شكرا أمزازي..

 

من المهم جدا في هذه اللحظة، أن أسوق ملاحظة هامة حول تداول القرار الإداري الأخير الذي يغادر دائرة المسلمات، إنه بالتأكيد تعيين مدير جديد على رأس مديرية الموارد البشرية وتكوين الأطر.

وبطبيعة الحال، تعد هذه الخطوة ممارسة جديدة، وإبدال حقيقي في الانفتاح على طرق امتهان المهام والمسؤولية وعليه يتعين اليوم التركيز على هذه النقلة النوعية، لبناء حداثة إدارية مغايرة؛ مما يجعلنا نسلم بانقلاب في الرؤية والتصور اللذين يؤطران العمل داخل وزارة التربية الوطنية.

إن هذا الاختيار، يقودنا للإعلان عن الفرح القلبي، سيدي الوزير، لأنك حقيقة جعلت الحياة تدب من جديد في واحدة من أهم المديريات في قطاع التربية الوطنية إن لم نقل قطب رحاه ألا وهي مديرية الموارد البشرية وتكوين الأطر. ومما لا شك فيه، أن الإقدام على هذا السلوك يسمح لنا بالتفكير في اللامفكر فيه في هذا المبنى وهذه الدار، فيكفينا اليوم الإنصات لتعليقات المتتبعين والمتدخلين وأطر هذه الوزارة حول إنصاف رجال هذا القطاع. إنه بحق، تكريم للعمل الجاد وتثمين للمجهودات التي بذلت لسنوات طويلة في هذه المديرية.

إنها نقلة نوعية في تاريخ تدبير هذا القطب ساعدتنا على كسب احترام الفرقاء والمتدخلين في القطاع. من المؤكد، أن هذه النتائج جاءت نتيجة الاهتمام المتزايد بهذا القطاع، كما أن القرار بني على معرفة ودراية شاملة بالفلسفة التي أصبحت تحكم ملفات الموارد البشرية، وهو عمل اعتمد الإنصات لفعل الشمول في الممارسة الإدارية باعتبارها ممارسة نسقية، تتفاعل فيها العناصر الداخلية والخارجية، وبطرائق مختلفة تعيد بناء هذا المرفق، بالاعتماد على تجويد وتحسين الخدمات وتقريبها من المرتفقين.

إنني لا أريد أن ألعب هنا دور المحقق، لكنني أدافع عن وجهة نظر، كما أنني لا أتمثل طيمة فيلم “كوما ندوس” التي تمتهن النصيحة، بقدر ما أنحني تقديرا لهذا الإبداع في وزارتنا حتى نمشي سويا لصنع الأشياء العظيمة.

السيد الوزير إنني اليوم أخاطب فيكم الأكاديمي والمدبر المتمرس، ومن خلالكم طاقمكم الإداري المتتبع لتجليات الفعل الإداري على مستوى التراب الوطني، لأقول إن بين الممارسة الإدارية ونقدها خيطا رفيعا، كالذي يجمع بين الجمالية والايدولوجيا، إنهما حقلان واسعان لهما صفات عديدة تكاد تكون متشابهة، وإن كانت تظهر للعديد بأنها متناقضة، ومع ذلك، فإن ألم التعايش بينهما يجعل قاعدة الائتلاف والاختلاف أساس تجاذبهما وتقاطعهما.

إنه الجانب الأكثر خطورة لسيطرة أحدهما على الآخر، خصوصا عندما يضيق أفق التواصل والتواشج بينهما. مما لا شك فيه، أن الممارسة الإدارية، تظل دائما ذات معرفة مستمرة وإنسانية بامتياز، لأنها تستعير من الواقع تجلياته؛ الذي يعيد المدبر المبدع تجسيده وتمثيله على مقاسات جمالية تلبي حاجات مرتفقي القطاع، الهائل بموارده البشرية وتعبر عن طموحاتهم ورهاناتهم المتعددة.

هكذا، أدرك الباحثون في مجال التدبير الإداري، مدى تأثير التصورات التقليدية في تحليل السلوك الإداري الذي لا يرقى إلى اقتراح مفاهيم جديدة، لذلك بقيت الأنماط الإدارية التقليدانية مسيطرة بشكل ملفت للنظر، بعيدا عما يمكن تسميته بالفطرة البشرية؛ التي تعتمد في جوهرها على التحليل والاستدلال والتماس علائق المماثلة بين أشياء الكون والمحيط وكلما أغفل المدبر هذا المنطق، ستعتريه الحيرة عند نقل القول إلى الفعل وعند معالجة قضية أو أطروحة ما؛ لأن المنهجية العلمية تقتضي التحديد والتأطير وتحديد المنطلقات والأهداف التي يبتغيها السلوك التدبيري. وعليه، فالاستعانة بالجانب المعرفي ضرورة حتمية في كل لحظة لأن المدبر مهما أوتي من النباهة و حدة التفكير قد تفوته أسرار تركيب القرار الإداري ما لم يكن قد خبرها في عدة مجالات، فكيف له أن يسلم بالقوالب والأطر والمدونات.

إنه مزيج غريب من الآليات الميدانية الرائجة في هذا الحقل التدبيري الذي رافق مواردنا البشرية. تقودنا هذه الملاحظات،إلى الجزم بأن البحث عن الأطر ذات الكفاءة والخبرة، هو وحده القادر على تذليل الصعاب السالفة الذكر وإعطاء معنى لمفهوم المسؤولية مع الاحتراس من وصول من لفظتهم أزمة التدبير إلى موقع القرار.

نقول هذا لأنه لا بد من انتصار مجزوءة الأخلاق داخل المرفق الإداري لأن علم الاكسيولوجيا والأخلاق يمكننا من تمييز الوجود الإنساني عن وجود الأشياء ويسمح لنا بإنصاف الإدارة كذلك لأنه لا وجود لعدالة إدارية دون وجود طبيعة صانعة لهذه العدالة، وإلا ستنتفي كل الضوابط المحددة لأي عمل إداري.

لنوضح فورا أن هذا المعطى في الإدارة يفرض علينا توسيع مجال التحري والبحث والصبر لأن مهمة الإداريين اليوم تبدو مرعبة لأسباب معروفة وملزمون بالإجابة عن انتظارت المرتفقين (سنعود إلى هذا الموضوع في مقال خاص). إن اختيار ابن الدار لهذه المهمة يعد جرأة حقيقية وتثمينا لتاريخ طويل في مصاحبة الملفات في بعدها السانكروني والدياكروني بهذه المديرية.

إن تركيب هذا الترابط يسلمنا إلى تركيب الرؤيا، وهي التي ستصنع مسارا للمقاربة المنطقية والعلمية عبر التفاعلات بين كل المكونات داخل القطاع لكي تسير مترابطة وفق منطق داخلي وخارجي يجود العمل لا بشكل أحادي،وإنما في علاقته بالآخر. إن هذا المشهد سيحتفل بفرادته عبر الزمن الآتي، وعبر بناء معنى جديد لتوليد الطاقات وتركيب الترابط بين الوزارة والمتدخلين المعنيين، وهو تجانس يقوده التنافر والتآزر بين الحين والآخر، وفي مستويات عدة، حيث تتعدد العناصر ومدار الحركة النشيطة التي تجمع الوزارة بفرقائها، إنه عالم من النمو والتصور للمستقبل.

إن هذه الخطاطة من التحول والحركة التي تجمع الإدارة بمرتفقيها، يفرض على المدبر، أن يجد نوعا من التناغم بين المألوف والغريب من الأوراق والفرضيات والملفات، وبين تيه الدوال الذي تطمح الوزارة من خلاله بناء تجانسه في حركة دائمة الاتصال بين الإدارة والآخر، لا بتعميق تركيب التعارض وإنما باحتوائه واستثمار مخرجاته.

واضح أننا، أمام مشروع يحاول أن يجعل من تاريخ هذه الوزارة مادة علمية، فكيف يمكننا توظيف هذه الآلية في بعدها الزمكاني؟ مما لاشك فيه، أن تاريخنا هنا، هو تاريخ إنجازات ووقائع إدارية منها الجزئي والكلي، البسيط والمعقد، القريب والبعيد التحقق، ومن هنا، فالمهمة التي تواجه المدبر اليوم، هي كيف يمكن أن يبحث عن معيار دقيق لإبداع مفاهيم جديدة تساير العصر والمرحلة، وذلك بالارتكاز على نظريتي التدليل والتأويل، لا بحجة بلوغ الغاية، وإنما بحجة البحث عن المضمرات المتكافئة حتى يستقيم الدليل ويحقق غايته بالرغم مما قد يضمره من تعسف.

لذا نحتاج اليوم إلى سند إداري عام داخل هذا القطاع يفي بغرضنا جميعا، ويبسط الأدلة من خلال ثنائية الحق والواجب. من المؤكد، أن جسر التواصل في مديرية الموارد البشرية وتكوين الأطر، قد حقق إشعاعا لافتا، مكن الإدارة من بسط ثوابت مهمة للعمل مع جميع المتدخلين، كما أنه أتاح فرصة جديدة للتفكير وإعادة بناء آليات متعددة ومتنوعة، لتجويد خدمات هذه المديرية وتحسين أدائها في أفق جعل الحكامة توجهها الاستراتيجي.

إنها رحلة طويلة، آنستها المتعة والألم في إنتاج المعنى، وتجويد الخدمات الإدارية، يتوسطها عِقد توالدٍ يومي للعلاقة التي تجمع الشيخ بالمريد. ولا غرابة أن نحتفي جميعا بهده الالتفاتة لأننا لا نلهث وراء الشهرة المزيفة، بقدر ما نحتفل بهذه اللحظة ونُبلها في تكريم أبناء هذا القطاع.

وإذا تيَسر لنا أمر توضيح الأساس، الذي ارتكز عليه هذا الاختيار، سنقول بأنه اكتسب شرعيته من مبدأي الكفاءة والاستحقاق. ومما لاشك فيه، أن هذا المفهوم لم يتحقق بالمصادفة أو وفق التغيرات التي يعرفها القطاع بقدر ما هو تشكيل جديد لأشكال العقلانية في الممارسة الإدارية.

وكم نحتاج اليوم إلى استلهام التفكير المنطقي لاستكمال أوراش البناء في هذا القطاع؛ للإجابة على الأسئلة الجديدة التي يطرحها تدبير الموارد البشرية وأدوارها في إطار، توسيع آفاق الجهوية الموسعة واستكمال لبنة نقل الاختصاصات إلى الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، (سنعود لهذا لاحقا) مع التركيز على العمل الذي ينبغي أن يلعبه الرأسمال البشري، وفق أهداف الرؤية الاستراتيجية2015-2030.

بالطبع لا يمكن أن يتأتى لنا هذا دون تثمين عمل المديرية، مع التركيز على الجاذبية التي تخلقها أطرها، والمسارات الجديدة التي على الوزارة تدشينها ونخص بالدرجة الأولى مبدأي المصاحبة والتكوين لينسجم مع الخيارات الإستراتيجية والتنموية للآتي من السنوات، وفق منظور حداثي وتفاعلي بين المركز والجهات بغية تفعيل الدور الجديد لمدبري هذا القطاع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى