اتقــــــــوا الله في منظــــومتكم التـــــعليمية

يـــــبدو أن تلك النظرة التي كانت توحي بالتقدير والتبجيل السائدة منذ الأزل في حق رجل التعليم بصفته صاحب رسالة مقدسة وشريفة، وفاعل أساسي في حفظ النظام التعليمي وانضباطهووسيطاً لتحقيق سلوك اجتماعي إيجابي لدى متعلميه قوامه الحس بالمسؤولية، بحيث لا يتأتى ذلك من خلال الأوامر والتسلط بل من خلال إشاعة الجو الديمقراطي الهادف لرعاية تلامذته وتشجيعهم لأخذ المبادرات، (يبدو) أنها تغيّرت وبات يُنظر لرجل التعليم نظرة استهزاء و”تنكيث” وصلت إلى حد التطاول على شخصه بالضرب والرفس والتنكيل، جعل وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، تسابق الزمن وتعطي توجيهاتها إلى الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والمديريات الإقليمية، من أجل تنصيب نفسها طرفا مدنيا، وفقا للقوانين الجاري بها العمل، في الدعاوى ضد كل من تسبب في إلحاق ضرر بنساء ورجال التعليم أثناء القيام بمهامهم، دفاعا عن حرمة المنظومة التربوية.

فبعد أن كان هذا الفاعل الأساسي في المنظومة التعليمية يقوم بدوره الريادي في ضبط ظواهر شغب ومخالفات للقوانين والتعليمات وخرق القوانين الأساسية للمؤسسات التعليمية، صار هو نفسه في نيران مدفعية الاعتداءات الجسدية والنفسية وغيرها…ليبقى السؤال مطروحا من أوصل منظومتنا التعليمية إلى هذا الحضيض؟

إنانتشار الفيديوهات التي توثق لعمليات تنكيل وضرب ورفس داخل الفصول الدراسية كأمكنة مقدسة كان من المفروض أن تكون فضاء للعلم وتبادل الخبرات وصقل المعارف، (إن انتشار) قد فضح المسكوت عنه داخل مؤسساتنا التعليمية، مما يتطلب وقفة رجل واحد لوضع حد لهذا الخلل الذي بات يهدد منظومتنا التعليمية بالفشل، ويورقبال جميع الفرقاء والشركاء والفاعلين في الحقل التربوي، نتيجة تفشيه المخيف مما أثر سلبا على مستقبل المنظومة ككل، وجعل المغرب يأخذ مكانته في أسفل سلم الترتيب العالمي، فلاغرابة أن تتوالى الأحداث اتباعا ومن قبيل الصدفة، بدءا بقبلة مكناس ومرورا باعتداء ورززات وانتهاء ب”شرملة” أستاذة البيضاء في خضم موجة الاستنكار والاحتجاج المزمع تنظيمها من قبل فعاليات نقابية وجمعوية وصلت إلى حد تنظيم مسيرة الغضب يوم الأحد المقبل تحت شعار “مسيرة الوحدة من أجل كرامة الأسرة التعليمية”، تنديدا بالاعتداءات الجديدة التي طالت أساتذة في برشيد والبيضاء وفاس…فلا غرابة أن تتحول العلاقة الأبوية التربوية التي تربط رجل التعليم بتلامذته إلى علاقة يسودها العنف بكافة أشكاله من سحل ورفس وضرب وتنكيل في أبشع صوره، كيف يمكن أن يصبح غدا التعليم قاطرة للتنمية، وهو يعيش اليوم أبشع صوره؟

كيف تحولت العديد من مؤسساتنا التعليمية إلى فضاء للرعب ومرتعا لشتى أنواع المخدرات والمظاهر المشينة؟ أين غاب دور الأسرة والمجتمع والمدرسة في تهذيب النفوس وترسيخ القيم؟ وهل يمكن لرجل التعليم أن يسترجع مكانته العلمية وهبته ووقاره داخل المجتمع؟

أستاذ تاه وراء إرضاء النفوس خوفا من لكمات تلامذته، واقتطاعات اضراباته إذا ما احتج وخرج للمطالبة بحقوقه المشروعة، حتى صار عبدا لــــــــ”أجرته الشهرية ينتظرها بشغف”…اتقوا الله في منظومتنا التعليمية.. وأعيدوا للمدرسة العمومية بريقها وكرامتها وأهدافها النبيلة، وللعاملين بها هيبتهم ووقارهم، ولتلامذتها قيمهم الأخلاقية وغرس روح التسامح وحب الوطن..

لماذا تحوّلت الدروس الخصوصية إلى ما يشبه المقاولات، همّ مهندسوها كسب المال، ومنهم من بات يدخر مجهوداته -التي كان من الضروري أن يبدلها بالمؤسسات التعليمية العمومية-، لماذا بات العديد من مقتنصي الفرص يتفننون من خلال إشعار تلامذتهم في أول السنة بصعوبات اجتياز امتحان البكالوريا، وحثهم على ضرورة الاستعانة بدروس إضافية لمواكبة البرنامج السنوي، ومنهم من يعتمد خلال الحصة على تقديم تمارين جد صعبة قصد تعجيز التلاميذ، مما يخلق لدى المتعلمين نوع من الحاجة الملحة إلى دروس خصوصية، وهذه الطريقة غالبا ما يصاحبها عند بعض الأساتذة سامحهم الله، نوع من الإلزام والتهديد والوعيد للتلاميذ، وتذكيرهم بأن مصير الرافضين هو الرسوب في امتحان آخر السنة، غير آبهين لظروف أسر هؤلاء الاجتماعية والاقتصادية، وهناك بعض الأساتذة يستعملون طريقة ذكية لاستقطاب تلامذتهم، حيث يحدثونهم عن المدارس العليا وبعض الجامعات التي لا تقبل الراغبين في ولوجها غير الحاصلين على معدلات عالية، بغية استدراجهم للانخراط في عملية الدروس الخصوصية لضمان معدلات مرتفعة.

لكي نكون منصفين ونعطي لكل ذي حق حقه…يبقى بعض الأساتذة الشرفاء النزهاء (بالرغم من ظروفهم المادية القاسية) يحاولون إرجاع الثقة للمدرسة المغربية العمومية عن طريق محاربة هذه الظاهرة الغريبة فتجدهم يقدمون دروسا في التقوية والدعم بالمجان هدفهم النبيل هو قطع الطريق أمام تجار المعرفة من المضاربين والمتاجرين في الحقل التربوي، لإشاعة روح التطوع والمبادرات الفردية… اتقوا الله في منظومتكم التعليمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى