العنف على الخريطة العربية، إلى أين يتجه ؟

-1-

العنف في العالم العربي، أصبح كالماء والهواء، مألوف في حياتنا السياسية / في حياتنا الاجتماعية / وفي حياتنا الدينية. أين ما أدرت وجهك، فثمة عنف يلاحقك. في المدرسة وفي الشارع، وفي الأسواق، كما في السلطة ومكاتبها وإدارتها العمومية. ذلك لان العنف وكما حال العدوانية والصراع السياسي / الطائفي / الإيديولوجي، أصبح يشكل امتدادا في عمق الفعل العربي مشرقا ومغربا، وهو كنزعة هدامة أصبحت تهدد الخريطة العربية بالاحتراق، إن لم نقل بالفناء.

بعد مرحلة طويلة من التاريخ، كانت هذه الخريطة مطبوعة بالقمع والإقصاء والتهميش والصراعات الساخنة بين السلطة والمعارضة، بين الحركات الوطنية والحركات الاستعمارية، تطل عليها مرحلة جديدة مطبوعة بكل أشكال العنف، من العنف المدرسي إلى العنف السياسي، ومن العنف الطائفي إلى العنف الإيديولوجي، ومن العنف الاجتماعي إلى العنف الديني، وهو ما حول هذه الخريطة، إلى صورة مشوهة / صورة لا تطاق.

الدولة العربية الحديثة، شيدت نفسها ورصت بنيانها على تضاريس هذه الخريطة بالعنف والاستبداد / بالقمع الدموي / بالتسلط السياسي والديني…ضدا في طموح شعوبها / ضدا في مبادئ حقوق الإنسان ودولة الحق والقانون / ضدا في كرامة الإنسان. مشاهد هذه الحقيقة ما زالت تطل علينا من كل تضاريس هذه الخريطة، وأبطال العنف الأسود ما زالت صورهم حاضرة في أذهاننا ساطعة لامعة في عقولنا.

الدولة العربية الحديثة، قامت على احتكار آليات العنف / هي التي تملك الأسلحة / هي التي تشيد وتدير الشجون / هي التي تقضي بالإعدام وتنفذه في معارضيها / هي التي تملك الرأسمال البشري والمالي والصناعي / المادي والمعنوي، وهي التي تديره وتوزعه.

-2-

يرى العديد من الباحثين والمؤرخين والمعلقين السياسيين في جهات عديدة من العالم الراهن، يعتبرون أن الهجوم المرعب على مبنى مركز التجارة العالمي في 11 شتنبر 2001 فجر إشكالية العنف والإرهاب على تضاريس الخريطة العربية، التي أصبحت بعد هذا الحدث مباشرة، خريطة “جهنمية” ذات ارتباطات متعددة بالخريطة الدولية.

إن إشكالية العنف على الأرض العربية، أخذت تتطور بسرعة فائقة، بعد أن ظهرت ” جماعات الجهاد” و”داعش” ومن قبلهما “جماعة القاعدة” و”جماعات التكفيريين والجهاديين” إضافة إلى الإرهاب الإسرائيلي الذي يضرب بعنف ويدمر بعنف ويغتال بعنف الإنسان الفلسطيني، والإنسان العربي على العموم . وبصورة خاصة بعد القضاء على أنظمة وظهور أخرى، بعد أحداث الربيع العربي، وبعد دخول الدول المسلحة الكبرى على خط التغيرات المحدثة على الخريطة العربية، التي جاءت لتغذية هذه الإشكالية لما تملكه من أسلحة تدميرية ومعلومات واتصالات الكترونية، أعطت إشكالية العنف مشروعيتها القصوى على هذه الخريطة.

إن العنف اليوم في العالم العربي، تطرح علينا وعلى العالم من حولنا مئات الأسئلة، لما لهذه الحالة من إشكاليات وتمظهرات واتجاهات وأهداف ومستويات من الصعب الوقوف عندها أو قراءتها. بعد أحداث الربيع العربي، وبعد دخول الدول المسلحة الكبرى على خط التغيرات المحدثة على الخريطة العربية، التي جاءت لتغذية هذه الإشكالية بما تملكه من أسلحة تدميرية ومعلومات واتصالات الكترونية، أعطت لإشكالية العنف مشروعيتها القصوى على هذه الخريطة.

إن مشاهد العنف في الحياة العربية اليوم، (بعد الحادي عشر شتنبر 2001) بقدر ما تتجه إلى المستقبل المجهول، إذ لا يدري أحد منا إلى أين تتجه الصراعات العنيفة على الأرض العربية، تتجه هذه المشاهد إلى صراع مستقبلي عنيف بين الحضارات والثقافات / بين المكونات الاثنية التي تتشكل منها مجتمعاتنا العربية، وهو ما يعطي لحالة العنف، مشهدا شاملا من الصعب قراءته أو تفكيكه وإعادة تركيبه.

-3-

كيف لنا أن نفسر الدماء التي تسيل يوميا بغزارة في سوريا والعراق واليمن ومصر ولبنان وليبيا وتونس وفلسطين والجزائر، وفي دول الخليج العربي؟ كيف نفسر هذه الموجة الهوجاء من الجماعات المتطرفة والطوائف والحكومات والأحزاب التي تحترف القتل والخراب والعنف الجهنمي باسم الإسلام السياسي أو باسم السلطة، والتي تجاهد في المسلمين خارج كل المقاييس ؟.

من أغرب الوقائع التي تعرفها الخريطة العربية اليوم، في مشرقها ومغربها، أن كل النخب الثقافية والسياسية، وحتى المتطرفة منها، تدعي رفضها للعنف في جميع صوره وأنماطه، وبعضها يؤكد أن العنف سلوك مناف للمفاهيم السياسية وللقيم الدينية وللمبادئ الإيديولوجية الصحيحة ولجوهر الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان، ولكن غالبية هذه النخب تستعمل العنف كمصدر للمشروعية لتمكين الإنسان العربي من حقوقه وواجباته !!؟؟.

السؤال الذي يطرح نفسه اليوم بقوة على الخريطة العربية : كيف يمكن إحداث التغيير؟ كيف يتم القضاء على هذا العنف وبأي سلاح…؟ والى أي حد يستطيع العالم العربي القضاء على القهر المادي والمعنوي / السياسي والديني الذي تمارسه طوائف الجهاديين والتكفيريين وأحزاب الإسلام السياسي ، والسلطات الإرهابية…؟

من يستطيع الإجابة عن هذا في عالم اليوم ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى