مأسسة الزكاة أفضل علاج جذري للمقاطعة

غالبية الشعب المغربي مقهور، قهرته ضغوط الحياة وتكاليف المعيشة. لكن الشعب المغربي صبور، ولولا صبره على تكاليف المعيشة المرتفعة، ولولا التضامن والتكافل والتعاون السائد بين فئاته لما أمكن لحياة كثير من الأسر والأفراد أن تتيسر.
ولذلك فالمقاطعة السلمية الأخيرة تترجم هاتين الحقيقتين: القهر والصبر. فمعظم الفئات والطبقات وخاصة الفئات الهشة والفقيرة وجزء كبير من الفئات المتوسطة اكتوت بنار غلاء واراتفاع تكاليف المعيشة، فضجت بأدب وبأسلوب حضاري رفيع للتعبير عن الضرر الذي لحق بها.
فما الحل إذن؟ 
الحل في مثل هذه الحالات ينحصر في تدبيرين لا ثالث لهما: إما نقص أسعار المواد والمنتجات، أو رفع القدرة الشرائية للفئات والطبقات المتضررة.
إن الإجراء الأول يبدو سهلا بل ومغريا، لكنه صعب جدا نظرا لكلفته وانعكاساته الاقتصادية والمالية والضريبية واهتزاز ثقة المستثمرين وخاصة الأجانب منهم.
أما الإجراء الثاني فهو أجدى اقتصاديا لكنه يتطلب تحقيق نسبة نمو تكون قادرة على امتصاص معدلات البطالة المرتفعة وتقوية القدرة الشرائية لفئات كبيرة من المواطنين.
ومما يساعد على هذا الإجراء الثاني: مأسسة الزكاة كي تؤدي دورها التعبدي والاجتماعي والاقتصادي كاملا.
إن الدولة المغربية بإمامة ملكها أمير المؤمنين، مكلفة بإقامة أركان الدين وهي تبذل جهودا مشهود بها في إقامة أربعة من هذه الأركان ويتجلى ذلك في: 
إقامة التوحيد في المساجد وفي مجال التعليم بصفة عامة والتعليم العتيق بصفة خاصة.
وإقامة الصلاة ببناء وتعهد المساجد وتعهد الأئمة والمؤذنين والمرشدين والكراسي العلمسة.
وإقامة صيام رمضان بالاستعداد له وترؤس أمير المؤمنين للدروس وقيام ليلة السابع والعشرين وصلاة العيد.
وإقامة الحج بتنظيم كل ما يتعلق بشئون الحجاج.
أما ركن الزكاة فلا يقام كما ينبغي رغم أهميته الفائقة تعبديا واجتماعيا واقتصاديا، ولعل هذه فرصة المقاطعة وتداعياتها مواتية للتذكير مرة أخرى بواجب الدولة المغربية المسلمة في إقامة هذا الركن. 
ولن اناقش الأمر هنا من الناحية الفقهية رغم أهميتها فلذلك مكانه وزمانه الخاص به، ولكني أتناوله في عجالة من ناحية الجدوى الاجتماعية والاقتصادية، وأضرب المثل بمردود وأثر زكاة الفطر وحدها في حالة مأسسة الزكاة.
فقد دأب المغاربة بشكل فردي على أداء زكاة الفطر، ولا شك في دورها التعبدي والتضامني، لكن لا يمكن قياس أثرها على المجتمع والاقتصاد بشكل علمي لعدم مأسستها والقدرة على إحصاء مداخيلها.
ولكن في سبيل مأسستها يمكن تقدير أنه من بين 36 مليون مغربي، سيقوم 30 مليون منهم بأداء زكاة الفطر، ولو قدرنا قيمتها بعشرة دراهم للفرد (علما أن المجالس العلمية قدرتها بما لا يقل عن 12،5 درهم في السنة الماضية) فمعنى ذلك أن حصيلتها هي ثلاثمائة (300) مليون درهم يمكن توزيعها لرفع القدرة الشرائية للفئات الفقيرة والهشة كما يلي:
1- لو أعطينا لفئة مختارة من أرباب الأسر الفقيرة عشرة آلاف درهم لاستطعنا رفع القدرة الشرائية لثلاثين ألف أسرة أي تحسين عيش حوالي مائة وخمسين ألف فرد باعتبار متوسط أفراد الأسرة المغربية خمسة أفراد.
2- ولو رفعنا المبلغ إلى عشرين ألف درهم لاستفاد من العملية خمسة عشر ألف (15000) رب أسرة أي حوالي خمسة وسبعين ألف فرد.
3- ولو رفعنا المبلغ إلى ثلاثين ألف درهم لاستفاد عشرة آلاف رب أسرة (10000) أي حوالي خمسين ألف فرد. وهكذا.
ولو تم هذا بوتيرة سنوية، ولو قامت مؤسسة الزكاة بتمويل مشاريع مدرة الدخل بالتنسيق مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية -وفق ضوابط شرعية- ولو قامت مؤسسة الزكاة بجباية زكاة الأموال والثروات المتنوعة، لكان لذلك نتائج طيبة بفضل إقامة هذا الركن المعطل، على كل الأصعدة الدينية والاجتماعية والاقتصادية بما يسهم في تذويب الفوارق ورفع القدرة الشرائية لفئات واسعة من المواطنين ودعم الكفاءة الاقتصادية للاقتصاد المغربي.
وبهذه المناسبة، وباعتباري واحدا من أفراد الشعب المغربي المقهور والصبور، أسمح لنفسي بتوجيه نداء مخلص لجلالة الملك أمير المؤمنين محمد السادس حفظه الله ووفقه للقيام بمأسسة ركن الزكاة حتى يكون شرف وأجر إقامته على يديه انطلاقا من هذا الشهر المبارك، وحتى يجني المغاربة ثمار هذه الإقامة في مختلف المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى