
مدى تأثر مبدأ إستقلال القضاء ببلاغ إداري لمؤسسة رسمية
ما هو معلوم لدى كافة الناس هو أن القضاة في عملهم اليومي قد يتعرضون لتأثيرات غير مشروعة ، ولكن الا يمكن أن تكون التأثيرات بطعم المشروعية ؟ وما علاقة كل ذلك بمبدأ استقلال القضاء ؟ نناقش في هذا الموضوع كل هذه الأفكار و نربطها بأحد مواضيع الساعة يتمثل في بلاغ المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج المنشور بتاريخ 07 غشت 2023 الذي تنبه فيه إلى الإكراهات التي يطرحها الاكتظاظ المتزايد بالسجون، في ما يخص ظروف الاعتقال والتأهيل لإعادة الإدماج ، وفسر البعض هذا البلاغ بمثابة مس باستقلال القضاء ، فما مدى صحة هذا الطرح ؟
1 _ مبدأ استقلال القضاء :
ينص الفصل 107 من الدستور على أن:
(( السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ))
ونص الفصـل 109 من ذات الدستور على أنه :
(( يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء؛ ولا يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات ولا يخضع لأي ضغط.
يجب على القاضي، كلما اعتبر أن استقلاله مهدد، أن يحيل الأمر إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
يعد كل إخلال من القاضي بواجب الاستقلال والتجرد خطأ مهنيا جسيما، بصرف النظر عن المتابعات القضائية المحتملة.
يعاقب القانون كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة.))
والفقه الدستوري فسر هذا المبدأ بانه يجب :
(( ان لا يخضع القضاة في ممارستهم لعملهم لسلطان اية جهة أخرى و أن يكون عملهم خالصا لإقرار الحق و العدل ، خاضعا لما يمليه الشرع و الضميردون أي اعتبار آخر )) (( صباح فرج سعد ماضي ، إستقلال القضاء ووسائل حمايته في ضوء الشريعة الاسلامية والدستور الليبي ، أطروحة دكتوراه ، جامعة مالايا كوالامبور ،2017 ، ص . 29 )) .
وغالبا ما يعطى كمثال على التأثيرات غير المشروعة التي تمس باستقلال القضاة و حيادهم هو محاولة إرشاء القضاة او الضغط عليه بوسائل أخرى غير الرشوة ، او ممارسة ضغط اعلامي على القضاة و هم يتأهبون لعقد جلسات الحكم في قضية من القضايا و لاسيما الجنحية او الجنائية منها ، و أصبح هذا الضغط الاعلامي عبر وسائل الاتصال الاجتماعي او السوشيال ميديا ملحوظا بشكل مثير للانتباه في السنوات الأخير ، وهو ما تأسف له المحامي الفرنسي الشهير ( محامي الفنان المغربي سعد لمجرد ) الاستاذ إيريك دوبون موريتي و حارس الاختام / وزارة العدل في الحكومة الفرنسية الحالية ، إذ ما فتئ يردد في اية مناسبة تتاح له بان ” القضايا يحكمها القضاة في قاعات المحاكم و حضوريا ، وليس في وسائل الاعلام والسوشيال ميديا ”
2 _ بلاغ المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج بخصوص اكتضاض المؤسسات السجنية بالسجناء :
عبرت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج إلى الرأي العام الوطني من خلال هذا البلاغ عن قلقها بخصوص ارتفاع عدد ساكنة المؤسسات السجنية، ولمحت في بلاغها إلى أن ذلك ناتج عن “الوتيرة الحالية” للاعتقال، داعية السلطات القضائية والإدارية إلى الإسراع لإيجاد حلول كفيلة بحل إشكالية الاكتظاظ في المؤسسات المذكورة ، وأثار هذا البلاغ حفيظة و غضب بعض الأوساط القضائية التي رأت في البلاغ ” مسًّا باستقلالية السلطة القضائية ” ، هذا النقاش حول اكتضاض المؤسسات السجنية شيء عادي و مألوف في دولة مثل فرنسا والتي تقدر فيها إدارة السجون ان نسبة إيواء السجناء بالمؤسسات السجنية تناهز 150 % من طاقتها الاستيعابية ، كما ربط هذا النقاش بين الاكتضاض المذكور و بين تطبيق السياسة الجنائية التي يجب إعادة النظر فيها ، ولكن حسب علمي و للأمانة فهذا النقاش لم يذهب الى اعتبار ان الآراء المعبر عنها تدخل في خانة المس باستقلال القضاء الفرنسي المسؤول عن الاعتقال
3 – الحل للإشكالية موضوع البحث والنقاش في القانون المغربي دستوري خالص :
الفصـل 109 من الدستور منع محاولات التأثير على القضاة التي تتم بكيفية غير مشروعة ، اما المحاولات التي تقع بكيفية مشروعة فالدستور لا يمنعها ضمنيا و ربما بلاغ المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج المنتقد قضائيا ليس القصد منه إطلاق سراح معتقل زيد او عمرو والا سيكون تدخلا سافرا في الشأن القضائي ، و إنما البلاغ من باب البحث عن المصلحة العامة اثار فقط الانتباه الى ابعاد اكتضاض المؤسسات السجنية التي لم تعد تحتمل المزيد من المعتقلين وهو ما يستوجب مراجعة السياسة الجنائية نظريا و تطبيقيا بشكل عاجل وقرارات النيابة العامة وقضاة التحقيق وحتى قضاة الحكم تعد جزءا من هذه السياسة الجنائية وليس كل السياسة الجنائية .
ومثال آخر على أن التاثيرات المشروعة على القضاء غير محرمة دستوريا وهو أن المواطن او المتقاضي من حقه وبنص من القانون تقديم شكاوى الى الجهات المختصة يتظلم فيها من تصرفات بعض المحاكم التي يراها هو من منظروه بانها غير قانونية و يقدم هذه الشكاوى والمحكمة لا زالت لم تفصل في القضية بعد ، فهل رفع الشكوى بهذا الشكل تدخل غير مشروع في عمل القضاة ؟ لا أعتقد ذلك .
نعم كلام في الصميم
السؤال هنا يطرح نفسه هل قضاتنا نزهاء لدرجة ان نترك لهم استقلاليتهم دون حسيب ولا رقيب