“دراسة حالة” فصل دراسي بتلاميذ أمازيغيين والمعلم يجهل لغتهم !

عبد اللطيف مجدوب

 

بالنظر إلى اللغط الذي أثارته قضية “تدريج” لغة التعليم ، وتأسيسا على معطيات ألسنية ميدانية ؛ بغرض الوقوف على الإشكالات أو بالأحرى إحدى المعضلات التي يتخبط فيها تعليمنا بالمناطق النائية ، حري بنا تقديم حالة تعتبر الأوسع انتشارا والتي يواجهها العديد من الأساتذة في مستهل كل سنة دراسية جديدة ، حينما يتم تعيينهم بمدرسة “فرعية” وتسند لهم المستويات الدراسية الأولى “أقسام التحضيري” ، بتلاميذ أمازيغيين ليست لهم أية خلفية دراسية ولا سبق لهم أن عرفوا (الكُتّاب) ؛ أطفال منطقة أمازيغية مغلقة ؛ ليس لأهاليها أي احتكاك بلغة تواصل أخرى . فكيف لأستاذ “عرْبي” يجهل بالمطلق لغة تلاميذه أن يتواصل معهم ؟ كيف له تنفيذ برنامج دراسي ؟ كيف لهؤلاء التلاميذ استعمال الكتاب المدرسي ؟ ..

 

ملخص الدراسة

 

دراسة استنفذت غلافا زمنيا ناهز الخمسة أشهر بين متغيرين رئيسين ، وما تلاهما من تجميع المعطيات وتحليلها وأخيرا استخلاص النتائج والتوقعات .

المتغير الأول : مدرسة فرعية بحجرة منعزلة في محيط سكاني أمازيغي ؛

تواصل المعلم : يستعمل عامية مبسطة مدعمة ؛ في كثير من الأحيان ؛ بلغة الإشارة ، وفي أحيان أخرى بتلميذ أمازيغي يمتلك رصيدا ضعيفا من عامية المعلم ، فيتولى دور “الترجمان” لخطاب المعلم إلى التلاميذ ! وحينما يتعذر وصولهم إلى معاني الأفعال يلجأ هذا المعلم إلى الاستعانة “بالصويرات” ، وإن غابت لجأ إلى تقريب المعنى عبر رسومات تقريبية Illustrations ، على السبورة .

المتغير الثاني : مدرسة بأربعة أقسام فما فوق ؛ في محيط سكاني أمازيغي ؛

تواصل المعلم : يتقن الأمازيغية ؛

 

بعد أربعة أشهر

 

بعد أن يكون هؤلاء التلاميذ استكملوا (الحروف الأبجدية) ومهروا في رسمها “كتابتها” وتهجئتها “قراءتها” ، وقراءة كلمات بصورها أو التأشير على أسهم عبر صورها .. تأتي مرحلة “القراءة” أو استثمار التعلمات السابقة .

ومع اقتراب نهاية السنة الدراسية واستنفاذ مواد البرنامج الدراسي ، تجمعت عدة معطيات وملخصات ونتائج ؛ أسفرت في مجموعها عن ملاحظات مركزية أهمها :

* المعلم ذو النشأة الأمازيغية أقدر على التواصل مع التلاميذ وأسرع في تمرير التعلمات إليهم بفارق 30% مقارنة بمعلم “عرْبي” عديم المعرفة بلغة التلميذ الأمازيغي ؛

* التلميذ الأمازيغي ؛ بمنطقة منعزلة ؛ أقدر على الاستيعاب والتمهير سواء في القراءة أو الحساب “العد” ، بخلاف التلميذ الأمازيغي بوسط سكاني أمازيغي مفتوح على العامية ؛

* الكتاب المدرسي (كتاب القراءة) ينفر التلميذ كلما كانت مواضيعه بعيدة عن بيئة المتعلم ( مثال الطائرة ، والباخرة .. اغْريبا ) بمنطقة ايموزار مرموشة ـ مثلا ـ  والعكس صحيح ؛

 

مستخلصات عامة

 

ـ من الضروري الحيوي استعمال لغة الأم (لغة التلميذ الخامة) ، إما الأمازيغية أو العامية كمرحلة انتقالية في الأسابيع الأولى من تمدرس التلميذ (حوالي سبعة أسابيع) ؛

ـ من الآكد إيجاد كتاب مدرسي جهوي ؛ يراعي خصوصيات البيئة المحلية ، حرصا على الانسجام والتآلف بين التعلمات ودوافع التلميذ إلى التعلم ؛

ـ تبسيط خطاب التعلم حاجة ملحة تمليها ضرورة خلق بيئة تعلم سلسة ؛

ـ استعمال العامية تمليها ضرورة فك ألغاز كتابنا المدرسي (المركزي) الذي يتضمن أحيانا موضوعات وتعلمات لا وجود لها في بيئة التلميذ ، أمازيغيا كان أو عربيا ، فيجد فيها المعلم تعويضا عن نقص يعانيه في تكوينه البيداغوجي ، أو فقر في رصيده اللغوي ؛

 

همسة ودودة في أذن عيوش

 

لاحظ الرأي العام الوطني أن السيد نور الدين عيوش يعد من أبرز المتدخلين في قضية استعمال العامية في التدريس ، وذهب به حماسه إلى درجة متقدمة حينما ألف قاموسا بــ “الدارجة المغربية” ، وناظر أحد الأوجه البارزة في فلسفة التربية وخبير سابق لدى منظمة اليونيسكو ؛ عبد الله العروي . لكن مؤخرا تصدر اسمه قصاصات الأخبار ووصلات شبكة التواصل الاجتماعي ، وتعرض لموجة عنيفة من النقد بخصوص “إقحامه” لكلمات دارجة في كراسة التلميذ .

برأيي أنك تتوفر على المال والأفكار والحماس .. هذه العناصر مجتمعة في ” مؤسسة زاكورة للتربية والتعليم ” ؛ كان الأجدر بك أنها هي التي تتولى ؛ نيابة عنك ؛ الإجابة على تساؤلات ما إذا كان في مقدور “الدارجة المغربية” أن تنجح كلغة تدريس أم لا . كان عليك أن تعرض على الرأي العام شريطا ” وثائقيا تربويا ” بالفلسفة والبرامج التربوية والديداكتيكية التي تتبناها مؤسسة زاكورة ، ومدى نجاحها في هذا المسعى .. بدلا من مواجهة الزوبعة بالخطابات ومحاولة إقناع “الخصوم” بالشفاهي .

 

ملاحظة جديرة بالاطلاع

 

نشير في ختام هذه الورقة ؛ بكل فخر واعتزاز ؛ إلى أن العديد من رجالات الدولة وذوي المراكز النافذة والأساتذة .. سبق لهم أن تلقوا دراستهم الأولية “ومرّوا” بهذه الحالة غداة تتلمذهم وهم بعد صغار في أقاصي المغرب !

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى