“القانون منطق خالي من العاطفة”

شكل “حراك الريف” مناسبة لإعادة تقييم بعض السياسات العمومية وترتيب المسؤوليات على القائمين عليها من جهة، كما كشف الغطاء على وجود جهات تتربص بالأحداث للركوب عليها وتوجيهها لخدمة أجندات خفية من خلال تأجيج الأوضاع وخلق الاضطرابات وعرقلة كل مقترحات الحلول والدفع ب”الحراك” إلى طريق مسدود، بل وعمدت هذه الجهات إلى ارتكاب أعمال إجرامية عمدية يعاقب عليها القانون، ووثقتها عدسات الكاميرات، في حين كشفت المعطيات ومجريات الأحداث عن وجود تواطؤ ومؤامرات خفية ضد استقرار الوطن وسلامة المواطنين. وقد انتهى مسلسل “حراك الريف” بترتيب الدولة عبر مؤسساتها للمسؤوليات من خلال إعفاء الوزراء ممن ثبت تورطهم في إهمال أو تعطيل المشاريع التنموية بمنطقة الريف، و إعادة برمجة مشاريع أخرى وفق مخطط زمني استعجالي، مؤكدة على التزامها بمنطق ربط المسؤولية بالمحاسبة ومشددة على ضرورة تحقيق التزاماتها اتجاه المواطنين بكافة ربوع المملكة، وفي نفس الوقت تم تطبيق القانون في حق الخارجين عنه، والذين اتخذوا من “الحراك” مطية لتحقيق مآربهم الشخصية، وخدمة لأجندات خفية تهدف إلى زعزعة استقرار البلاد والمساس بأمن العباد، فأصدرت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء أحكاما قضائية في حق المتابعين بارتكاب أعمال إجرامية بكل حياد واستقلالية.
وعلى عكس المجهودات الكبيرة المتخذة من طرف الدولة والتي لم تحضى بتغطية إعلامية كبيرة، أو أي تثمين لمجهوداتها، فقد خلفت الأحكام القضائية ردود أفعال متفاوتة، تراوحت بين مؤيد لها يرى فيها إنصافا للوطن والضحايا وتنفيذا للقانون، وآخر أخذته العاطفة واعتبرها أحكاما قاسية في إطار انحياز غير موضوعي رافقته حملة شعواء تهدف إلى التأثير في الرأي العام والضغط على القضاء من أجل توجيه أحكامه، وهي الحملات التي ألفها المغاربة منذ بداية “الحراك”، والتي تقودها جهات معروفة تخدم أجندات محددة وتعمل وفق أسلوب انتقائي، يختار من المواضيع والأحداث كل ما من شأنه إضعاف مؤسسات الدولة أو تشويه سمعتها وطنيا ودوليا، وعرقلة مسارها التنموي، مستغلين في ذلك طيبة المغاربة وتغليبهم للعاطفة في التفاعل مع الأحداث.
هذه الحملة واكبها استغلال واضح لمواقع التواصل الاجتماعي لمحاولة فرض منطق العاطفة على منطق القانون، واعتبار أن الأحكام الصادرة في حق المتابعين على هامش “حراك الريف” هي أحكام قاسية، في تغييب تام للمعطيات وتجاهل مقصود أو غير مقصود لمنطق الوقائع الذي أكد بالملموس وجود أعمال إجرامية تمس بسلامة الأفراد ويعاقب عليها القانون صراحة، ويتساوى أمامها أبناء المغرب من شماله إلى جنوبه، دون منطق تفضيلي أو تمييز عرقي أو لغوي أو جغرافي، فالجميع متساوون أمام القانون، وإنفاذه يتم بنفس الطريقة في مختلف ربوع المملكة، علما أن الأحكام التي صدرت ابتدائيا في حق المتابعين تعتبر بسيطة بالنظر إلى حجم الخسائر والأعمال الإجرامية التي ارتكبوها والتي أدى بعضها إلى إلحاق أضرار جسيمة بالضحايا منها عاهات مستديمة، وتهديد حقيقي لاستقرار الوطن وأمنه الداخلي.
يقول أرسطو: إن “اﻟﻘﺎﻧﻮن ﻣﻨﻄﻖ ﺧﺎل ﻣﻦ اﻟﻌﺎﻃﻔﺔ”، وهو ﻛﻼم ﺳﺪﻳﺪ ﻳﺆﺳﺲ ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ ﻣﻘﻮﻣﺎت اﻟﻔﻜﺮ اﻟﻘﻮﻳﻢ، ﻓﺎﻟﻌﺎﻃﻔﺔ ﺗﻘﺘﻞ اﻟﻘﺎﻧﻮن، وﻻ ﺗﻘﻴﻢ ﻟﻪ وزﻧﺎ، ﻣﻬﻤﺎ ﻋﻼ ﺷﻜﻠﻪ وﻣﻀﻤﻮﻧﻪ، كما أن اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن ﻳﺼﻨﻊ اﻟﻌﺎﻃﻔﺔ وﻳﺠﻌﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺗﺸﺮﻳﻌﺎ ﻳﻘﺎس ﻋﻠﻴﻪ ويلغي القانون، فيصدر أحكاما معيبة وغير موضوعية بسبب التأثر بالعاطفة وتغييب العقل، لكن الصواب هو تحكيم العقل، والأخذ بالوقائع كما أثبتتها الأدلة والبراهين، وإنفاذ القانون يعتبر الضامن الوحيد لحماية حقوق الضحايا وتوفير العيش الكريم في ظل مساواة بين كافة الأفراد بدون تمييز.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. بناء على الافعال الجرمية المقترفة وبناء على فصول فانون المسطرة الجنائية اصدرت هيئة محكمة الجنايات وهي تبث في الجرائم المقترفة .هذه الاحكام ليست من صنع الهيئة القضائية وليس من حقها ان تكيفها او تطبق خلافا لها لان القاضي محكوم بتنفيد نصوص قانونية كل فصل حسب الجنحة المقترفة
    الافعال الجرمية التي ارتكبت بالريف في حق القوات العمومية وتعنيفها ورجمها بالحجارة واضرام النار بعرباتها وحافلاتها وفي مقرات عملها واقتحام مسجد واهانة امامها بخطبة الجمعة والخسائر المادية التي عصفت باقتصاد الاقليم …………اذا كنت قاضيا ما هي الفصول التي ستطبقها في حق مرتكبي هذه الافعال .افعال يندى لها الجبين فالعاطفة و القانون متناقضان والتسامح في مثل هذه المواقف التي تتطلب الحزم والصرامة يمكن ان يعصف بامن البلاد واستقرارها .وعندما تقترن الاحتجاجات بالفوضى يتبعها الاجرام
    الامن والاستقرار نــعـــم وتاج فوق رؤوس كل الدول لا يراه الا الدول التي يعيش اهلها القلاقل والاضطرابات و “يتمنى موقدوها لو خمدت “…………
    هيئة القضاء لم تظلم احدا ويقول المثل الشعبي ” اللي دار الذنب يستاهل لعقوبة ” ” ما ديرش ما تخافش” والله المخزن الى عاطي التيساع والوقار للمواطن و “بعض”المجرمين بغاو لفلوس كــتــــــيرا بلا ما يخدموا كيستغلو الحقوق باش اكريسيو وانفدو الجرائم واقتلو وروعوا المواطنين واسلبوهم ممتلكاتهوم والامن والقضاء لهم بالمرصاد وما نشاهده اليوم في الشارع العام من جرائم مروعة بفاس والقنيطرة وطنجة والدار البيضاء وسلا وبني ملال يستحق مرتكبوها الاعدام .
    اللهم ادم علينا نعم الامن والاستقرار وجنبنا الفتن والقلاقل واعن اللهم ملكنا واحفظه واعن اللهم القوات الساهرة على استتباب هذه ” النعم “

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى