هــــــؤلاء الشرفاء حُرموا من نشوة العيد مع عائلاتهم

من لا يشكر الناس لا يشكر الله، أصل الحكاية والرواية هنا، هي تلك اللحظات التي تجتمع فيها أفراد الأسر على موائد العيد السعيد يتقاسمون التهاني والتبريكات، ويتلذذون بطعم الشواء والشاي المنعنع على نغمات الدفء العائلي، في الوقت الذي يقضي فيه العديد من أفراد أسرهم ساعاته داخل عمله وبقلب إدارته بعيدا عن نشوة العيد وفرحة المناسبات.

الغرض من تناولنا لهذا الموضوع، هو العمل على ملامسة ولو جزء بسيط من هموم ومعاناة بعض جنود الخفاء والعلن الذين كرّسوا حياتهم كلها خدمة للبلاد والعباد بنوع من نكران الذات، إذ أن العــــادة جرت ولا زالت تحكي بأن جميع العائلات المغربية تجتمع حول مائدة واحدة لتقاسم فرحة المناسبات كيفما كانت، خاصة مع حـــــــلول أول أيامها، حيث تجتمع العائلة كاملة للاحتفال، لكن لظروف العمل يحرم عدد من أفرادها من حضور هذه اللحظات الرائعة ويضطرون لتقاسمها مع بعضهم البعض داخل مكاتبهم أو خلال تنقلاتهم أو حتى على حدود البلاد كعيون لاتنام تحرس أمن البلاد من كيد الأعداء والمتربصين.

من لايـــــشكر الناس على يشكر الله، من لايشكر هؤلاء الشرفاء الذين ارتأوا عدم تقاسمهم فرحة عيد الأضحى مع أطفالهم وزوجاتهم وعائلاتهم، لينخرطوا جميعا في تقديم مختلف الخدمات منها الطبية والإدارية والأمنية وغيرها، تضطر معها أسرهم وعائلاتهم بدورها إلى تأجيل نشوة الاحتفالات العائلية يضيف أحد الأطباء من الشرفاء من طب التشريح الطبي: “طبيعة شغلنا صعبة جدا، الناس كلها تنهي أعمالها وتنصرف إلى حال سبيلها، لكن نحن نمتاز بمواعيد غريبة تفوت علينا فرص الاحتفالات مع العائلة لتقاسم اللحظات الرائعة.

نمــــــــوذج من نـــــــــــماذج شــــــــــــــتى

النموذج هنا نسوقه من مدينة سطات، حيث تزامن وصياغتنا لهذا المقال الذي نود من خلاله إعادة الاعتبار لمثل هؤلاء الشرفاء من أبناء وطني، (تزامــــــــن) وحالة وفاة سيدة رحمها الله يوم عيد الأضحى المبارك بإحدى الجماعات القروية، إذ ارتأت العائلة المكلومة أن تشرع في ترتيب اجراءات الدفن قبل مغيب شمس اليوم ذاته، هناك دخل الجميع في سباق مع الزمن لانهاء كافة الاجراءات القانونية لتسلم جثتها من قلب مستودع الأموات بمستشفى الحسن الثاني.

وبما أن السيدة توفيت قبل ولوجها قسم المستعجلات، تطلب الأمر اخضاعها للتشريح الطبي للوقوف على أسباب الوفاة، فماهي إلا لحظات حتى حضر الطبيب المختص في طب التشريح تاركا لحظات العيد الرائعة مع صغاره واسرته ليشرع في عمله الشريف هذا بنوع من نكران الذات وابتسامة لا تغادر محياه، وبتعليمات من النيابة العامة داخل محكمة الاستئناف في شخص ممثلها الذي بدوره ظل قابعا داخل مكتبه في عز لحظات نشوة العيد داخل البيوت، لمثل هؤلاء الشرفاء نقف وقفة احترام وتقدير…

تسلمت الأسرة المكلومة إذن البدء في اجراءات دفن الجثة، هنا دخلت عناصر الامن المداومة مشكورة لتحرير محاضر قانونية ومعاينة جثة الهالكة بحضور مسؤول عن المكتب الصحي البلدي وممثلة عن المقاطعة الحضرية الخامسة، لتنتهي هذه المسيرة الماراطونية بتسلم الجثة ونقلها صوب مسقط رأسها، هناك تجمع المعزون لتقديم واجب العزاء والمواساة والاشراف على تشييع جنازتها في جو ساده الخشوع والابتهالات والدعاء لها بالرحمة والغفران والثبات عند السؤال.

حـــــــــتى لا نبخس الناس أشــــــــــــــياءهم

إنهم الشرفاء من مختلف المهن والوظائف، فعلى الرغم من المشاكل القائمة التي لا يمكن عدها ولا احصاؤها، إلا أنك تجدهم مرابطين بمقرات عملهم، منهم أبطالنا البواسل من الجنود الشرفاء حماة الديار ، ومختلف الأجهزة الأمنية من درك وأمن ومخابرات وأفراد الوقاية المدنية، والسلطات المحلية وموظفي المؤسسات السجنية وموظفي المحاكم والمؤسسات الاستشفائية واللائحة طويلة… كلهم تجدهم بقلب الإدارات العمومية في عز تقاسم فرحة العيد، يواجهون مشاكل العمل اليومي ، يفتحون أبواب الأمل لمعانقة الحياة من جديد، يحملون مشعل الاصلاح والتغيير والقيادة، منهم الطبيب المكافح الذي يشتغل في ظروف مزرية من سب وشتم واهانة في حقه.. منهم الممرض الشريف العفيف الذي وان قارب على التقاعد تجده في الصفوف الأمامية حاملا سيف النصر وبيده ضمادة يلملم بها جراح البسطاء…

وسط هؤلاء يعيش أشخاص من نوع آخر، تختلف أدوارهم ووضعياتهم الاجتماعية عن سابقيهم، إنهم عمال النظافة ورجال الأمن الخاص المرابطين فير عز القر والبرد القارس على أبواب المستشفيات ومداخلها الرئيسية، من بين هؤلاء شرفاء يعيلون صغارهم من لقمة عرق جبينهم، معرضين حياتهم للخطر بثمن بخس دراهم معدودة ، لمثل هؤلاء يجب إعادة النظر في شأنهم وتعويضهم عن الخطر والتكفل بهم عند الضرر…حتى لا نبخس الناس أعمالهم…..فمن لايشكر الناس لا يشكر الله….

مقالات ذات صلة

‫5 تعليقات

  1. تحية طيبة من قلب صادق وعيد مبارك عليكم ادخله الله عليكم بالخير واليمن والبركات انشاء الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى