انتفاضة باعة “فوضويين” بالجديدة.. نهب واعتداءات على رجال السلطة الجدد ‎

 

عرض باعة متجولون وسكان من دوار “الغزوة”، التابع للمدار الحضري للجديدة، للخطر السلامة الجسدية لرجال السلطة، وأفراد القوة العمومية، الذين تدخلوا،  الجمعة 29 يونيو 2018، لتحرير الملك العمومي، بتراب هذا التجمع السكني، وتحديدا في شارع عثمان بن عفان، ذي الاتجاهين، المؤدي إلى حي النجد ومحطة  لقطار، وعلى جنبات هذا الشارع، غير بعيد من مركز تسجيل السيارات، التابع للمديرية الإقليمية للنقل والسلامة الطرقية. حيث  ألحقوا بالمتدخلين من السلطة المحلية، إصابات، وأضرارا مادية في شاحنة جماعية، تدخل في إطار الممتلكات العمومية، المسخرة للمنفعة العامة.

هذا، وكان رشيد حموش، قائد الملحقة الإدارية الثالثة الجديد، الذي جرى تنصيبه، الأربعاء 27 يونيو 2018، على غرار باقي رجال السلطة، أمهل، صباح الجمعة الماضي، الباعة المتجولين في دوار “الغزوة”، إلى حدود مساء اليوم ذاته، لإخلاء الملك العمومي، الذي أقاموا فيه سوقا فوضويا، مستغلين الفراغ الحاصل في السلطة المحلية، بعد حركة الانتقالات الواسعة، التي شملت مؤخرا  المسؤولين الترابيين بالجديدة.

وقد انتقلت السلطة المحلية، ممثلة في باشا الجديدة بالنيابة، عبد الحق مواق،  وقياد  الملحقات الإدارية، وأعوان السلطة من شيوخ ومقدمين، وأفراد القوات المساعدة، في حدود الساعة الخامسة من مساء الجمعة الماضي، إلى دوار “الغزوة”، وهو تجمع سكني غير مهيكل، ساهمت في تفريخ البناء العشوائي فيه الانتخابات، وصمت السلطات. حيث شرع المتدخلون، بعد انقضاء المهلة المحددة (l’ultimatum)، في حجز عربات الباعة المتجولين، وسلعتهم  (فواكه موسمية “دلاح” – “بطيخ”..)، المعروضة للبيع في الملك العمومي الذي كانوا يحتلونه (..).

وقد ثارت ثائرة الباعة المتجولين، الذين كانت بضاعتهم تسحب منهم، وتحمل على متن شاحنة من جماعة الجديدة. وقد حاول بعضهم حمل السائق على التوقف، لاسترجاع بضاعتهم. الأمر الذي لم يستجب له، وانطلق بسرعة، تسببت في سقوط أحدهم من فوق الشاحنة الجماعية. ما جعلهم يدخلون في مواجهات مع رجال السلطة المحلية، والقوة العمومية. وقد انضم إليهم العشرات من سكان دوار “الغزوة”، سيما المراهقين والأطفال، الذين أخذوا يرشقونهم بالحجارة. إذ أحدثوا أعمال شغب وفوضى عارمة، وعرضوا للخطر سلامتهم وسلامة المواطنين، ومستعملي الطريق، وعرقلوا حركات السير والمرور في الاتجاهين،  شارع عثمان بن عفان.

وقد اضطر باشا المدينة بالنيابة، ورجال السلطة، والشيوخ والمقدمين، وأفراد القوات المساعدة، للانسحاب، بعد أن خرج الوضع عن السيطرة، وكسر “الفوضويون” زجاج الشاحنة الجماعية، وأصابوا سائقها بجروح بليغة، إلى جانب عاملين من الإنعاش الوطني، وقائد الملحقة الثالثة، وعناصر من القوة العمومية، وصفت إصاباتهم بالطفيفة.

وقد صعد الباعة الذين كانوا مؤازرين في انتفاضتهم بسكان من دوار الغزوة،  إلى الشاحنة، وأفرغوها من حمولتها (عربات مدفوعة – طاولات – كراسي – سلع – فواكه ..)، كانت السلطة المحلية حجزتها في حملات تطهيرية استهدفت، في اليوم ذاته،  تحرير الملك العمومي في مناطق مختلفة من عاصمة دكالة (شارع الزرقطوني – ساحة “البرانس”..).

واستغل بعض سكان دوار “الغزوة” الوضع لترديد شعارات مطالبة بإرجاع عون سلطة (مقدم)، كان يمارس مهامه بالملحقة الإدارية الثالثة، وكان رئيس قسم الشؤون الداخلية (DAI) السابق، بعمالة الجديدة،  أبعده إلى باشوية الجديدة.

هذا، واستدعت حالة سائق الشاحنة الجماعية، التي وصفت ب”الحرجة”،  نقله إلى قسم المستعجلات بالمستشفى الإقليمي، حيث تلقى الإسعافات والعلاجات اللازمة.

عامل الجديدة والإرث الثقيل:

إلى ذلك، فإن احتلال الملك العمومي في عاصمة دكالة (الشوارع – الأرصفة – الساحات..)، يعتبر من الملفات “الشائكة”، التي ساهمت الانتخابات في تفاقمها، في ظل تقاعس السلطات.

وقد أصبحت مدينة الجديدة على عهد وفي عهد ولاية معاذ الجامعي، عامل إقليم الجديدة السابق، عبارة عن “سوق قروي” يومي،  بعد أن احتل “الفراشة” والباعة المتجولون (أصحاب العربات المدفوعة والمجرورة بالدواب..)، ساحاتها وشوارعها وأرصفتها.. وحتى شاطئها الرملي بات مرتعا، تتعايش فيه الخيول والجمال، وبنو البشر. كما أن أحياء المدينة غزتها الكلاب الضالة، والحيوانات أصبحت تضايق مستعملي العربات على الطريق.

هذا، فإن ملف احتلال الملك العمومي، يعتبر إرثا ثقيلا ورثه عامل إقليم الجديدة، محمد الكروج، عن سلفه، معاذ الجامعي، الذي تربع حوالي 7 سنوات، على الإقليم، دون أن تشمله، في حالة استثنائية مثرية، حركات الانتقالات  التي همت الولاة والعمال في جهات وأقاليم المملكة، والذي تمت مكافأته وترقيته إلى وال على الجهة الشرقية (وجدة). ملف يصعب على العامل الكروج الذي أقفل، الأربعاء 28 يونيو 2018، سنته الأولى بإقليم الجديدة،  تدبره وتدبيره ولو بعصا سحرية، أو بالتركيبة السحرية “abracadabra”.. بعد أن اكتسح الباعة المتجولون  و”الفراشة” عاصمة طولا وعرضا، كما يكتسح السرطان، في مراحله المتقدمة، جسم المصاب بهذا المرض الخبيث.

النازلة.. بالدراسة والتحليل:

للوقوف بالدراسة والتحليل للوقائع والحيثيات، على نازلة الجمعة الماضي، في أول تدخل ميداني لرجال السلطة الجدد، في الشارع العام بالجديدة، لا بد من استحضار ما يلي:

أولا: حملة تحرير الملك العمومي بالمدار الحضري للجديدة، قادها، في غياب بالباشا الجديد، عنات كرام، الذي سيلتحق، الأربعاء 4 يوليوز 2018، بمكاتبه في الباشوية، على غرار  رئيس قسم الشؤون الداخلية بعمال الجديدة، وقائد الملحقة الإدارية بأزمور، وقائد قيادة أولاد افرج، وقائد قيادة  المهارزة الساحل، (قادها) عبد الحق مواق، الباشا بالنيابة. الأخير  شغل منصب خليفة باشا الجديدة، وقد تمت ترقيته مؤخرا بالأقدمية، إلى منصب قائد.

ثانيا: رجال السلطة الجدد، القادمون من جهات وأقاليم أخرى، قد خرجوا، في اليوم الموالي لتنصيبهم، الأربعاء 27 يونيو 2018، إلى الشارع العام في عاصمة دكالة، بغية تحرير الملك العمومي (..). فكما في الحرب، فإن كسب الحرب.. يقتضي معرفة ساحة الحرب والعدو (هذا مجرد تشبيه واقعي وموضوعي ومنطقي)، كما تؤكده المقولة الشهيرة للإمبراطور (جول سيزار)، عقب انتصاره المبين  في إحدى الحروب التي خاضها ضد العدو: “Veni Vidi Vici”، والتي مفادها: “جئت، ورأيت، وغزيت”. فقد كان على رجال السلطة الجدد التريث.. إلى أن يتدارسوا فيما بينهم، ومع رؤسائهم في الباشوية،  وفي قسم الشؤون الداخلية، استراتيجية العمل والتحرك في ميدان يجهلون كل شيء عنه.. وأن يستعينوا  بأعوان السلطة من شيوخ ومقدمين، الذين يعتبرون أعين وأذان السلطة الترابية، من أجل الاستطلاع (la reconnaissance du terrain).

ثالثا: كان على رجال السلطة، وعلى رأسهم القائد عبد الحق مواق، الباشا بالنيابة، الذي قاد حملة تحرير الملك العمومي، وكذلك، رشيد حموش، قائد الملحقة الإدارية الثالثة الجديد، صاحب الاختصاص الترابي، والذي يقع دوار “الغزوة” في منطقة نفوذه الترابي، أن يستعين بأعوان السلطة، المكلفين بهذا التجمع السكني العشوائي، بغية معرفة طبيعته، وخصوصيات ساكنته، والباعة المتجولين فيه، وتحديد ردة فعلهم المتوقعة (..)، قبل  استهدافه بأية حملة تطهيرية، تفاديا لأية سلوكات وتصرفات غير محسوبة العواقب.

وبالمناسبة، فإن رشيد حموش، قائد الملحقة الإدارية  الثالثة الجديد، شغل منصب قائد بقسم الشؤون الداخلية بعمال تطوان، وقائد الملحقة الإدارية الثانية بتطوان.

ومن  ثمة، فإن التجربة، سواء على المستويين النظري والعملي (التطبيقي)، يجب أن تظهر نجاعتها على أرض الواقع، وأن تنعكس إيجابا  وبالواضح والملموس، في الميدان.. وفي الشارع العام. وقد كان على هذا المسؤول الترابي الشاب، أن يستحضر أن ثمة في المغرب، من طنجة إلى لكويرة، وهذه أمور من الأبجديات التي لا تخفى على رجل السلطة الترابية، اختلافا في العادات وفي الخصوصيات، من منطقة إلى أخرى. فمدينة تطوان ليست هي مدينة الجديدة، وساحة الحنصالي (البرانس)، ليست هي دوار “الغزوة’، رغم كونهما منطقتين موجودتين في المدار الحضري للمدينة ذاتها، مدينة الجديدة.

رابعا:  إن دوار “الغزوة”، المستهدف بالحملة التطهيرية، يعتبر نقطة سوداء. ما كان يستدعي تعبئة عناصر من الشرطة بالزي الرسمي (الهيئة الحضرية)، ضمن القوة العمومية، التي استعانت بها السلطة المحلية في تدخلها في دوار “الغزوة”.

خامسا:  كان على السلطة المحلية أن تمهل الباعة المتجولين ما يكفي من الوقت، عوض المهلة الوجيزة (l’ultimatum)، التي منحتهم إياها، صباح الجمعة الماضي، والتي سرعان ما انتهت في اليوم ذاته. فقد كان بالإمكان إمهالهم حتى صباح اليوم الموالي، السبت 30 يونيو 2018.

سادسا: كان على السلطة المحلية، عوض التسرع في تنفيذ تعليمات عامل إقليم الجديدة، محمد الكروج، التعامل بما يقتضيه الوضع والظرفية، من ليونة و”إنسانية”،  مع الباعة المتجولين الذين استغلوا “شبه الفراغ” الحاصل في السلطة الترابية،  عقب الحركة التي همت رجال السلطة الترابية في المغرب، بعد تأجيل إجرائها على التوالي بسبب انتخابات المجالس الجماعية والجهوية، شهر شتنبر 2015،  والانتخابات التشريعية، شهر أكتوبر 2016،  والأحداث التي عرفها شمال المملكة، إثر ما سمي ب “حراك الريف”، الذي عقبه “الزلزال الملكي”.

هذا، وقد شملت حركة الانتقالات والتعيينات الجددة بإقليم الجديدة، باستثناء عامل إقليم الجديدة، وقائدة الملحقة الإدارية السادسة،  27 رجل سلطة، موزعين ما بين الكاتب العام لعمالة إقليم الجديدة، ورئيس الشؤون الداخلية،  و3 باشوات، و4 رؤساء دوائر، ورئيس مقاطعة واحد، و5 ملحقين إداريين، ومدير الحي الجامعي، و11 قائدا. وقد جرى تنصيبهم، الأربعاء 27 يونيو 2018، ومنهم من تسلموا مهامهم في حينه، ومنهم  5 مسؤولين ترابيين  لم يلتحقوا بعد بمكاتبهم.

سابعا: بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك للسنة الهجرية 1439، الذي صادف أول يوم فيه، الخميس 17 ماي 2018، وكان عيد الفطر، الجمعة 15 يونيو الماضي، أصدرت  وزارة الداخلية تعليماتها إلى الولاة والعمال في مختلف جهات وأقاليم المملكة،  بالتساهل مع الباعة المتجولين، خلال أيام شهر رمضان، والذين تزداد أعدادهم في هذا الشهر،  وعدم الدخول معهم في مواجهات واصطدامات.

ظرفية وظروف استثنائية:

استغل الباعة المتجولون الظرفية والظروف الاستثنائية،  لاحتلال الملك العمومي، والانتشار والتفريخ  في بعض التجمعات السكنية، وفي الساحات والشوارع والمحاور الطرقية، التي تعرف حركة رواج دءوبة،   كما حصل بالنسبة  لتفريخ البناء العشوائي، بمناسبة “الربيع العربي”، الذي كانت انطلاقته  من تونس، أواخر سنة 2010. وهذا ما حصل بالضبط في دوار “الغزوة”.

إلى ذلك، فقد تمكنت السلطات، بناءا على الصور  الفوطوغرافية التي التقطتها كاميرات الهواتف النقالة،  من مسرح النازلة، والمعلومات التي استجمعها الشيوخ والمقدمون، أعين وأذان السلطة الترابية، ومساعدة المخبرين، من تحديد هويات 12 شخصا ضالعين في أحداث الشغب والفوضى، والاعتداءات على رجال السلطة المحلية، والقوة العمومية.. لكن ثمة توجها بعدم ملاحقتهم، اعتبارا للظرفية الحالية، وتفاديا للتصعيد.

اندفاع يعطي نتائج عكسية:

إن التسرع في تنفيذ التعليمات العاملية، التي تلقاها رجال السلطة الجدد، بمناسبة تنصيبهم، الأربعاء 27 يونيو 2018، دون استطلاع الميدان، ودون الإلمام بخصوصيات المنطقة والساكنة، وغياب استراتيجية عمل دقيقة المعالم، وكذا، الطريقة التي تعاملت بها السلطة المحلية، سيما قائد الملحقة الإدارية الثالثة الجديد، قد أفضى إلى فشل ذريع في معالجة ملف تحرير الملك العمومي، في دوار “الغزوة”.  والأخطر أن ذلك كان سببا في اندلاع مواجهات عنيفة، وفي خروج الوضع عن السيطرة، في سابقة خطيرة،  لم تسجل البتة في تاريخ السلطة الترابية بالجديدة.

وهكذا، فإن تدخل  السلطة المحلية، في أول خروج لها في الشارع العام،  يكون أعطى  نتائج عكسية،  وكشف بالواضح والملموس أن التعامل مع الملفات الحساسة والشائكة،   يحب أن يراعى  فيه الجانب الاجتماعي، كما كان رجال السلطة المنتهية ولايتهم، يفعلون، والذين تدخلوا مرات عديدة في دوار “الغزوة”، وكانت حملاتهم وتدخلاتهم ناجعة، وبعيدة عن “السلطوية”، ومتشبعة ب”المفهوم الجديد للسلطة”، ولم يحصل أن واجههم المواطنون بالعنف والفوضى والتسيب، وبالنهب والاعتداء، حتى عندما كانوا يسوون بالجرافات محلات تجارية وخدماتية، مخالفة للقانون، كلفت بعض أصحابها ملايين الدراهم، قبل أن تصبح أثر بعد عين.

وبالمناسبة، فقد استطاع كمال اكيز، باشا مدينة أزمور السابق، الذي كان يؤمن في الوقت ذاته مهام باشا الجديدة بالنيابة، والذي يعتبر ب”رجل المهام الصعبة”، والذي عينته وزارة الداخلية، بعد ترقيته المستحقة،  كاتبا عاما بعمالة جرادة، (استطاع)، بحنكته وتجربته الميدانية، أن يتدبر ويدبر ملف احتلال الملك العمومي، بالنجاعة المتوخاة.

هذا، فعلى رجال السلطة الجدد بالجديدة، أن تكون لهم القدوة في رجال السلطة المنتهية ولايتهم. فالسلطة ورجال السلطة، إن هم ذهبت هيبتهم،  بسبب التسرع والاندفاع والحماسة الزائدة في تفعيل التعليمات العاملية، والتعامل مع قضايا المواطنين، ذهبت هيبة المؤسسات، وهيبة الدولة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى