القاعات السينمائية المغربية: من الازدهار إلى الاندثار

أقفلت العديد من القاعات السينمائية أبوابها وأصبحت ملاذا للسكارى والمتسكعين، ومستوطنا للأشباح والكلاب الضالة، ومكانا آمنا لمن يريد أن يقضي حاجته البيولوجية في الصباح والمساء، فبعدما كانت السينما منارة يحن لها الصغير والكبير، ويتلهف عليها الشباب لمشاهدة أحدث الأفلام الغربية التي كانت سائدة في ذلك الوقت، أضحت اليوم خربة مدمرة، وكأن صاروخا حربيا قد أصابها دون أن يترك لها أثرا أو لمحة تاريخية، يمكن أن يعتد بها كمكان عرضت فيه روائع الأفلام، وفضاء ناقش فيه المشاهدون محتواها بعد العرض.

إن المحزن في كل هذا ليس مجرد إنذثار قطاع كان يؤمن نوعا من الفرجة للناس ، بل هو اندثار تاريخ من تقاليد المشاهدة لم يكتب له أن يدون ، وانهيار قاعات بكل شحناتها الرمزية و التاريخية ، يقع هذا في مدينة تتغنى سنويا بمهرجانها الدولي للفيلم وهي التي أصبحت يتيمة من فضاأت للمشاهدة ، إنها حالة شاخصة يمكن أن نقيس عليها حالة كل المدن المغربية وربما بشكل أكثر قتامة ، حالة عنوانها انهيار بنية قطاع الاستغلال بشكل يكاد أن يكون تراجيديا، ومع ذلك هناك الآن من لايتحفض في الإعلان جهرا بوجود طفرة نوعية في السينما المغربية والتباهي بحجم الإنتاج، مما يضعنا أمام السؤال العصيب التالي : هل من العادي في أي سينما تطمح كي تصبح صناعة أن تقيس تطورها بعيدا عن تكامل وتطور ثالوثها العضوي الخطير ( الإنتاج ، التوزيع ، الاستغلال ).

مشكل القرصنة

أصحاب القاعات يتذرعون باستفحال مشكلة القرصنة التي توفر لمشاهد السينما أحدث الأفلام الدولية والعربية، لكن المركز السينمائي يعتبر أن عدم استثمار أرباب القاعات في ترميمها وتكييفها مع المتطلبات التقنية الجديدة عامل أساسي وراء هذا الوضع الذي يضيّق سوق استقبال الفيلم المغربي أساسا، رغم تحقيق بعض الأرقام القياسية لأفلام بعينها، تفوقت على عدد تذاكر الدخول لأفلام هوليود.

ومن الجديد النوعي المسجل على مستوى دعم الدولة إحداث لجنة لدعم رقمنة وتحديث وإنشاء القاعات السينمائية، حيث تشير الحصيلة السنوية للمركز السينمائي إلى أن اللجنة المختصة قررت منذ إحداثها منح دعم الرقمنة لثماني قاعات سينمائية.

وفي هذا السياق، يؤمن المدير العام للمركز السينمائي بأن التشجيع على إحداث مجمعات سينمائية متعددة الشاشات ببنيات استقبال ملائمة هو الحل الأمثل لمشكلة عزوف المشاهد المغربي عن الذهاب إلى القاعات.

لكن نجاح أي سياسة في هذا الصدد يتطلب توفير ضمانات مالية عمومية للاستثمار الخاص في القطاع. حيث قدم في المقابل النموذج الناجح لهذه السياسة في مجمع الدار البيضاء الذي بات يحقق 60% من مجموع تذاكر القاعات بالمغرب.

الوضع الاقتصادي للساكنة :

لاجدال في أن السينما لم تعد اليوم تدخل في إطار»الريجيم « الفني الأسبوعي للمواطن المغربي ، لأن الوضع الاقتصادي عموما لغالبية رواد السينما الذين يتشكلون أساسا من الطبقات المتوسطة و الصغرى تجاوزتهم أثمنه التذاكر التي تصل في بعض الأحيان إلى أرقام غير مشجعة ، وبالتالي أصبحت تذكرة قاعة من الكماليات التي لا يمكن أن تعوض نصف كيلو من اللحم ، يضاف إلى هذا عجز أرباب القاعات على خلق محفزات للجمهور بغية ضمان قاعدة مستقرة من قبيل: بطائق الوفاء ، مسابقات اُثناألعرض ، خلق اثمنة تفضيلية للتلاميذ و الطلبة من خلال تذاكر خاصة،إلى غير ذلك من الاجتهادات.

غواية المال

إن أنصار السينما والفنون سيجدون في تحويل صالة سينمائية إلى مشروع استثماري تجاري، نوعًا من اغتيال الحياة، أو إعدامًا لأماكن الفن السابع البلاد. لكن وجهة نظر المستثمرين مختلفة، إذ يرون في الأمر مشاريع ناجحة تدر الأرباح وتنشط الحركية الاقتصادية في البلاد وهو ما يفسر تحول العديد من القاعات السينمائية إلى مشاريع تجارية، وهنا يظهر تحول عميق في القيم الجمالية للعديد من المغاربة، حيث باتت هذه التوجهات الجمالية والذوقية تنمحي لترجح كفة الجاه الاجتماعي والجشع الاقتصادي”.

تغير الذوق الفني لدى المتلقي

لايمكن الحديث بشكل قطعي عن وجود جمهور واحد وموحد ، فالذائقة الفنية متغيرة في الزمان و المكان ، التغير في الزمان يأتي من تغير اذواق الأجيال المتلاحقة وفق منظومة من التغيرات الثقافية التي تمس ما هوفكري وجمالي وهوما يفسر تراجع بعض السينمات في السوق المغربية من قبيل السينما المصرية، وسينما شرق أروبا وكذلك تراجع بعض الأنواع الفيلمية على حساب افلام الحركة والكوميدية لأنها لم تعد تلبي حاجيات المتلقي السيكولوجية والفكرية ، لدرجة أن ما كان يعتبر تحفا في السابق قدلايعني للجيل الحالي أي شي، هذا الأخير بدأ يتجه تدريجيا نحو الفرجة الموازية التي تمنحها له وسائل التواصل الإجتماعي والسوشل ميديا ويتشبع بابعادها.

وبين هذا وذاك يبدو أن الحكومة المغربية غير راضية هي الأخرى عن هذا الواقع المزري، الذي يضطر مهرجانات سينمائية دولية لأن تُجرى في فضاأت أخرى غير بيئتها الحقيقية، أي الصالات السينمائية. حيث سبق لوزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، أن وصف اندثار القاعات السينمائية بأنّه “مشكلة تؤرق الجميع”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى