من يحمي المستهلك المغربي أمام تعثر إحداث الصندوق الوطني لحماية المستهلك ؟

تعد عملية حماية المستهلك المغربي ضمن الإستراتيجية المعتمدة في مجال النشاط التجاري الذي تشهده البلاد والذي نتج عنه وضع ترسانة قانونية وتحفيزات للمقاولات من أجل الرفع من نوعية المواد الاستهلاكية وحماية صحة المواطن وسلامته من التلاعبات المحتملة التي يقف وراءها عدد من التجار الجشعين، ويأتي القانون الخاص بحماية المستهلك وقمع الغش في إطار الإنجازات المحققة في هذا الإطار، إبان سنة 2011 بعد ما أطلق عليه الربيع الديموقراطي، حيت أصبح النشاط التجاري حينها لا يعني سوى الربح السريع وجمع الأموال ويظل فيه المستهلك المتضرر الأول والأخير من تبعات الغش والتحايل. 

الوضع الحالي جد مقلق، منه ما يراه المواطن المغربي بنفسه، ومنه ما وقفت عليه لجان مراقبة المواد الاستهلاكية، التي تكتشف ان هناك مواد غذائية سريعة التلف، أسماك وأجبان ومشروبات بمختلف أنواعها تعرض للبيع في الهواء الطلق، ذبح عشوائي في أماكن عشوائية، حفظ الأغذية في غير أماكانها بعيدة عن وسائل التبريد وعرضة لأشعة الشمس وغيرها من النقاط السوداء التي أصبحت لصيقة بالحياة التجارية لدى المغاربة .

هي مشاهد صنعت لسنوات وترسخت في قاموس التجارة لتصبح من البديهيات. يضاف إلى كل هذا، الخطر الذي أصبحت تشكله السلع المغشوشة والمقلدة التي تتدفق على سوقنا الوطنية من كل أصقاع العالم. وككل مرة يطرح التساؤل لدى العام والخاص “إلى متى يستمر هذا الوضع وكيف يمكن حماية المستهلك من الأخطار التي لا طالما هددت صحته وتسببت في الكثير من الأحيان في حالات وفاة جراء تسمم وحوادث ناجمة عن استعمال مواد مغشوشة أومقلدة؟”. والحقيقة أن التجارة الموازية أصبحت اليوم السبب الرئيسي لحالات التسمم مما جعل مسالة حماية المستهلك مرهونة بالقضاء على هذه التجارة التي أصبحت قائمة بذاتها وتشكل نسبة 56 بالمائة من مجمل النشاط التجاري العام.

أجسام غريبة في مشتقات الحليب!

اختلفت روايات المستهلكين الذين فوجئوا بوجود أجسام داخل علب المواد الغذائية أوقارورات المشروبات وحتى أكياس الحليب تتراوح بين قطعة نقدية داخل علبة اليوغورت وشعر داخل الحليب وقطعة من البلاستيك داخل الخبز وغيره، فهذه مواطنة تفاجأت وهي تدخل ملعقة داخل علبة الياغورت بصوت غريب ناتج عن احتكاك الملعقة بشيء ما ولم تكد تصدق عندما اكتشفت أن قطعة نقدية كانت بداخل العلبة. أما أحد المواطنين فروايته كانت عن آثار شعر وجدته زوجته داخل الخبز  وهي تتأهب ذات يوم لتحضير فطور الصباح. في حين سجلت بعض الشهادات الكثير من الحالات تمثلت في قطع خيوط وبقايا سجائر داخل الخبز وأعواد كبريت داخل علبة المربى وأخطر كل هذه الحالات عثور أحد المواطنين على شفرة حلاقة داخل خبزة اقتناها من مخبزة الحي يعتقد أنها استعملت لشق القشرة الخارجية لعجينة الخبز.

وإذا عرجنا على الأسواق بمختلف أنواعها فالمفاجأة لا شك كبيرة والصدمة أكبر، فبالإضافة إلى أن كل شيء يباع في أي مكان وفي أي وقت دون مراعاة الشروط الصحية ولا حتى القانون. خبز يعرض بجانب الأسماك والخضر وحتى الخضروات وصناديق السردين تنتظر من يقتنيها لساعات تحت حر الشمس وحلويات في الهواء الطلق تمتص كل أنواع الغبار والأتربة. ووسائل حفظ عشوائية منها الأكياس البلاستيكية رغم منعها، التي تأكد خطرها على صحة الإنسان تحفظ فيها مختلف السلع ومعها طبعا صفحات الجرائد التي رغم منعها قانونا إلا أنها لا تزال تحمل المواد الغذائية. كل هذه التصرفات لا تفسير لها إلا الإهمال وغياب الضمير وعدم المبالاة بصحة وسلامة المستهلك بعد أن تأكد في أكثر من موقف أن لا شيء يهم التجار غير جمع المال والجري وراء المزيد من الأرباح.

والغريب في الأمر أن لا أحد من المستهلكين وضحايا المفاجآت “غير السارة” فكر ولو مرة في اتخاذ خطوة نحو كشف ما حدث ولو أمام صاحب المنتوج وكأن الأمر لا يستحق ذلك، مما يؤكد غياب ثقافة الاستهلاك لدى المستهلك المغربي وعدم حرصه على الدفاع عن نفسه أمام مختلف أشكال التهديدات التي تطال سلامته.

السكوت زاد من جشع التجار 

تعتبر الجمعيات المدافعة عن حقوق المستهلك الوجهة الأساسية التي من شأنها مرافقة المستهلك في حالة تعرضه لضرر ما جراء استهلاكه أواقتنائه مادة مشبوهة أومغشوشة إلا أن هذا الدور لا بد أن يسبق برد فعل هذا المستهلك الذي بدونه لا يمكن تحقيق نتيجة. وتؤكد جمعيات تعنى بالمستهلك المغربي، على وجود عدة آليات وإجراءات يجب إتباعها للتبليغ على الحالات غير العادية أولها التقرب من جمعيات حماية المستهلك الناشطة في كل مدينة او جهة من جهات المملكة، التي يقطن بها الضحايا وإذا لم تكن متوفرة فعليه التوجه نحو مكاتب السلامة الغذائية، او اللجن المشكلة على مستوى عمالة المختصة في قمع الغش وحماية المستهلك. 

– تعثر إحداث الصندوق الوطني لحماية المستهلك بعد سبعة سنوات مضت

قبيل انطلاق حراك 2011 ، وفي عهد حكومة عباس الفاسي، صدر في 18 فبراير من نفس السنة قانون يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك. 

لخصت المادة الأولى منه الأهداف التي يروم تحقيقها، والمتمثلة أساسا في توفير ضمانات لإعلام المستهلك إعلاما ملائما وواضحا بالمنتوجات أو السلع أو الخدمات التي يقتنيها أو يستعملها، وضمان حماية المستهلك فيما يتعلق بالشروط الواردة في عقود الاستهلاك، ولا سيما في الشروط التعسفية والشروط المتعلقة بالخدمات المالية والقروض الاستهلاكية والقروض العقارية، وكذا الشروط المتعلقة بالإشهار والبيع عن بعد والبيع خارج المحلات التجارية.

أيضا تحديد الضمانات القانونية والتعاقدية لعيوب الشيء المبيع والخدمة بعد البيع، وتحديد الشروط والإجراءات المتعلقة بالتعويض عن الضرر أو الأذى الذي يلحق بالمستهلك. ناهيك عن ضمان تمثيل مصالح المستهلك والدفاع عنها من خلال جمعيات حماية المستهلك، علما أن قانون حماية المستهلك يضم 206 مادة قانونية، ويشمل عقوبات زجرية أقصاها خمس سنوات حبسا، وأخرى غرامات مالية أعلاها مائة مليون درهم.

وقد خص المشرع المغربي أشد عقوبة حبسية في قانون حماية المستهلك لمن عمد إلى استغلال ضعف المستهلك أو جهله بحيث جاء في المادة 59 من ذات القانون على أنه “يعد باطلا بقوة القانون كل التزام نشأ بفعل استغلال ضعف أو جهل المستهلك مع حفظ حقه في استرجاع المبالغ المؤداة من طرفه وتعويضه عن الأضرار اللاحقة”.

وبناء على المادة 184 من القانون نفسه في قسم العقوبات الزجرية، غلظ المشرع العقاب على مرتكب هذا الفعل وجعله يصل في أقصاه خمس سنوات حبسا بقوله: “يعاقب على مخالفة أحكام المادة 59 المتعلقة باستغلال ضعف المستهلك أو جهله بالحبس من شهر إلى خمس سنوات وبغرامة من 1200 إلى 50000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط.. إذا كان المخالف شخصا معنويا يعاقب بغرامة تتراوح بين 50000 و 1000000 درهم”.

المنحى نفسه في التجريم وتغليظ العقاب، ذهب إليه المشرع في المادة 21 من قانون حماية المستهلك، بمنعه كل إشهار من شأنه أن يوقع في الغلط بأي وجه من الوجوه، إذا كان ذلك يتعلق بواحد أو أكثر من حقيقة وجود السلع أو المنتوجات أو الخدمات محل الإشهار، وطبيعتها وتركيبتها ومميزاتها الأساسية ومحتواها من العناصر المفيدة، ونوعها ومنشأها وكميتها وطريقة وتاريخ صنعها وخصائصها وسعرها أو تعريفتها، وشروط بيعها، وكذا شروط ونتائج استخدامها وأسباب وأساليب البيع أو تقديم الخدمات، ونطاق التزامات المعلن وهوية الصناع والباعة و المنعشين، ومقدمي الخدمات أو صفتهم أو مؤهلاتهم.
وعلى الرغم من وجود هذه الترسانة التشريعية، وتضمنها على نصوص قانونية ذات طابع زجري، إلا أن تنزيل هذا القانون تكتنفه معيقات كبيرة وكثيرة، خصوصا على مستوى التقاضي، بحيث أن المشرع المغربي جاء بآلية إمكانية رفع دعاوي قضائية أمام المحاكم المختصة ضد مخالفي قانون حماية المستهلك، حسب مقتضيات المادة 152 وما يليها. لكنه قيد هذه المكنة القانونية بشروط مجحفة وصعبة التحقق، عندما اشترط على هذه الجمعيات توفرها على المنفعة العامة، حسب مقتضيات المادة 154، خصوصا إذا استحضرنا الصعوبات والعراقيل للحصول على صفة المنفعة العامة، بحيث أن هناك عشرات الجمعيات تقدمت للحكومة بطلبات الحصول على هذه الصفة، ولكن بقيت من دون جواب.

كذلك نسجل من بين معيقات تنزيل قانون حماية المستهلك، أنه إلى غاية الآن ورغم مرور سبع سنوات على إحداثه، لم يتم إحداث الصندوق الوطني لحماية المستهلك الذي نصت عليه المادة 156 من القانون المذكور، والذي يعهد إليه تمويل الأنشطة والمشاريع الهادفة إلى حماية المستهلك وتطوير الثقافة الاستهلاكية ودعم جمعيات حماية المستهلك. وأيضا لم يتم تأسيس المجلس الاستشاري الأعلى للاستهلاك الذي نصت عليه المادة 104 من القانون أعلاه، والذي يعنى باقتراح وإبداء الرأي حول التدابير المتعلقة بإنعاش ثقافة الاستهلاك وتجويد مستوى حماية المستهلك.
ختاما، ما زال المستهلك الحلقة الأضعف أمام هذه المعيقات، وأمام جهل المستهلك بحقوقه المخولة له بمقتضى القانون، ما يتعين على الدولة والمجتمع المدني، وخصوصا الجمعيات العاملة في مجال حماية المستهلك، أن توفر للأخير الحماية اللازمة، وأن تكثف الجهود في اتجاه الرفع من منسوب وعيه بحقوقه القانونية والاجتماعية والاقتصادية المنصوص عليها في الدستور المغربي، ومنها الحق في التقاضي.

مقالات ذات صلة

‫7 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى