close button

هل انتصرت التفاهة على الكتابة؟

هبة بريس – الرباط

لمن نكتب؟ ولماذا نكتب؟ أسئلة مُحيرة، بالكاد تجد جوابا شافيا كافيا لها في زمن الصورة والنقل المباشر وكاميرات الهواتف لصناع التفاهة..

كثيرا هُم أصحاب القلم وما يسطرون، ممن توقفوا عن الكتابة وعن التفكير والتحليل والنقاش الهادف أملا في انقشاع السُحب الغائمة عن سماء الكلمة والمعنى والدلالات اللغوية ” الله يجيب من يفهمنا..وما يعطينا والو..” على لسان حال ناس زمان..

زمان واش من زمان هذا..

أملاً وإلى أن يعود للقلم كلمته وللقارئ حريته في اختيار المواضيع بعيدا عن صخب الصوت والصورة والمشاهد المخلة بالآداب والقيم والأخلاق لأناس تفننوا وأبدعوا طرقا وحيلا لاستمالة المشاهدات ولو على حسب الشرف، يبقى الأمل قائما أن يعود للقلم هيبته..

كثيرا هُم أساتذتنا الأجلاء ممن رفعوا القلم عاليا ليسطروا ملحمات خالدة في تفكيك المعادلات وصياغة المقالات، حينها كان لهم جمهور واسع من المثقفين أو من غير هؤلاء، كانوا لهم سندا وعونا وتشجيعا وهم يتصفحون كتاباتهم يداعبون سجائرهم وأدخنتها تتمايل على نغمات الموسيقى الهادئة داخل مقهى درب أو حي..
منهم من يرتشف فنجان قهوته الساخنة المفضلة متصفحا مقالات، وتحليلات عميقة لكُتَّاب رأي يُقام لهم ولا يُقعد، لهم باع طويل ومكانة لدى النخبة المثقفة، كان المرء يجد في ذلك ضالته مع الخبر اليقين الذي يطبع كاتبه طابع التريث والرزانة والبعد التبصري والتكوين العلمي بلغة سليمة…

اييه زمان.. واش من زمان
ذهبت معه الكتابات، وجِيء بصُناع التفاهة، وأركبهم بعض المسؤولين ممن ”يخافون الفضيحة والكرش المملوءة بالعجيبة”، أركبوهم على خيول بدون سُروج ظنا منهم أنهم أصبحوا فرسان آخر زمان، فملؤوا الميدان، وقدَّموا أنفسهم بأنهم أصحاب الأرض والمكان، والمتحكمين في عقارب الزمان…

زمان واش من زمان هذا..
ذهبت معه الكِتابات والتحليلات، ومُلئت الساحات بملتقطي الصورة والفيديو وصناع التفاهة، ممن وجدوا مساحات واسعة لحرية التحرك داخل دواليب مواقع التواصل الإجتماعي، فأكسبوا لأنفسهم مقاما مؤقتا، وأُكْسبوا الشرعية وصاروا يجلسون على كراسي الشرف، ومنهم من بات يلعب دور المستشهر يروج لمنتوجات أو محلات أو شركات أو ماشابه ذلك، يؤثث المشهد بالندوات واللقاءات يزاحم ويتطاول.. متصدرين المواقع كمؤثرين صانعين للتفاهات بأموال زهيدة..

زمان واش من زمان هذا..

ارتفع فيه منسوب المشاهدات لمحتويات بائسة مقززة مخلة بالحياء، وتدنى منسوب الكتابة والتحليل والنقاش الهادف، ففقد القلم هيبته، والورقة قيمتها الاعتبارية داخل المجتمع….
والعيب كل العيب.. لمن أصبح رهينة في أيدي صناع التفاهة هؤلاء، ممن يخلقون بمواقفهم مواضيع تافهة وابتسامات مصطنعة بلا مضمون ولا معنى ولا قيمة، متسلحين بالكم الهائل لمتتبعيهم من بني جلدتهم الذين يعزفون على وثر الرداءة والسخافة ذاته ، همهم الوحيد والأوحد خلق” البوز الخاوي”، يتسولون، يتوسلون اللايكات والجيمات..

فهل انتصر التفاهة على الكتابة؟ أم أن زمن القلموما يسطرون قادم لامحالة..

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى