
العالم الآخر
بقلم نورالدين زاوش
عضو الأمانة العامة لحزب النهضة والفضيلة
أغلب بلدان العالم تعرضت للاحتلال الأجنبي؛ لكن واحدة منها فقط شارك في مقاومة الاحتلال فيها الصخرة المقدسة، والشجرة المقاوِمة، وطائر اللقلاق المجاهد الذي أرسلت إليه فرنسا سبع دوريات عسكرية من أجل إلحاقه بالمعتقل حيث يقبع باقي المجاهدين.
أغلب بلدان العالم تتعرض لحرائق الغابات؛ لكن واحدة منها فقط من تشتعل فيها الحرائق في فصول البرد والقرِّ، وحينما تقوم السلطات المختصة لإطفائها، فإنها تلقي عليها براميل النفط والغاز من الطائرات المتخصصة في رشِّ المبيدات، لعدم توفرها على طائرات الكَنْدر.
أغلب بلدان العالم تتوفر على ميزات تميزها عن غيرها؛ إلا واحدة تتميز، في نفس الوقت، بجميع الخصائل والميزات، وحباها الله تعالى، دون غيرها، بجميع الفضائل والمكرُمات، حسب زعمها؛ فهي من درَّست العالم الديمقراطية، وعلَّمت المشارقة اللغة العربية، ونشرت الإسلام في أوروبا، وعلَّمت فرنسا الرياضيات والفيزياء، وعلمت أمريكا صناعة الأساطيل البحرية؛ بل إن دستور هذه الأخيرة صيغ من منطلق الخوف منها.
في كل دول العالم، يهتم بالتاريخ المؤرخون، وبالرياضة الرياضيون، وبالسياسة السياسيون، وكلُّ فنٍّ له أهله واختصاصه؛ إلا في بلد واحد لا شريك له؛ فإن البيطري يشتغل مؤرخا ويلقي كلمة في الأمم المتحدة عن التاريخ، والرياضي يمتهن السياسة، ووزير الداخلية يدلي ببيانات تخص العلاقات الخارجية، ووزير الاتصال يقرر في الاقتصاد، ومؤثر في مواقع التواصل الاجتماعي يصير مدير أكبر مطار، وعشيق بنت الرئيس يصبح مستشار الجمهورية، واللائحة تطول.
في كل دول العالم، تحتاج المؤسسات الإعلامية إلى صحافيين ومراسلين وموظفين يتتبعون الأخبار، ويتقصون الشائعات من الحقائق؛ إلا في بلد القوة الضاربة؛ لأنها بكل بساطة من تنتج الأخبار الزائفة، وتلفق الإشاعات المغرضة، وفي كثير من الأحيان، تكون هذه الأخبار غير قابلة للاستيعاب فضلا عن التصديق؛ الأمر الذي أنتج، عن قصد ووعي من النظام، شعبا فاقدا للعقل والمنطق والأخلاق.
في العالم أجمع، دولة واحدة فقط من تستعمل الذكاء الاصطناعي في صياغة بيانات وزارة خارجيتها، بينما شعبُها، في الداخل، يكتري الأضحية ليأخذ معها صورا تذكارية ويرجعها لصاحبها في منتصف الليل، أما في الخارج، فهو يسرق البجع والطواويس من المنتزهات العامة؛ والعجيب في الأمر، أنه لا يفعل ذلك من أجل الزينة وأخذ الصور التذكارية؛ بل من أجل الأكل.
تعلم يقينا أن هذا البلد قد تمكَّن منه الداء حتى لم يعد يُرجى منه شفاء، حينما تجد فخامة رئيس الجمهورية، على جلال قدره ورِفعة مقامه، يستقبل في القصر الرئاسي فقيها يرتدي “جلاَّبة نسوية”؛ فقط لأن هِراَّ، أو ربما هِرّة، اعتلت كتفه الشريف وهو يصلي التراويح بالناس، فجلبت له ملايين المشاهدات عبر بثه المباشر على منصة “التيك توك”؛ لكن، إذا كان قد تبين للبيطري وأصحابه المؤرخين أن هذا البلد يوجد به مكة والمدينة الحقيقيتين، وبه بئر زمزم الأصلي، وكهف أصحاب الكهف، وجبل الطور الذي كلَّم الله تعالى عليه موسى عليه السلام، وغار ثور حيث نزل القرآن الكريم، فلا باس أن ينضاف إليهم الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه.
من قال إن السفر إلى الماضي ضرب من ضروب الخيال، ما عليه إلا أن يحط الرحال في هذا البلد الاستثناء، ليجد أن الزمن قد توقف منذ ستين عاما، فكل ما يوجد في البلد مِن بُنى تحتية وفنادق ومصانع وموانئ ومطارات وسكك حديدية كان من إنشاء الاحتلال، وللأسف الشديد، كل شيء قد اهترأ وأكله الصدأ، مما يفيد أن البلد في حاجة ماسة، أكثر من أي وقت مضى، لعودة الاحتلال من جديد.
صدقتَ أيها القارئ الكريم، فالأمر يتعلق بدولة الجزائر “العُظمى”، والدليل على “عظمتها” أنها لا تنتمي إلى العالم الثالث؛ بل إلى “العالم الآخر”، مثلما وصفها بذلك جلالة الملك محمد السادس، زاده الله حكمة وبصيرة، وحاشى أن يكون وصفُ جلالته عبثا، أو تجنِّيا، أو مبالغة، فهي دولة من “العالم الآخر” بما تحمله الكلمتان من معنى ودلالات، عالمٌ مواز من الخيال اللاّعلمي، حيث العقل والمنطق والأخلاق تتيه في دهاليزه من غير رِجعة.
هكذا سيبقى نعتُ جلالته مخلدا في التاريخ، ليذكره أبناء البيطري وأحفاده، إذا أصابتهم، لا قدَّر الله، نزلة برد من الصدق والعرفان في يومٍ من الأيام.
الغابات تحترق، لكن رمادها قد يكون بذورًا لثورة جديدة.
عندما تصبح الطبيعة صوتًا للمقاومة، فلا بد أن الطغاة فقدوا عقولهم.
الحديث عن إرسال سبع دوريات عسكرية لاعتقال طائر يعكس مدى الهوس بالقمع.
هناك من يخشى حتى صوت الطيور، لأنه يذكره بالحرية.
الوطن الذي تُحارب فيه الطبيعة لن يجد سلامًا أبدًا.
حين تصبح الطبيعة عدوًا للدولة، فاعلم أن الشعب ليس بخير.
الحكاية ليست عن الاحتلال فقط، بل عن خيانة الداخل ضد شعبه.
الشجرة المقاومة ترمز إلى الجذور العميقة للشعوب التي لا تنكسر.
استعمار الأرض قد ينتهي، لكن استعمار العقول أخطر وأطول مدى.
إذا كان الاحتلال يطارد حتى الطيور، فكيف سيكون حال البشر؟
حين يكون القمع شاملاً، تصبح كل أشكال الحياة مهددة.
عندما تتحول الطبيعة إلى متهم، فالنظام في مأزق.
الاحتلال الحقيقي هو احتلال النفوس بالخوف، وليس فقط احتلال الأرض.
المجد لكل صخرة وقفت في وجه المحتل، ولكل شجرة لم تنحنِ.
النظام العسكري الجزائري الإرهابي هو السبب الرئيسي وراء ما تعاني منه الجزائر .
حتى الأشجار والطيور تدفع ثمن الحرية في بعض البلدان.
تاريخ النضال لا يُكتب فقط بالبشر، بل بكل ما في الأرض من حياة.
رمزية الطائر المقاوم تكشف عن مدى التجذر في حب الأرض.
عندما يُتهم الطائر بالخيانة، فاعلم أن الاستبداد قد بلغ ذروته.
هذا النص يحمل في طياته اتهامات قوية لجهات تتعمد إلحاق الأذى بشعبها.
الطبيعة لا تخون، لكنها ترفض الظلم كما يرفضه الإنسان.
بدلًا من إطفاء النيران، يتم صب الزيت عليها، أي منطق هذا؟
مقاومة الاحتلال لا تعني فقط حمل السلاح، بل التمسك بالحياة رغم القمع.
الغابات تحترق، لكن إرادة الشعوب لا تحترق أبدًا.
الاحتلال قد يرحل، لكن الخيانة تبقى الجرح الأصعب.
لا صوت يعلو فوق صوت الحرية، حتى لو حاولوا قمعه بالنار.
ليس غريبًا أن تصبح الطبيعة عدوًا، فالحكام الفاسدون يعادون كل شيء نقي.
حين يصبح القمع عشوائيًا، يدرك الجميع أن النهاية قريبة.
المجازات المستخدمة تعبر عن تضحيات الشعب في مواجهة الاستعمار والاضطهاد.
الغابات تحترق، لكن رمادها قد يكون بذورًا لثورة جديدة.
حرق الغابات جزء من سياسة الأرض المحروقة، التي تهدف إلى محو كل أثر للحياة.
التاريخ لا يرحم من يحارب الطبيعة، كما لا يرحم من يخون وطنه.
كل مقاومة تُواجه بالقمع، وكل قمع يولد مقاومة أقوى.
تاريخ النضال حافل بقصص تفوق الخيال لكنها للأسف واقع مؤلم.
حرق الغابات ليس مجرد تخريب، بل هو إعلان حرب على الحياة نفسها.
الشجرة والطائر والصخرة، ثلاثية المقاومة التي لا تموت.
من لا يستطيع إخماد حرائق الظلم، لن يتمكن من إطفاء نيران الغابات.
من يعتقد أنه قادر على قهر الطبيعة، سيجد نفسه مهزومًا أمامها.
الاحتلال لا يقتصر على الجيوش، بل يمتد إلى محاولات طمس الهوية والتاريخ.
من يقاتل الشجر والحجر والطير، لا بد أنه يخشى المستقبل.
لماذا تصر بعض الأنظمة على معاقبة الطبيعة كما تعاقب الإنسان؟
إذا كانت الشجرة تُعتبر تهديدًا، فما بالك بالإنسان؟
التاريخ يعيد نفسه لكن بأشكال أكثر مأساوية.
الحكام الذين يحرقون الغابات، هم أنفسهم من يحرقون أوطانهم.
حرق الغابات في الشتاء مشهد عبثي يعكس عقلية لا تؤمن بالحياة.
هذه الأرض ستنبت من جديد، لأن جذور الحق لا تموت.
بعض الحكومات تعامل الطبيعة كما تعامل الإنسان، بلا رحمة ولا منطق.
حين تعجز السياسة عن قتل الأمل، تلجأ إلى إحراق كل شيء جميل.
في بعض البلدان، حتى الحجر يُتهم بالتآمر ضد الدولة.
في بعض الدول، يصبح كل شيء يشبه الحرية هدفًا للقمع.
الطبيعة جزء من الهوية الوطنية، ومن يحاول تدميرها، يحاول محو الشعب.
أخشى أن يأتي يوم يُحاكم فيه المطر لأنه سقى أرضًا محرومة من الحياة.
عندما تصبح الطبيعة صوتًا للمقاومة، فلا بد أن الطغاة فقدوا عقولهم.
حتى الطبيعة لم تسلم من التصنيفات السياسية.
الحكاية أكبر من الاحتلال، إنها قصة صراع بين الحياة والموت.
الطبيعة دومًا في صف الشعوب الحرة، لأنها لا تعرف الاستعباد.
الشعوب تموت عندما تفقد الأمل، وليس عندما تُحاصر بالنيران.
المقاومة ليست فعلًا بشريًا فقط، بل هي قانون طبيعي.
في بعض البلدان، حتى الطيور تصنف كمعارضة سياسية.
الحرية تُطلب ولا تُمنح، لذلك يخشاها المستبدون.
كل شجرة تقاوم، وكل طائر يحلق، هو رمز لاستمرار النضال.
إذا كانت الأشجار والطيور أعداء، فمن هم الأصدقاء إذن؟
إذا كان الطير مقاومًا، فلا عجب أن يكون الشعب ثائرًا.
الصخرة والشجرة والطائر كلها رموز لصمود شعب لم يتخلَّ عن قضيته العادلة.
احتلال الفكر أسوأ من احتلال الأرض، لأنه يستمر لأجيال.