عبد الحق الزروالي لهبة بريس: فني محترم وهادف ولا احتكر تفاصيل العمل

عبدالحق الزروالي ممثل مغربي صاحب شخصية متعددة، فحينما يصعد لخشبه المسرح تتعدد علاقته بالزمان والمكان وتتنوع أعماله وشخصياته ونصوصه بصورة مذهلة

فهو يمثل ويغني ويرقص في حركات مسرحية بدائية، ولا يعترف بوجود كاتب ومخرج وممثل ومصمم أزياء وغيره من مكونات العرض المسرحي، وما يهمه هو أن يصل بالمبدع المسرحي إلى الأمام حتى يعطينا مسرحًا تتكامل فيه العناصر وتتناغم فيه المكونات بشكل دقيق شكلت رصيدًا هائلًا ضمن بقية التجارب التي أغنت حركة المسرح المغربي الذي يعتبر اليوم من أكثر المسارح العربية انفتاحًا على المسرح العالمي وتجاربه، كما إنه يملك مخزونًا جماليًا هائلًا يتمثل في فنون الفرجة الشعبية، بالإضافة لامتلاكه قدرة تجريبية متميزة.. عبدالحق الزروالي فتح قلبه لهبة بريس في حوار تطرق فيه بتفصيل لعدة نقط تهم مساره الفني والتجربة المسرحية المغربية عموما.

هبة بريس: المسرحي عبد الحق الزروالي غني عن التعريف، ولكن حدثنا عن تجربتك الطويلة، وموقعك بين التجارب المسرحية العربية و العالمية؟

عبد الحق الزروالي: أن تتحدث عن نفسك فهذا غرور و هذه نرجسية فأنا لم أختر المسرح ففي عام 1961 وعمري تسع سنوات، كان أحد أصدقاء العائلة في مدينة فاس اختارني لتأدية دور في مسرحيته.. سألته بعد ذلك عن السبب، فقال إنه رأى نفسه في شكلي و نظراتي و طريقة لعبي مع أطفال الحي..وبالتالي فالمسرح هو الذي اختارني و العلاقة مع المسرح لا يمكن أن تبنى على عشق من طرف واحد.. كنت أحبذ أن أكون ملاكما لكن هل أصلح لذلك.. ( طبعا لا ) لكن كل مخلوق لما خلق له، فالمسرح التقطني على فطرتي ومنذ 1961 تراكمت في تجربتي أكثر من 15 عملا جماعيا، في شكل ملاحم و أعمال تلفزية وأغان و أكثر من28 عملا فرديا، فالتجارب الإبداعية الكبيرة يمكن أن تتغير مع تغير الذوق في هذا العصر، بل يمكن أن تتوقف إذا لم تكن ماسكا بناصية الإبداع.. أجيال وأجيال طيلة أكثر من نصف قرن من الإبداع..

هبة بريس: بعد هذه المسيرة التي تجاوزت نصف قرن، ماذا حقق عبدالحق الزروالي؟

عبد الحق الزروالي: الحمد لله لقد حققت كل شيء..وعندما أراجع لائحة الأسماء التي مرّت خلال مسيرتي أو قبل ذلك من جيل الرواد إلى جيل القنطرة ومنه إلى جيل الأمل الحالي، أسماء عديدة انقرضت بالرغم من أنها كانت أكثر كفاءة مني إلى جانب الظروف المادية والإجتماعية و المهنية التي كانت متوفرة لهم ورغم ذلك لم يتمكنوا من مواصلة الطريق بينما كنت أعزل من كل الأدوات حتى تعرضت إلى حروب من أطراف عديدة. ورغم ذلك أنا لا أتباهى فأنا الآن داخل الملعب، ولا أحد يمكن أن يزايد علي و بالتالي فقد أعطاني المسرح كل شيء لكنه في نفس الوقت أخذ مني كل شيء..

هبة بريس: كيف تنظرون إلى علاقة أصحاب رؤوس الأموال في المغرب مع المنتوج الثقافي الوطني ؟

عبد الحق الزروالي:أصحاب رؤوس الأموال في المغرب لهم موقف سلبي اتجاه المنتوج الثقافي الوطني ، ففهم علاقتهم مع الثقافة و الإبداع في بعديهما الوطني يقتضي القول أنهم يمتلون فئة اجتماعية سائدة لها عوالمها الثقافية و أماكنها الخاصة ؛ فمنهم من يقطع آلاف الكيلومترات من الرباط إلى باريس لمشاهدة عمل مسرحي ؛ و لم يسبق له أن توجه و لو لمرة واحدة إلى مسرح محمد الخامس من أجل مشاهدة مسرحية مغربية ؛ و هذه الطبقة ليست فقط لا تشجع الثقافة و الفن المغربيين و إنما تعاديهما و تكرههما ، فالبنسبة لاستهلاكها لما تقدمه القنوات و الإذاعات و الجرائد و الأفلام ؛ فهي فئة لا تستهلك سوى المنتوجات الثقافية الأجنبية؛

هذه الطبقة الإقتصادية و الإجتماعية السائدة بمجتمعنا أقل ما يمكن القول عنها هو أنها لا تعطي الإعتبار و لاحس لها اتجاه المنتوج الثقافي ؛ يعيشون معنا في المجتمع شكلا لكن قلوبهم و عقولهم و أرصدتهم و جيوبهم ليست معنا للإستثمار في مجالات الإبداع و الفن ،فالمثقف المغربي و المثقف بشكل عام في الوطن العربي ، يعيش حالة من الإحباط واليأس منذ قرن و عقد من الزمن ، خاض خمسة حروب ، واجه الإستعمار ، قاوم الرجعيات بمختلف غلافاتها الإيديولوجية التي اضطهدته بقوة ، واجه أيضا تعسف البرجوازية التي تحدثنا عنها قبل قليل و التي تتواجد في كل الأقطار العربية حضورا سلبيا في علاقتها مع الإنتاجات الثقافية العربية ، و صارع تزمت الأوصياء على الدين ، الذين يجعلون من الشعر مضيعة للوقت و التشكيل بدعة و المسرح حرام ، و خامس معركة دخل في نزالها المثقف ، هي صراعه من أجل تكافؤ الفرص للمثقف المغربي و العربي عامة مقارنة مع إمكانيات و هيمنة سياسات الإعلام الغربية و الأمريكية على مستوى الثقافة و الإبداع في العالم .

لأن كل ما يتعلق بالنقاش حول صمت المثقف و غيابه في الساحتين الثقافية و السياسية هي نتائج للهزائم التي راكمها جراء المعارك التي خاضها على مر ما يزيد عن القرن من الزمن .

اليوم على المثقف أن يدافع عن نفسه من أجل أن يستمر و أن يصمد ، لا من أجل قضية كما كان يزعم و لكن من أجل الإبقاء على نفس العيش فقط .

هبة بريس:هل هناك ما يعرف بالمسرح السياسي في المغرب؟

عبد الحق الزروالي:أنا أؤمن بالسياسة في المسرح والسياسة في الابداع عموما كعنصر اساسي من مكونات العرض ولا اعترف بالمسرح السياسي الذي يروج للشعارات والخطابات الرنانة لان هذا يفسد نشوة الابداع واؤمن بأن الابداع يسبق الاحداث ويصنعها ولا يلاحقها بمعنى ان ما نراه الان من تغيرات في الوطن العربي ما هو الا نتاج لجهود تجاربنا المسرحية التي قاومت منذ الاستقلال من اجل ترسيخ الديمقراطية ودولة الحق والقانون.

هبة بريس: تتوجه حاليا لتقديم المونودراما بعد اكثر من 50 سنة من تجربتك المسرحية في المغرب؟

عبد الحق الزروالي:بالفعل بعد حصيلة نصف قرن من التجربة المسرحية في المغرب أركز الان على المونودراما في اعمالي الحالية حيث صارت محطة اهتمام من طرف ثلاثة اجيال من المسرحيين لان تجربتي تعكس استحقاقا وتطورا وانا الى حدّ اليوم مازلت أفوز بجوائز عديدة.

هبة بريس:ولكن الا تعتقد انك انضويت تحت لواء النرجسية في تجربتك المسرحية فأنت تكتب وتخرج وتمثل بمفردك؟

عبد الحق الزروالي: ما الاشكال ان كانت الطبيعة ارادت ان تجتمع في عبد الحق الزروالي كل هذه المواهب المتمثلة في التمثيل والكتابة والغناء ونظم الشعر ولكن المهم في تجربتي المسرحية هو عملية التدرج عبر مختلف العناصر المكونة للعمل المسرحي فقد بدأت كممثل وكاتب ثم اصحبت مخرجا واتولى السينوغرافيا ومغنيا على الركح.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى