الحكومة الملتحية ..”حب في زمن الكوليرا”.. وبيع للوهم باصوات البسطاء

من المؤسف جدا ، أن تترنح بنا البوصلة المشيرة الى الهدف ، وان تتيه بنا كثرة الافكار والاراء كي توصلنا الى طريق متشعب قد ينحرف عن المسار الذي عبّدته آمال بيعت وهي ملفوفة في ورق من وهم انكشفت حقيقته بأرقام واحصائيات أضحت تتحدث لغة الحال وتترجم فشلا ذريعا في التدبير الحكومي الذي تقوده “الحكومة الملتحية “.

من المؤسف جدا، ان يرهن المواطن احلامه وفق قرارات مهدئة في انتظار ان يحلها الزمن وعلى العكس فإن الاخير يزيد من تعقيدها .. فمنذ مدة  طويلة ونحن نتابع “ظاهرة” التحالف – وإن غاب التجانس والتوافق “الايديولوجي-  بين الحكومة “الملتحية” وباقي الأحزاب المشكلة للاغلبية ، ونحلل اسبابها ودوافعها ونتائجها ايضا التي أفرزت واقعا بعيدا كل البعد عن تطلعاتات المواطن الذي أصبح قادرا على تشخيص المرض ، في مقابل عدم قدرة “الحكومة الملتحية ” على علاجه .

في نقد الحكومة الملتحية
قبل سنوات تنبأ عبد الكبير العلوي لمدغري وزير الأوقاف السابق في كتابه “الحكومة الملتحية دراسة نقدية مستقبلية “، أن  أي حكومة إسلامية وصلت الى الحكم عن طريق الانتخابات في ظل الظروف الراهنة سيكون لها من الإسلام سوى اللحية، وستعمل بالتشريع الوضعي، وستلعب لعبة الديمقراطية التي تجعل من البرلمان مجلساً تشريعيا، وستتعامل بالرّبا، وسوف تستخلص الضرائب من المحرمات كالخمور وغيرها، وسوف تمارس النفاق السياسي المكشوف وتسيء إلى الإسلام أكثر مما تحسن إليه ، لأنها من جهة تعجلت الوصول إلى الحكم قبل أن تستكمل أدواته..فهل باع “الاسلاميون” الوهم؟

يعتبر عبد الكبير العلوي المدغري،  أن أكبر مَن قدم الخدمات للتيار الإسلامي في الوطن العربي هم الحداثيون أنفسهم، ويضيف أن الحكومة الملتحية التي ستعتمد “التقية”  في البداية، سيرجع فيها الفضل إلى خصومها الديمقراطيين تحقيقا لمعادلة بسيطة وهي : شعب مسلم+ديمقراطية= حكومة إسلامية…

هذه الحكومة حسب المدغري ستظهر منها اللحية فقط، قبل الأعمال والمنجزات. وسيكون بعض اللحى طويلا عريضا، وبعضها خفيفا لطيفا، وبعضها يلتقي بشارب محفوف، وبعضها يصعد فوق الخدين ليلتقي بإطار النظارتين، فلا يكاد يظهر من وجه الوزير شيء..لكن لحى أخرى ستكون مجرد شعيرات في الذقن، لتأكيد الالتزام بالسنة وكفى..قبل الالتزام بالبرامج المسطرة ..فهل تحققت نبوءة فقيه دار المخزن ؟ .

الحكومة “الملتحية” ومحاربة الفساد !

سيكون من الصعبِ جدا الحديث عن حصيلةِ حكومية يقودها حزب العدالة والتنمية في تحالف مشكل من أربعةِ أحزابٍ متضاربةِ المرجعيّات والاديولوجيات والتوجهات ، بل يجمع الكل على أنها حصيلة متواضعةً مقارنةً بسقفِ البرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية، خلالَ انتخابات 2011 وبعدها في سنة 2016 الذي حملَ وُعودا كبيرةً بمحاربةِ لوبيات الفسادِ ومراكزَ الاستبداد في جميعِ القطاعات.

فسُرعان ما ظهرَ التمايُزُ بينَ الخطابِ الانتِخابي والمُمارسةِ على أرضِ الواقعِ، تحديدا في سياسات وزراء العدالة والتنمية , وذلك باعتراف صريح من قبل زعماء الحزب ووزرائه  بخصوص عجزِ الحكومة في الوفاءِ بتعهُّدِها بمحاربةِ الفسادِ المالي والريعِ الاقتصادي الذي شكَّل عصبَ الدولةِ لعقودٍ..وهو ماعبر عنه رئيس الحكومة السابق (عبد الاله بنكيران) مستشهدا بالآية قائلا “عفا االله عمّا سلَف، ومن عادَ فينتقمُ الله منه” .

هكذا أرسل إسلاميّو العدالة والتنمية رسائل طمأنة واضحة مفادها أنّه ليسَ في نيتهم الاصطدام بمراكز النفوذ المالي أو التضييق عليها ، على الأقل خلالَ هذه المرحلة، كي لا يتسببوا بتعطيل عجلةِ الإنتاج، أو بإثارة حفيظة حاملي رؤوسِ الأموالِ في الداخلَ والخارج ، فاختار المهادنة عوض المواجهةَ التي كانت ستُدخِلُه في حربِ استنزافٍ مع منظومةٍ كاملةٍ مستعدّةٍ للقتالِ بشراسة للحفاظِ على امتيازاتِها ، ليرفع الحزب شعارا جديدا في عهد العثماني وهو “لم نأتِ لمطاردة الساحرات”.

اصلاحات صعبة وبراغماتية ظاهرة للعيان
لم يمانع حزب العدالة والتنمية البتة في سنِ إصلاحاتٍ اقتصاديّةٍ واجتماعيّةٍ صعبةٍ لم تتجرأ حتى الحكومات السابقة على القيامِ بها، خوفاً من الاحتِجاجات الشعبيّة المعارِضة، لما تُسبِبه تلك القرارات من ضررٍ بالقدراتِ الشرائيّة للمواطنين ، حيث شملت تلك الإجراءات التي أملاها تغيُّر أسعارِ النفطِ في السوق الدولية ، الشروعَ التدريجي في تغييرِ دعمِ الموادِ الأساسية ورفعِ الدعمِ النهائي عن أسعارِالمحروقات، فضلاً عن إقرارِ عددٍ من الزياداتِ في أسعارِ الموادِّ الغذائيّة وأسعارِ استهلاك الكهرباء، بالإضافةِ إلى قرارِ رفعِ سن التقاعد ، وهو ما دافع عنه الاسلاميون بضراوة أكثرَ من غيرِهم من وزراءِ الحكومةِ، معتبِرين تلك الإصلاحات ضرورية رغمَ قسوتها، للتحكم في التوازنات الاقتصادية ، دون أي يراعى في ذلك القدرة الشرائية للمواطن المغربي .

جل الآراء خلصت الى أن إسلاميي العدالة والتنمية أبدوا سلوكا مبالَغا في براغماتيته، محاوِلين الحفاظ على موقعِهم في هرمِ السلطةِ بأيِّ ثمنٍ، حتى لو تطلب ذلك التخلي شبه الكلي عن مواقفِهم السابقة،  ففي نفسِ الوقتِ الذي يُبدي فيه الحزبُ حرصه على إظهارِ نظافة ذمته من تهم المشاركةِ في استشراءِ الفسادِ واستمرارالاستبداد، لم يبذل أي جهد للدفعِ بتحديثِ بنية النظام السياسي ، معتمدا استراتيجة المهادنة في مواجهة بُنى النفوذ السياسي والاقتصادي .

“الحب في زمن الكوليرا” ..من “الكوبل” الحكومي الى “المدلكة 
تحتفظ الذاكرة الجماعية للمغاربة باسماء حكومات حملت ألقاب وأسماء وزرائها الأولين ، من قبل حكومة عبد الله ابراهيم وكريم العمراني وعبد الرحمان اليوسفي وادريس جطو..لكن مع مجيئ الحكومة “الملتحية” تم التاسيس لاسماء “بدعة” من قبل حكومة بنكيران التي بصمت على انجازات ضربت في العمق عدد من المكتسبات،  وترسخت في أذهان المغاربة بفضيحة “الكوبل الحكومي ” التي شكلت علاقة “الحب” الأولى في تاريخ الحكومات المغربية المتعاقبة منذ الاستقلال، بين وزيرين حتى أن هناك من قام بعملية اسقاط لرواية “الحب في زمن الكوليرا” على قصة “الكوبل” وهو مايجسده المثل الشعبي القائل “شنو خاضك العريان ، خاصني لخواتم امولاي”  ، ماجعل الرأي العام ينقسم بين من اعتبر العلاقة بين الوزيرين ذات شأن خاص، رافضا بأي شكل من الأشكال المساس بالحياة الخاصة للوزيرين، ومطالبا في الوقت نفسه بتوسيع الحريات الفردية، وبين من اعتبر أن الحياة الشخصية للوزيرين تضيق مقارنة مع غيرهم من المواطنين مادام انهم اختاروا عن طواعية تصدر المشهد العمومي، وبالتالي فمن تحمل المسؤولية العمومية عليه تحمل المساءلة.

قبل الحديث عن قضية الوزير “يتيم” و”المدلكة” ومسالة التغير الكبير أو الإنقلاب الظاهر في القناعات والسلوكيات ، وجب الاشارة الى أن  العلاقات الانسانية مقدسة بعيدا عن سلطة الحلال والحرام ، لكن عندما يتعلق الامر بشخصية عمومية كالسيد الوزير فان وقفة تأم ضرورية،  لما للواقعة من آثار كبيرة تهم الشعب بأكمله وتحتاج للتوضيح والمزيد من النقاش،حيث أن المتتبع للنقاش الداخلي الذي أفرزته الواقعة، سيلاحظ أننا اليوم أصبحنا أمام منعطف وتحول كبير في قناعات العديد من قياديي الحزب الإسلامي الحاكم في المغرب ، ما أثر بشكل كبير على النقاش الداخلي قبل الخارجي لحزب العدالة والتنمية  ، فهل يمكن الحديث عن انتهاء قصة “نجاح ” حكومة الاسلاميين في المغرب؟

وعليه وكي لانطيل ، فالمشكلة اليوم كما يقال ليست في القضية ولكن في محامييها ، الذين انغمسوا في ملذات مناصبهم وسبل الدفاع عنها ، عوض التركيز على تنزيل البرامج وتدليل الفوارق الاجتماعية علما أن تراجع الدخل وارتفاع معدلات البطالة لا يؤدي بالضرورة إلى حدوث اضطرابات اجتماعية، لكن عندما تكون هذه المشاكل الاقتصادية مرفوقة بعناصر الهشاشة، فإن ثمة احتمالات كبرى لاندلاع قلاقل اجتماعية – وفي ذلك نماذج كثيرة-  ومن جملة تلك العناصر الفوارق الفاحشة في الدخل الفردي، وضعف الأداء الحكومي، والتراجع الكبير لمستويات التقنين  الاجتماعي…وتراجع الثقة في الحكومة ومؤسسات الدولة.

مقالات ذات صلة

‫5 تعليقات

  1. مقال جامع لامع …وضع الاصبع على مظاهر التناقض بين الخطاب السياسي والفعل ، لم يجني المغاربة سوى الويلات من حكومة بنكيران ومعها الحكومة الحالية

  2. وكانكم ترقصون الاحدوس بعدما
    اصبح المجاز يبيع على الرصيف المعدنوس
    وتارة ينضر صوب البحر للهروب من الكابوس
    ادخلوا في مشاريعكم الانتخابية الحريك لعلي اصوت عليكم لانجو من البريك.

  3. رغم اختلاف خلفياتي مع صاحب المقال أجد نفسي مضطرة لأعترف أن كل ما جاء في هذا المقال منطقي و معقول .
    و لكن السؤال المطروح الآن أو الذي ينبغي أن يطرح هو من هو الحزب أو الحكومة التي تستطيع اعادة الثقة بين المواطنين و الدولة و تصلح أو على الأقل تحاول ترقيع الخسائر التي حدثت منذ و قت طويل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى