في مسجد مجمع الخير…

غدا يوم الاثنين، عودتنا على اللقاء أستاذي للجلوس أمامك نتلقى العلم والقراءة والكتابة وفك شفرات اللغة العربية الفصحى…عذرا أستاذي، كيف لنا أن نوفيك حقك، وأنت قائدنا وأستاذنا وإمامنا…تعلمنا على أيديك أركان الإسلام الخمس، وكان فضلك علينا كبيرا حين تعلقنا بالصلاة كفريضة علينا…

شيع جنازتك جموع الصائمين، ظلوا يرددون خصالك الحميدة وبِرّك بوالدتك، وحبك لأبنائك وزوجتك، وتعلق قلبك بالمساجد…حتى اتخذت من بين أركانه مجلسا لك على الدوام صحبة الأخيار من رفاق دربك.

عذرا أستاذي…نحن تلاميذ قسمك بفرعية السمان بالعالم القروي…نشهد أنك عشت بين ساكنتها لمدة طويلة، أخذت بينهم مكانا حتى صرت ناصحهم الأمين ومرشدهم في شتى الأمور…دخلت قلوب المنطقة بقلبك النقي ولسانك الحلو الذي لا ينطق سوى بكلام الحمد والشكر والثناءو صلح ذات البين…

عذرا أستاذي…لم نستطع الوقوف بجانبك في أشد لحظاتك…وأنت تصارع الموت بعد حادثة سير خطيرة من سيارة طائشة…أردتك قتيلا قبالة منزلك ومسكنك..

ركبت دراجتك النارية في ذلك الصباح، وأخذت موعدا مع الزوجة والأبناء لاقتناء مستلزمات وملابس العيد…لم تتأخر في تحقيق طلباتهم…وكأنك تودعهم…

عدت ممتطيا دراجتك بعد أن سبقوك هم راكبين سيارة أجرة صغيرة….عند باب المنزل جاء خبر وفاتك واحتشد الجمع…ونقلت على متن سيارة الاسعاف…فكانت الفاجعة وانتشر الخبر…

وداعا أستاذي.. ولترقد روحك بسلام في جنات الجلد رفقة الأنبياء والشهداء والصالحين…ونشهد أنك أديت الأمانة بإخلاص….

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. الله يرحمك ياسهري الغالي عجز اللسان عن الكلام ولا نقول إلا ان لله وان اليه راجعون وجعلك الله من الصديقين والابرار في جنات النعيم والهم زوجتك وابناءك الصبر والسلوان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى