كيف تفهم الوصفة الجديدة للحرب الثقافية التي يشنها الغرب على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ، و كدا سبل مقاومتها من طرف الأنظمة السياسية المحلية .

 

تتعرض منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لحرب ثقافية شرسة من طرف قوى اليمين المتطرف في كل من الولايات المتحدة الأمريكية و دول الاتحاد الأوروبي. وتستهدف هده الحرب تفجير المجتمعات العربية والإسلامية من الداخل عن طريق ادكاء صراع الهويات بين الجماعات الطاْئفية والاثنية لإعادة رسم خريطة جديدة للمنطقة. ولا تستثني هده الحرب حتى الحلفاء الاستتراجيين للغرب مثل تركيا التي تعتبر عضوا في الحلف الأطلسي (NATO (.
ولوعيها بحقيقة الأمر ،فان الأنظمة السياسية المحلية تواجه هده الحرب عن طريق مقاومة شرسة تتصدرها الدول ذات الهويات التاريخية القوية.
ماهي الوصفات الجديدة لهده الحرب ؟ وما هي سبل مقاومتها من طرف الأنظمة السياسية المحلية؟
لقد تناولت في كتابي المعنون ” الاستعمالات الجيوسياسية للهويات العرقية و الطائفية”، سياسات القوة (القوة الناعمة) التي ترتبط بالمجال الثقافي، ويتعلق الأمر بتكريس الدونية الثقافية لشعوب وأنظمة المنطقة وإبقائها في حالة التبعية الثقافية.وقد تناولت بالتفصيل البعد الجيوسياسي لهده الحرب الجديدة.
تدور هده الحرب أساسا حول التلاعب بالهويات العرقية والطائفية في مجتمعات الشرق الأوسط من خلال توظيف الأديان واللغات والجماعات العرقية كأدوات جديدة لضمان استمرار الهيمنة الاقتصادية الغربية.
وعليه فان إعادة مسألة الهويات إلى الواجهة (الديانات واللغات والمجموعات العرقية) تحت غطاء “حقوق الإنسان” يضعف المشاريع الوطنية المحلية ويفتح المجال لإعادة تشكيل المنطقة من الخارج.
يسلط الكتاب في صفحاته (132) الضوء على ما سبق ذكره من خلال ما يلي:
– الجزء الأول،المعنون ب “إشكالية الهويات”،يوضح كيف أصبحت الأنثروبولوجيا الإثْنُدينية الإطار الأساسي الذي تفسر من خلاله السلوكات الجماعية لشعوب المنطقة منذ أحداث 11 سبتمبر 2001. كما أنه يسلط الضوء على المفارقة الإسرائيلية،حيث أصبح المشروع الوطني الإسرائيلي ذي الأصول الشرقية أداة لتقسيم الشرق خدمة للمشروع الغربي.
– الجزء الثاني يتناول المقاومة الثقافية لمجتمعات المنطقة من خلال توظيف اللغة. وعليه،يرسم نموذج هومو أرابيكوس homo arabicus صورةعن المقاومة الثقافة الشعبية غير الرسمية من خلال الأشكال الفنية وخاصة الشعر.
الجزء الثالث يتناول المقاومة المؤسساتية. عن طريق مفهوم الاسلاموقراطية ، تناولت بالتحليل الأنظمة التي تستند إلى هويات تاريخيّة قويّة، وهي العثمانيّة التركيّة الجديدة،والمالكية الموحّدة في شمال أفريقيا وولاية الفقيه في إيران . فرغم اختلافها، تعمل هذه الأنظمة على تحيين المبادئ العامة للإسلام عن طريق إعادة فتح باب الاجتهاد. وسيسمح ذلك بصعود قوى رأسمالية إسلامية في المنطقة كرديف للرأسمالية العالمية و كرافعة لإعادة بناء القوى المحلية مثلما عملت البروتستانتية في أوروبا كمحرك روحي على نجاح الرأسمالية الغربية في القرن 19( كما كشفت دالك أطروحة ماكس فيبر).
وأخيراً، يتناول الجزء الرابع أزمة الهوية. هده الأزمة لا تؤثر بنفس الحدة على جميع دول المنطقة باعتبار ادا كان الأمر يتعلق بأمم تاريخية أو بدول نشأت من ترتيبات ما بعد الفترة الاستعمارية. إذ تمر الأمم التاريخية بمرحلة انتقالية من العصر الإمبراطوري إلى مرحلة الدولة الوطنية (المغرب،مصر، تركيا، إيران…)،بشرط أن تنخرط القيادات السياسية في مخطط الانتقال إلى الدولة المدنية والتي يكون فيها الدين مرجعية ثقافية وأخلاقية وليس نظاما للحكم. أما دول ما بعد المرحلة “الكولونيا لية”، فستكون أكثر عرضة لأزمة الهوية. بل إن بعضها سيختفي وستشكل هوياتها الجهوية دولا جديدة.
وسأعود في مقالات لاحقة إلى الشرح التفصيلي لتداعيات هده الحرب على شعوب المنطقة وتأثيراتها على مستقبل الدول.

د.محمد الشرايبي

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. ما شاء الله، كتاب رائع يضع الأصبع على الجرح في الصراع القائم بين القطبية الغربية والعربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى