قمة نواكشوط : قمة المبارزة بين الإتحاد الأفريقي والأمم المتحدة حول اختصاص النظر في نزاع الصحراء؟

ساهمت مجموعة من الدول الأفريقية، في إطار منظمة الوحدة الأفريقية و بتعاون مع الأمم المتحدة في توقيع المغرب والبوليساريو على وقف إطلاق النار و إحترامه، ومصادقة مجلس الأمن عليه بمقتضى القرار 690 وناريخ 29 أبريل 1991، و بسط  الأمم المتحدة سلطتها على الملف منذ ذلك التاريخ. إلا أن الدول الأفريقية ومنظمة الوحدة الأفريقية، ومن بعدها الإتحاد الأفريقي بعد تغيير التنظيم للإسم، بقيا خارج سياق لعب دور أساسي في عمليات التهييء، أو الإقتراح، أو المبادرة لحل النزاع، واقتصر حضورها في تأثيث العناصر العسكرية للمينورسو، في إطار مشاركة لدول أفريقية على المستوى الفردي، و خارج التنظيم المؤسسي الأفريقي.

بيد أن الإتحاد الأفريقي، وبالضبط منذ 2014 وقبله سنة 2012 بدأ يتدخل في نزاع الصحراء، رغم دفع المغرب بعدم إنعقاد الإختصاص له للنظر في النزاع، بل إنه إتخذ قرارات في علاقة بالموضوع بتوافق، أو بإجماع أعضائه، وكانت إنطلاقته الأولى باهتمامه بحقوق الإنسان في الصحراء، و مطالبته بتوسيع مهام المينورسو لتطال مراقبتها.

ومن بعده، و بالضبط سنة 2014، عمد إلى تعيين خواكيم شيسانصو، الرئيس السابق لموزمبيق، مبعوثا خاصا لأفريقيا مكلف بملف الصحراء، الغاية منه لفت الإنتباه الدولي بالنزاع. كما إتخذ قرارا آخر برفضه تنظيم المغرب لأنشطة ذات بعد دولي بالصحراء، بإدعاء أنه إقليم متنازع عليه، وخاصة رفضه تنظيم أشغال المنظمة السويسرية كرانس مونتانا في مدينة الداخلة سنة  2015 بالإضافة إلى توجيهه عدة دعوات ومراسلات إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن  لتحديد موعد لاجراء للإستفتاء، وغايته في ذلك ممارسة الضغط لتجاوز العملية السياسية والعودة إلى خطة التسوية و الإستفتاء، الذي عجزت الأمم المتحدة عن تحديد للجسم الإنتخابي، و عبر المغرب فيما بعد عن رفضه لها.

و آخر قرار إستقر عليه نظر الإتحاد الأفريقي هو رفضه إستغلال المغرب للموارد الطبيعية في الإقليم، و دعوة البرلمان الأفريقي الدول أعضائه إلى إغلاق مكاتب الشركات التي تتعامل مع المغرب بخصوص الموارد الواردة من إقليم الصحراء، و كل هذه المواقف إتخذها الإتحاد الأفريقي في تناغم و تلائم وانسجام  تام مع و وصفه الضمني للمغرب بأنه “محتل”، الذي يفسره وصفه للإقليم ” أن إقليم الصحراء الغربية آخر مستعمرة في أفريقيا”.و لا مراء أن لهذه القرارات الصادرة عن الإتحاد الأفريقي وقع كبير لدى الجهات المخاطبة بها أمميا وقاريا وجهويا ودوليا.

كما أن لهذه القرارات التي تشك في سيادة المغرب لإقليم الصحراء، أو تبخس عمل آلياته الوطنية التي تشتغل في مجال حماية حقوق الإنسان، و تلغي أو لا تكترث لحقوق المغرب التاريخية والقانونية والواقعية، ذات تأثير سلبي كبير، بغض النظر عن مطالبات المغرب بعدم حياد الإتحاد الأفريقي، بسبب اتخاذه موقف مسبق لصالح البوليساريو، باعترافه به “دولة”، وقبوله عضوا فيه بمقتضى القرار 104 وتراجعه عن القرار 103، رغم عدم إعتراف الأمم المتحدة بالبوليساريو ، و باقي التجمعات القارية والإقليمية باستثناء الإتحاد الأفريقي، ولسحب مجموعة من الدول لسابق إعترافه به.

و هو ما يؤدي إلى عدم إيلاء رفض المغرب لتدخل الإتحاد الأفريقي أهمية قصوى، رغم تبليغ هذا الرفض للأمين العام لمرات متعددة، بل إن مجلس الأمن سمح للمبعوث الأفريقي الخاص بتناول الكلمة لديه، وكلها أسباب حتمت، و فرضت على المغرب الرجوع إلى مهد ولادة هذه القرارات لوأدها، و وقف نزيف تناسلها، بدلا من إنتظار الإصطدام بها في مركز القرار الأممي، أو أمام تجمعات قارية و إقليمية.

و بعد تحقق عودة المغرب وحصوله على عضوية الإتحاد الأفريقي، و أصبح كل أطراف النزاع المباشرين المغرب والبوليساريو، و الملاحظين الجزائر و موريتانيا يحتضنهم نفس الإطار المؤسسي الأفريقي، فإن إمكانية، وإحتمال عودة الإتحاد الأفريقي للعب دور أساسي، و رئيسي لحل نزاع الصحراء تبقى قائمة، و يستفيد الإتحاد من حيثية وجود النزاع في القارة الأفريقية، و أطرافه أفارقة.

غير أن هذه الفرضية تبقى رهينة بإرادة أطراف النزاع، فالمغرب رجع إلى أفريقيا لعلاج أوجاع تدخل الإتحاد في النزاع دون اعتبار لحقوقه و مصالحه، و طموحه منصب على ترجيح الكفة الأفريقية لصالحه، و خلق إئتلاف كبير لدول أفريقية تؤيد مبادرته بالحكم الذاتي من داخل الإتحاد الأفريقي، و محاولة إجراء تغيير في نظرة الإتحاد الأفريقي للنزاع، الذي تدور حول تقرير المصير، وهي نفس الرؤية التي يتقاسمها مع الجمعية العامة للأمم المتحدة، واللجنة الرابعة، لجعلها مرتبطة بالأمن والسلم الأفريقيين، ليطابق ويتلائم مع  نظرة مجلس الأمن، الذي ينظر إلى النزاع في كونه مرتبط بالسلم والأمن العالميين.

وفي مقابل هذا الطموح المغربي، فإن الجزائر و جنوب أفريقيا يدركان طبيعة ضعف البدايات بشكل عام، بما فيه بداية العودة المغربية للإتحاد الأفريقي، الذي يفترض فيه أنه يفتقد ولا يمتلك بعد القوة، والنجاعة داخل أجهزة الإتحاد الأفريقي، ويريدان إستغلال هذه المرحلة، لممارسة ضغط شديد على المغرب، في محاولة لصده عن إللحاق بهدفه الأساسي بولوج الأجهزة التقريرية للإتحاد الأفريقي، قبل تحويل عودته فعالة وقادرة لإجراء تغيير في عقيدة أعضاء الإتحاد لصالحه، وتغيير قناعة مجموعة من الدول الأفريقية ضد البوليساريو والغاء او تعديل بنيانا من القرارات المناوئة لخقوقه ووحدته الترابيك.

وهذا التناقض البين في الإرادات بين المغرب والجزائر، واللذان جعلا الساحة الأفريقية مجالا لمعارك سياسية واقتصادية، و الحجر الأساس والمحوري ووقودها، يختزله نزاع الصحراء. و هذا التضاد الشديد،  سيؤجل في انعقاد إختصاص الإتحاد الأفريقي في النزاع، وفي إستعادة الولاية، تبعا لأفريقية النزاع رغم سابق تعبير الرئيس الغيني الفاكوندي ، بعد إنتخابه في قمة أديس أبابا في نهاية شهر يناير من السنة الماضية 2016، عن هذه الأمنية بتصريحه، خلال حوار تلفزيوني مع قناة دبي، في برنامج “قابل للنقاش”. وهو ما أكده وزير الخارجية الروسي أندري لا فروف أثناء لقائه بوزير الخارجية الموريتاني خلال زيارته الأخيرة لموريتانيا في 7 نونبر 2017.

ويتناقض الاتحاد الأفريقي بين نواياه المعبر عنها رسميا في الدورة العادية الثلاثين لمؤتمر الاتحاد الأفريقي المنعقدة بأديس أبابا  في 28 و 29 يناير 2018  بمقتضى القرار في فقرته 119 عن دعمه للعملية السياسية برعاية الأمم المتحدة ولجهود المبعوث الشخصي للأمين العام، ودعوته لإعادة إطلاق عملية التفاوض بين أطراف النزاع بهدف التوصل إلى حل سياسي- وبين سعيه الحثيث من أجل العودة الى الاستثئثار بمسك الملف او على الأقل لعب دور أكبر ومؤثر فيه.
غير أن الأمم المتحدة وخاصة الأمانة العامة ومجلس الأمن ينظران الى الاتحاد الأفريقي كعامل مساعد فقط لدفع الأطراف للتعاون معها وزحزحتها عن مواقفها المتصلبة وتحقيق تقدم في الملف فقط، ولا تنظر بعين الرضاء والقبول لنزع الملف منها، وهي احدى الخلفيات التي تحكمت في زيارة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للمنطقة قبيل انطلاق اشغال قمة الاتحاد الأفريقي 31 بنواكشوط في موريتانيا، وتتطابق الأمم المتحدة مع المغرب في هذا الرأي.

ومهما كانت أماني وقرارات الاتحاد الأفريقي كبيرة في انهاء النزاعات في القارة بحلول 2020، فان نجاعتها تكمن في قدرة الأفارقة على ابتكار حلول تلقى وتوافق الأطراف، وقبله قبول هذه الأطراف بهذا التدخل غير الخاصل . ومهما بلغ حجم مبررات الاتحاد الأفريقي للعودة فان مبدأ الشرعية يقتضي منه احترام الولاية المنعقدة للأمم المتحدة وبسعي منه، لأن هذا التدخل سيهدم لا محالة مسار طويل من العمل قطعته وراكمته الأمم المتحدة، ويشوش عليه، وينهار التقدم الحاصل حتى الآن في وقف اطلاق النار في ظل اطار مقنن حول رؤية الحل وسبيل سياسيين يجب ان يطبعهما مبدأ الواقعية والعملية،  مادام الاتحاد الأفريقي يحاول ارجاع عقارب الساعة الى الوراء والرجوع الى حيث فشلت الأمم المتحدة.

محامي بمكناس
خبير في القانون الدولي_الهجرة ونزاع الصحراء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى