زلزال الحوز حين نزلت الدولة بثقلها

محمد منفلوطي_هبة بريس

لم يخطر على بال أحد، أن تلك الليلة ستعرف هروبا جماعيا صوب الشوارع والساحات حفاة عراة تاركين وراءهم ممتلكاتهم وأشياءهم الثمينة ووثائقهم الإدارية وملابسهم الثمينة ومساكنهم المؤثثة وموائدهم المتنوعة وحضن فراشهم الدافئ…فترى المرء كرًّا وفرّا إلى الله بعد أن اعتادوا على الفرار منه ومن فرائضه…فتوحد دعاؤهم في حين غفلة، واصفرت الوجوه وبلغت القلوب الحناجر وظنوا أن لا ملجأ إلا إليه، ومن الناس من لم يسعفه الحظ حتى لارتداء ملابسه وستر عورته، ومن الأم من تخلت عن رضيعها وصغيرها، ومن الناس من ظن أن الوقت قد حان وطُويت الصحف ورُفعت الأقلام…

مشاهد وقصص اُختلفت، وفي المحصلة ستبقى لامحالة عالقة في أذهان جيل عاش وعايش زمن ” زلزال الحوز” الذي وبالرغم من خسائره الفادحة فقد كان رحيما بالمغرب والمغاربة وكشف عن معادن الرجال والنساء، ووحد الصفوف…

كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة ليلا ودقائق معدودات، كان من الناس من يستعد لقضاء لحظات ممتعة ونهاية عطلة الأسبوع، وآخرون يستعدون للنوم، وفئة أخرى كانت لها اختيارات أخرى….لم يكن الجميع على علم بأن مخططاتهم وبرامج حياتهم ستبوء بالفشل، بل وستأخذ مسارات أخرى غير التي رسموها مسبقا، فكانوا جميعا مع لحظة “الهروب الأكبر”، صوب منطقة ظنوا أنها ستكون آمنة، فيها تساوى الفقير والغني وذو المنصب جنبا إلى جنب…افترشوا الأرض والتحفوا السماء وعيونهم تراقب وتنتظر، والقلوب ترتجف خوفا وطمعا…

ماالذي يجري وماذا وقع….وماهي إلا لحظات قد بدأت الحكايات تنسج والصور والفيديوهات تتقاذف على مواقع التواصل الاجتماعي وشاشات كبريات القنوات العالمية…إنها كارثة زلزال اقليم الحوز”.

استفاق العالم أجمع في اليوم الموالي، ليحصي شر الكارثةالمستطير وخسائره الفادحة، وبالمقابل وقفت المملكة المغربية وقفة رجل واحد وجسد كذلك، وبتعليمات صارمة وحكيمة من قبل الملك محمد السادس حفظه الله، تجندت قواتنا الباسلة ومعها الشعب المغربي قاطبة للزحف نحو المناطق المتضررة دعما ومساندة، وبدأت ردود الأفعال من الدول الشقيقة والصديقة تتوالى، فكان للدولة المغربية كلمة الفصل كدولة ذات سيادة لها من الامكانات البشرية والمادية والمالية ما يجعلها تُجابه الأزمات وتقف في وجه النكبات…

زلزال إقليم الحوز، وإن كان للحدث وقع على النفوس وخسائر لاتُقدر، فإن له من الخيرات والحسنات ما تُذكر، فهو لامحالة سيُعيد رسم مسار جديد بحياة جديدة يقف فيها كل صاحب قلب سليم وعقل منير وقفة تأمل للتصالح مع الذات…كما أن للزلزال عبر ودلالات ورسائل قوية كشفت عن ضعف البشرية وهوانها، وجشعها وتعلقها بالحياة، وفي المقابل أبان الزلزال عن معادن الرجال والنساء وأصحاب المواقف النبيلة في زمن الشدائد، بيد أنه طمس حتى آثارالتافهين وخلَّص العباد من قفشاتهم المُضحكة على مواقع التواصل الاجتماعي.

زلزال إقليم الحوز…حين حضرت الدولة بقوة

لايُنكر الحق إلا جاحد أو زنيم، ولا يختلف اثنان عن كون الدولة المغربية كان لها القول والفصل منذ الوهلة الأولى، اذ نزلت بثقلها لتدبر الأزمة بتخطيط محكم وتدبير معقلن، اشتغلت على عدة جبهات، سارعت إلى انقاذ الأرواح وفتح الطرقات وتسهيل وصول المساعدات والاعانات، واطلاق برامج تنموية لإعادة الإعمار وايواء الأسر والعائلات….

منذ الوهلة الأولى، شُيدت المستشفيات ودور الإيواء، وفُتح باب التبرعات على مصراعيه ليستقبل سواعد أبناء الوطن لضخ دماءهم في شرايين إخوتهم من ضحايا الفاجعة.

حركت الدولة طائراتها وأسطولها العسكري نحو منطقة الزلزال، وانخرط جنودنا البواسل في تقليب الأحجار وانتشال الأحياء والأموات، وبجانبهم وقف رجال الوقاية المدنية الشرفاء، وأصحاب الوزرة البيضاء من شرفاء مهن التطبيب والتمريض، يقدمون العلاجات ويجرون العمليات الجراحية ويرسمون البهجة على ملامح المصابين..

لقيت الدولة تعاطفا شعبيا ورسميا من قبل المنتظم الدولي، وسارعت دول شقيقة وصديقة إلى ارسال فرق الانقاذ، وسرعان ما تمت السيطرةعلى الوضع، وبالموازاة مع ذلك هبّ الشعب المغربي من شماله إلى جنوبه ليطلق أكبر عملية تضامنية مكونة من قوافل المساعدات التي أدهشت العالم أجمع، راسما بذلك ملحمة وطنية ستبقى خالدة في الأذهان.

زلزال إقليم الحوز… واختفى التافهون

من حسنات هذه الفاجعة، أنها كشفت عن عورة أصحاب التفاهة وصناع المحتوى المقزز، فأراحوا البلاد والعباد من خرجاتهم وظهورهم المذل…فتطور النقاش والتقاسم الايجابي على منصات التواصل الاجتماعي وانبعث من جديد رأي أصحاب العقول النيرة من أساتذة جامعيين وأكاديميين وجمعويين وبروفسورات في الطب…الكل ركب موجة التحدي وأخذوا مواقعهم دفاعا عن الوطن ومواطنيه، منهم من ترك الأهل والأحباب والأطفال الصغار والرضع، ومنهم من لبس لباس البطولة ووقف في الصفوف الأمامية في مواجهة الفاجعة…

فاجعة كشفت عن معدن ركائز الدولة وأعمدتها ودورها المحوري في الدفاع عن الوطن وحماية أرواح مواطنيه، كما كان لها حسنات عدة على رسم معالم جديدة لعالم جديد تعطى فيه الأهمية للعلم والعلماء والمفكرين والأطباء والأساتذة والمهندسين وجنودنا وقواتنا المسلحة وفرق الانقاذ ونسيجنا الجمعوي والاعلامي الحر والنزيه…عالم تعطى فيه الأحقية لهؤلاء تحفيزا وتقديرا واحتراما لدورهم ومواقفهم في أوج الأزمات، بدل التصفيق للتافهين من صناع ” الروتيني اليومي”.

ما رأيك؟
المجموع 5 آراء
0

هل أعجبك الموضوع !

+ = Verify Human or Spambot ?

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. و مقال هذا الشريف اطيته خلفية عقائدية كانك تجاد البشر لافعالهم او كانها القيامة و يوم الحساب… الزلزال ظاهرة تعرفها الارض من قوانين تكوينها كالبراكين و ظواهر اخرى فلا تحملها اكثر من ذلك كانك تصوره بعذاب الله اتقوا الله في ذلك

  2. المقال في واد وأنت في واد .هل قرأت المقال أم أنك ك ” لي فيه الفز يقفز ” .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
close button
إغلاق