“مسؤول” بإقليم الجديدة يتحول بقدرة قادر إلى “Ranchero”

حياة الترف والبذخ من علامات الثروة التي ينعم  الله بها على عباده في الدار الدنيا. ثروة تختلف أسباب وأساليب اكتسابها وتكديسها، وكذا، طرق تدبيرها، وحتى تبذيرها أحيانا و”رميها من النافذة”، كما يقول المثل الفرنسي.

الحديث عن الثروة يجرنا حتما إلى الحديث عن المال الحلال، والمال الحرام، المال المشروع، والمال الفاسد. حيث إن الفرق بين الاثنين شاسع، والهوة عميقة، والمسافة الفاصلة متباعدة بعد الأرض عن السماء.

فمن المنعم عليهم من يؤول إليه إرث الآباء والأجداد، أو يعثر على “كنز” تحت الأرض أو فوقها. ومنهم من يكسب في القمار “le jackpot”، أو يراكم الثروة بالنهب والسلب، أو تلقي الرشاوى التي يخولها المنصب، وموقع المسؤولية، والسلطة والنفوذ، أو يتاجر في المخدرات.

فمن الأغنياء من يملك أرصدة مالية ضخمة يكدسها في الأبناك، داخل وخارج أرض الوطن. ومنهم من يعمد، والمقصود هنا، ذوو المال والثروات المتحصل عليها بطرق غير قانونية، إلى استثمارها في مشاريع تنموية أو عقارية، بغية غسلها وتبييضها، وإضفاء صبغة الشرعية عليها، كما الحال عند أباطرة المخدرات، وبعض النافذين والفاسدين-المفسدين.. سيما إذا كانوا “تاياكلوا ويوكلوا”. ما يجعلهم فوق القانون، ويحظون ب”مطلات” تحميهم وتتستر عنهم.

هذا، فإن اختلف أصحاب المال الحلال، والمال الحرام، في أسباب وكيفيات الحصول عليه، فإنهم قد يتقاطعون ويلتقون في طرق ومجالات استثماره.. في العقارات مثلا. لكن الفرق أن أصحاب المال الفاسد، أشخاصا ذاتيين كانوا أو معنويين، غالبا ما يقومون بالاستثمار تحت هويات مزيفة، أو بأسماء أقارب يثقون فيهم ثقة عمياء، تفاديا للتصريح بالممتلكات، ومن ثمة المساءلة والحساب (من أين لك هذا؟)، وحتى يبتعدوا ويبعدوا عن أنفسهم الشبهات.

ويقع ذوو المال الحرام أو “الفاسد” تحت طائلة الجرائم الاقتصادية والمالية. إلا أن زجر هذا النوع من الجرائم التي تتطور بوثيرة تسارع الزمن، لا يرقى إلى النجاعة المطلوبة، في ظل جمود النصوص الجنائية التي لم تعد تساير العصر والظرفية، والتساهل في ردع مرتكبيها، وعدم  الأجرأة السليمة ل”التصريح بالممتلكات”، ولمبدأ “من أين لك هذا؟”، ول”عفا الله عما سلف”، وعدم تفعيل الآليات القانونية، الكفيلة باسترجاع أموال الشعب  المنهوبة، من قبيل الحجز على الممتلكات، وذلك في خرق صارخ لروح القانون الذي ينص في أولى أبجدياته، على أن “القاعدة القانونية عامة ومجردة”.

هذا،  وتعرض الجريدة لحالة خاصة لمسؤول “شاب”، وهو بالمناسبة قريب شخصية معروفة، حالفه الحظ في الولوج، بعد أن كان “courtier d’assurances”، إلى منصب رفيع في الوظيفة، وأتاح له حظه أن يقطع المسافات في الترقيات السريعة والمتسارعة، وفي تقلد مناصب المسؤولية من العيار الثقيل، رغم محدودية تجربته، التي تجعل منه، كما يقول المثل الفرنسي (un blanc-bec).

ومن العجائب أن  ظهرت عليه فجأة، في أقل من سنة على تعيينه “مسؤولا” في أرض دكالة المعطاة، علامات “النعمة  الثرى والبذخ”. ما أثار جدلا واسعا وسط المتتبعين للشأن العام، وحتى على الألسن العاملين معه من مختلف الرتب والدرجات. حيث أصبح حديث الألسن، وموضوع الساعة، ومادة دسمة لوسائل الإعلام.

ومن علامات النعمة أن اقتنى “مسؤولنا” الذي مافتئ يدعي أنه من أسرة ثرية، لشريكة حياته سيارة فارهة، بثمن تفضيلي، اعتبارا لمنصبه ومكانته جد الخاصين. كما اقتنى بمنطقة دكالة أرضا فلاحية شاسعة، على امتداد هكتارات، أقام فوقها ضيعة، من قبيل ضيعات كبار رجال الأعمال  في “تكساس” بالولايات المتحدة الأمريكية.

وعلى ذكر “تكساس”، فإن “مسؤولنا” كتب الأرض والضيعة التي تفنن في بنائها،  في اسم أصهاره المقيمين بالولايات المتحدة الأمريكية، والذين لم تطأ من قبل أقدامهم أرض دكالة.

وبالمناسبة، فإن “مسؤولنا” الذي أنعم الله عليه من حيث لا يعلم، وظهرت عليه علامات “النعمة”، التي صاحبها إحساس ب”الاستعلاء والاستقواء”، كان يغادر، خلال أوقات العمل، مكتبه بالطابق العلوي، ويتردد من ثمة يوميا بسيارة الخدمة، حسب شهود عيان، أزيد من 4 مرات في اليوم، على الضيعة “الشهيرة”، لتفقد أشغال البناء فيها، وذلك مرورا عبر “الباراج”. لكن  بعد أن نشرت بعض وسائل الإعلام “الجريئة” على مواقعها الإلكترونية، مقالات صحفية عن “الفيرما” المثيرة للجدل، أوقف “مسؤولنا” (Ranchero)  مؤقتا أشغال البناء، وحد من رحلاته المكوكية.

وتتحدث الألسن عن كون “المسؤول” جلب بالمجان لتشييد “ضيعته”،  معدات ومواد بناء من إسمنت وحديد ورمل.. من عند مسؤول على مرفق حيوي، ابنه يعمل موظفا في المرفق الذي يشرف عليه المسؤول، الذي ظهرت عليه علامات “النعمة”، وبات يملك، في ظرف أقل من سنة على تعيينه، “فيرما” شاسعة.

هذا، ويتعين على عامل إقليم الجديدة، محمد الكروج، الانتقال إلى هذه الضيعة الشهيرة، الكائنة في منطقة نفوذه الترابي، والتي تعرف ب”الصفة المهنية” لصاحبها،  أو الاطلاع عليها من خلال نظام تحديد المواقع الجغرافية (GPS)، أو تكليف قسم الشؤون الداخلية بالعمالة (DAI)، بموافاته بتقرير مفصل بشأنها، حتى يكون على دراية ب”طينة” بعض المسؤولين الذين تربطه بهم علاقة تدبير الشأن العام.. بغية تفعيل سياسة الإصلاح والتخليق التي يتوخى نهجها.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى