“قوارب الموت” الى الضفة الاخرى .. الوهم الآخر

شاهد جل المغاربة ومعهم العالم أجمع عبر ما تبثه قنوات فضائية ، أشرطة ” فيديو” التقطها مهاجرون سريون في رحلتهم الى الضفة الآخرى عبر ” قوارب الموت ” انطلق بعضه من شمال المملكة، بينما اخر انطلق من سواحل الجزائر، في اتجاه السواحل الأوروبية الأقرب جغرافيا بكثير لهاذين البلدين ، ولكن النسبة التي تلقى حتفها غرقا أصبحت أعلى بكثير مما كان بعد حرب فيتنام، ويظهر حجم المأساة أكبر بعد تطور الوسائل التقنية لنقل الأخبار، واقتحام مشاهدها المأساوية للبيوت، مع ما تعنيه لزهاء مليوني إنسان يتوجهون إلى أوروبا سنويا، بحثا عن السلامة وفرارا من أحابيل “الفوضى الهدامة” التي انتشرت في عدد كبير من البلدان العربية، ما بين العراق شرقا عبر سوريا ومصر حتى ليبيا غربا، وكذلك فرارا من البؤس في أنحاء القارة الأفريقية وقد انتشر بمختلف أشكاله منذ زمن بعيد، ليمثل الوجه الأسود من مخلفات الإرث الاستعماري الأوروبي.

ورغم تضخيم المشكلة في أوروبا وعدم بذل ما يكفي من جانب السياسيين في بلدان الاتحاد الاوروبي للفصل بين هجرة ” القوارب” وبين مشكلة الإرهاب وفق حملات اليمين المتطرف، لا تعتبر مشكلة هجرة اللاجئين من الحروب في المشرق ” العراق وسوريا ” أكثر تعقيدا من هجرة ” القوارب” بسواحل البحر الابيض المتوسط، سواء من حيث القدرة المالية والاقتصادية للتعامل معها، ‎أو من حيث المقارنة المجردة فإن المغرب واسبانيا أكبر البلدان المهددة ب ” الهجرة” باعتبارهما منطقتي عبور للالاف من المهاجرين السريين وما يتطلب ذلك من امكانيات كبيرة ” بشرية ولوجستيكية” للحد منها في غياب سياسة شمولية بين البلدان الخمسة الاوروبية ونظيرهم من البلدان المغاربية على سواحل البحر الابيض المتوسط.

– الاتحاد الأوروبي: هجرة القوارب تتطلب مسؤولية مشتركة

قالت “هيومن رايتس ووتش” إن التدابير المتخذة للتعامل مع هجرة القوارب في البحر الأبيض المتوسط التي اقترحها ​مفوض الهجرة في الاتحاد الأوروبي ووزراء داخلية إيطاليا وفرنسا وألمانيا هذه السنة ، أقل بكثير من المطلوب،

مؤكدة أنه على وزراء الداخلية في الاتحاد الأوروبي أن يستكشفوا خططا أكثر طموحا لتحقيق تقاسم عادل للمسؤولية تجاه ما يقع في سواحل البحر الابيض المتوسط من مأساة انسانية، ولابد ان تشمل الخطط الموضوعة – خطط – إنزال وإعادة توطين فعالة ضمانا لحقوق المهاجرين السريين.

– ضخ المال لبلدان ” العبور ” قد يحل الإشكال

كانت فرنسا سباقة في رفع ملتمس للاتحاد الاوربي يقضي بزيادة الدعم المالي الى بلدان ” المغرب و اسبانيا” باعتبارهما أهم نقط عبور المهاجرين ، مقابل ذلك لازالت أوروبا تسعى لتشييد معسكرات للمهاجرين في شمال أفريقيا ومنها ليبيا والمغرب، وهو مقترح كانت قد تقدمت به المستشارة الالمانية ” ميركل في أحدى اللقاءات الاوروبية بقولها : “أثمن للغاية قولنا بأننا نريد العمل على إقامة شراكة مع أفريقيا”، لكن هناك تساؤلات حول كيفية إقامة معسكرات إيواء آمنة ولائقة في ليبيا وهي منزلقة في حالة من الفوضى الأمنية، كما أن وزير الخارجية المغربي “ناصر بوريطة” قد أعلن في وقت سابق أمام الاوروبيين أن المغرب يرفض فكرة إقامة مراكز استقبال للاجئين على أراضيها، لكن هناك تعويلا على أن زيادة التمويل للمغرب قد تحل الإشكالية.

وفي نفس السياق سبق لرئيس وزراء إسباني “بيدرو سانتشيث” ان أكد على أن قادة الاتحاد الأوروبي قد وافقوا على زيادة التمويل لإسبانيا والمغرب لمساعدة الدولتين على التعامل مع تدفق المهاجرين مع زيادة عدد اللاجئين الذين يقصدون الطريق بين البلدين للعبور إلى أوروبا، لكن مهما مرور سنة عن هذا ( الوعد) لازال الوضع على حاله، مما فتح الباب على مصراعيه امام القوارب للمرور الى أوروبا.

وكانت فرنسا وايطاليا قد اقترحتا حلا وسط الذي جاء في الاتفاقية هو تحويل مراكز خاضعة للسيطرة على أراضي الاتحاد الأوروبي، في البلدان التي ترغب في بنائها، بحيث يوضع فيها المهاجرون بعد وصولهم، على أن تجري “بصورة سريعة” عملية فرز المهاجرين غير الشرعيين الذين ينبغي ترحيلهم عن أولئك الذين يحق لهم طلب اللجوء ويمكن توزيعهم ونقلهم إلى دول أوروبية أخرى وذلك أيضا يتم على أساس “تطوعي”.

وكان رئيس الوزراء الإيطالي الجديد جوزيبي كونتي، الذي تضم حكومته حركة 5-نجوم المناهضة للهجرة وحزب الرابطة المنتمي لليمين المتطرف، قد رفض في وقت سابق الموافقة على نص للقمة بشأن الأمن والتجارة إلى أن يتعهد بقية الزعماء بمساعدة إيطاليا في التعامل مع المهاجرين الوافدين عبر البحر.

والبلاد المتحملة لأكبر عبئ بالنظر إلى عدد السكان هي اليونان، كما أن غالبية المهاجرين تأتي في هذه الأثناء إلى اسبانيا وبعدها تأتي إيطاليا.

وتناول الاعلام الاوروبي في وقت سابق أن القمة الاوروبية لم تحل الخلافات بين الدول الأعضاء ولكنها أجلتها، واشارت نفس وسائل الاعلام أن “تطبيق ما جاء في الاتفاقية يعتبر مشكلة حتى داخل دول الاتحاد، لأنه لا توجد رؤية ملزمة إن كانت دول الجنوب ستقبل ببناء مراكز تجميع على أراضيها أم لا”.

ومهما ان بعض القادة في المجلس الاوروبي متفاءلون حول ايجاد حل متفق بشأنه حول الموضوع الأكثر تحديا للاتحاد الأوروبي وهو الهجرة فإن الطريق لازالت طويلة لتقريب وجهات النظر المختلفة”، لان مرحلة التنفيذ هي الاصعب.

– قوارب الموت: عصابات للتهجير تراكم أموال

ما بين قوارب الموت ورمال الصحراء المحرقة تتواصل معاناة المهاجرين غير الشرعيين، الذين اجبرتهم الظروف ترك بلدانهم وركوب المخاطر من اجل البحث عن حياة جديدة، خصوصا مع ازدياد معدلات الفقر والبطالة التي تفاقمت بسبب الاهمال الحكومي واتساع دائرة العنف المسلح في العديد من دول اسيا وافريقيا، وهو ما دفع الكثير من الناس إلى الهجرة غير الشرعية، التي اصبحت اليوم مصدر مالي مهم للعديد من العصابات وشبكات التهريب، فتجارة الهجرة غير الشرعية وإن باتت مصدر ثراء للعديد من الاشخاص خصوصا في عدد من البلدان المغاربية ” مناطق العبور من ضمنها (ليبيا) هذا البلد الذي تحول بسبب الفوضى السياسية والأمنية الكبيرة، إلى سوق للتهريب والاتجار بالبشر ومركز جذب لآلاف الناس الراغبين في الهجرة من بلدانهم نحو أوروبا.

فمن يمتلك وكما نقلت بعض المصادر الاعلامية ، سيارة رباعية الدفع ويكون خبيرا في مسالك الصحراء أو قاربا ويكون خبيرا في البحر ومن تكون لديه علاقات متينة وروابط قوية في المنطقة تتكفل بتأمينه يمكن أن يصبح مهربا في ليبيا وينخرط عبر سلسلة تهريب متكاملة تبدأ من وراء حدود ليبيا البرية لتنتهي عند حدودها البحرية. ويعبر الحدود البرية لليبيا، التي أصبحت قبلة الراغبين في الهجرة وتحقيق أحلامهم بعيدا عن قارة إفريقيا، عدد كبير من المهاجرين قادمين خاصة من دول جنوب الصحراء الافريقية، عن طريق شبكات من المهربين موجودة في السودان والنيجر تتعاون مع شبكات تهريب أخرى موزعة داخل المدن الليبية، ولا تخلو الرحلة التي يقطعها المهاجرون من مصاعب حيث يتعرضون خلالها إلى عدة انتهاكات ومعاملات قاسية وأعمال عنف من قبل شبكات التهريب أو عصابات المجرمين، كما يعيشون خلالها أوضاعا معيشية صعبة قبل أن يتمكنوا من ركوب قوارب الهجرة غير الشرعية.

وقال تقرير سابق لمنظمة العفو الدولية صدر “إن عدة انتهاكات ارتكبت في حق المهاجرين حيث تعرضوا إلى العنف الجنسي والتعذيب والضرب وكذلك الاستغلال والاغتصاب من قبل المهربين والجماعات المسلحة والعصابات الإجرامية. هذه القضية اثارت ايضا قلق ومخاوف العديد من المنظمات الانسانية التي المجتمع الدولي باحترام قوانين حقوق الانسان، خصوصا وان بعض الدول الاوروبية قد سعت ومع ازدياد اعداد المهاجرين الى تشديد اجراءاتها القانونية ضدهم.

– قوارب تباع في السوق السوداء ب 10 ملايين

إزداد قبل ثلاث أشهر في المغرب الطلب على القوارب المطاطية ذات حجم 7 الى 10 أمتار، خصوصا على مستوى المواقع الالكترونية لشركات مختصة في بيع هذه المنتوجات، فقد وصل مبلغ القارب المطاطي الواحد الى عشرة ملايين سنتيم دون احتساب مبلغ المحرك الذي يختلف ثمنه بحسب عدد ” الاحصنة”، بل وصل الوضع الى التوافد على الاسواق الممتازة من أجل شراء قوارب مطاطية صغيرة الحجم، كل هذا التحرك لم يقابله يقظة الاجهزة الامنية والبحث عن الاسباب الكامنة وراءه، بل بقي الوضع على حاله، حتى ظهرت أشرطة فيديو لمهاجرين يوثقون رحلاتهم الى الجانب الاخر من اوروبا، فجرت المستور وحركت معها الاعلام ومعه السياسيين للحديث عن الظاهرة القديمة الجديدة، واسبابها وحلولها المقترحة.

– المهاجر السري ووضعه السيكولوجي

كثير من المهاجرون لهم قصص مختلفة دفعتهم الى المخاطرة بحياتهم، فمنهم من هرب من بلده لعدم استقراره ” حروب مجاعة” بلدان افريقية مثلا، ومنهم من يريد تغيير نمط حياته مثل ” المغاربة” فمهما ان المغرب بلد مستقر وبه كل الخيرات، غير أن شبابه وبسبب ازدياد البطالة وضيق الافق، فضل هؤلاء المغامرة وركوب ” القوارب” من أجل معانقة الفردوس الاوروبي، والواقع المر هو ان الوضع النفسي لهؤلاء المهاجرين مضطرب من الخوف من المجهول، والحلم السرمدي لمعانقة تحسين الوضع الاجتماعي، غير أن ما يعانيه المهاجرون القانونيين ببلدان المهجر أكثر مرارة، الجميع يعمل من أجل العيش يستفيدون فقط انهم في بلدان تضمن لهم حرية الاختيار والمعتقد وتحترم حريات الجنسيات الاخرى، غير ان عدد من البلدان الاوروبية نفسها بات يفكر مواطنيها الى الهجرة الى بلدان اخرى أكثر جاذبية ” الدول السكوندينافية” ألاكثر دخلا للفرد، من أجل تحسين مستواهم المعيشي، في حين أن اوروبيون أخرون خصوصا منهم من استفادو من ” التقاعد” توجهوا للاقامة في المغرب من أحل العيش بأقل ثكلفة وهو ما جعل اعدداهم في تزايد، من هنا يتضح ان البعد السيكولوجي النفسي محددا مهما لموضوع ” الهجرة” فالخوف من الواقع والحلم بغد أفضل يحددان فكرة الهجرة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى