
سناء القصيري …. وساطة ناعمة تكسر في هدوء الحواجز …
عبد اللطيف الباز – هبة بريس
وجوه تشرق في المجتمعات العربية المقيمة بالديار الإيطالية كإطلالة شمس في نهار غائم و يحضى مغاربة إيطاليا على مناصب مهمة بالدولة الإيطالية ويتركوا بصمتهم في أماكن عدة من مختلف أنحاء البلاد ، فقد شهدت الأسر المغربية في السنوات الأخيرة تفوق ملحوظ لأبنائها وبناتها في المدارس والجامعات وحتى مناصب العمل المهمة كالمحامات و الجهاز الأمني و المقاولات الصغرى …”سناء القصيري “هي واحدة من أفراد الجالية المغربية التي زادتنا فخرا و شرفا بنيلها منصب وسيطة تقافية مابين المؤسسات الإيطالية، وبدأ إهتمام الإعلام بقصة المهاجرة المغربية حين لوحظ ورود إسم “سناء القصيري ” ضمن لائحة المؤسسات الإيطالية في منطقة لومبارديا. هذا الإسم شكل مفاجأة بالنسبة للبعض في البداية، نظرا لحمولته الدينية وبالنظر إلى الإهتمام المتزايد بقصة “سناء القصيري ” دفع موقع هبة بريس إلى النبش في مسارها وكيف أصبحت من أوائل أصول أجنبية تنجح في الإلتحاق بهذه المؤسسات التي تتولى الإشراف على شؤون الهجرة واللجوء داخل النطاق بجهة لومبارديا،إلا أن الأضواء ركزت على “سناء” ذات الأصول المغربية بإعتبارها أمراً استثنائياً بكل المقاييس أن يتواجد إسم غير إيطالي بين المؤسسات الإيطالية.
تنحدر سناء القصيري من مدينة ابي الجعد ، ومنها شدّت الرحال صوب إيطاليا خلال تسعينات القرن الماضي.. حيث ارتأى، وقتها، أن تغير ّالأجواء بحثا عن الدراسة وسط بيئَة أفضل مما لقيت فوق تراب الوطن، لكنّ الأقدار كانت تخط لها مسارا بديلا عما كانت تتوقّع أن يؤول إليها مستقبلها.
القصيري لم تكن غير مهاجرة لاقَت الرياح المتجهة شمالا بأشرعة سفينَة حياتها، فما كانت هذه الهجرة إلاّ أن لازمتها وهي تعيش وسطها، رغم طول أمد الاستقرار بالديار الإيطاليّة، لم يلُك عباراتها الدارجَة التي تطلقها بطريقَة لا تختلف عمّا اعتادت عليه حين عيشها بـ”أبي الجعد”.
إختارت سناء أن تقصد إيطاليا بداعي الدراسَـة، خاصّة وأن مستوَاه الجامعيّ خلال سنوات التسعينياث بالمغرب قد مكّنها من نيل منحَة لأجل تعلّم اللغة الإيطاليَّة والتمكّن من ضبطها بغرض استثمارها في مواصلة التحصيل ضمن علوم الفيزياء والكيمياء التي كانت قد أنهَت سلكها الأول بالوطن الأم.
عن هذه المرحَلة الاستهلالية ضمن مشوار هجرتها تقول سناء إن الأمر برمّته كان اختياريا وعن قناعَة، ويزيد ضمن لقاء جمعها بموقع هبة بريس: “قدمت لإيطاليا من أجل الدراسة قبل أن أخوض مغايرا، وبمجرّد وصولي إلى بلد الاستقبال انخرطت في جمعيات وبدأت أتعامل مع مهاجرين مثلي، وبعدها تمكنت من لغة بيئتي الجديدة حتّى احقق اندماجا.. كل ذلك بعيدا عن مشواري الدراسي الذي كان قد دفعني لمغادرة ابي الجعد .
دراستي للغة الإيطالية ضمن مركز للغات جعلتني أؤسّس لأرضية تساعدني بإيطاليا.. لكنّ ما دفعني للتخلي عن مساري يقترن بسياسة البلد التي تغيب عنها أي من الاعترافات تجاه المسارات الدراسية المغربيّة، لذلك كان علي أن أعاود التحصيل على دراسات إيطاليّة وسط صعوبات اقتصاديّة .
دراسة موقوفة التنفيذ :
أن تكون مدافعاً عن حقّك أمراً طبيعياً، ولكن تستجمع كلّ قواك وتركب الصعاب للدفاع عن غيرك، وتعمل على توعيته بحقوقه وتحصيلها، وفقاً لقوانين وأنظمة، فهنا أنت وسيط تقافي. تلعب هذه المهنة دوراً كبيراً في حياة المجتمعات، سناء القصيري تتعاطَى بشكل يومي مع مشاكل اندماج تهم مختلف شرائح الهجرة بجهة لومبَارديَـا، وأبرزهم يافعون مغاربة التحقوا بأولياء أمورهم وشرعوا في الدراسة ضمن بيئتهم الجديد، زيادة على نزلاء مؤسسات سجنية يغيب تواصلهم مع العالم الخارجي ويعجزون عن استيفاء المساطر التي يكفلها لهم القانون من أجل الدفاع عنهم أمام العدالة وكذا نيل ما هو لهم بفضاءات الحرمان من الحرية وإعادة التأهيل.. وتعمل سناء أيضا، بوتيرة يوميّة، على شرح السبل الإدارية المستوجب سلكها لاستخلاص الوثائق التي يبتغيها أي من المهاجرين المتواصلين معه.
وساطَة ثقافيّة :
تشتغل سناء ، منذ عقود وحتّى الآن، وسيطة ثقافية ما بين عدد من المؤسّسات الإيطاليّة، خاصّة بميلينغانو وجوارها، من جهة، والمهاجرين الذين لا يتقنون لغة البلد، أو لا يضبطون التعامل الإداري أو يتموقعون في أوضاع خاصّة معيقَة، من جهة ثانية.. تشتغل سناء على تيسير التواصل بين الطرفين، مع ابتغاء المساعدة على اندماج المهاجرين وكذا تعريف الإيطاليين بطرق تفكير من هم أجانب يشاركونهم ذات فضاءات عيشهم.
“شرعت في هذا الأداء المهني وسط مركز لاستقبال من لا يتوفرون على مأوى قار، وجلّهم كان من ضحايا الهجرَة.. لكنّني طورت مهاراتي وصقلت قدراتي عبر تكوينات همّت التواصل الثقافيّ ومستجدّاته، وهو ما ساهم في تعرفي على تقنيات العمل ومواكبة تطوراتها أولا بأوّل” تورد سناء ضمن تصريح حصري لهت أدلت به لهبةبريس. وتضيف ذات المغربية الإيطاليّة: “أن تكون وسيطة ثقافية يستوجب عليك الانحدار من الهجرة.. وإنما المعطى يهم مهنة أصبحت لها تخصصات ضمن أكاديميات التواصل، بل إنّ هناك من تحصلُوا على مَاسْتْر في ذات المراس دون أن يواكبوه بنجاح ميداني في ظل الدور الذي تلعبه التجربة بالتعاطي مع الناس” نافذة جمعويّة :
وجدت سناء القصيري نفسها وسط انشغالات جمعيات تعنَى بالمهاجرين الوافدين على إيطاليا من مختلف بقاع العالم.. وفي خضمّ تقوية علاقاتها بالمستفيدين من أنشطة هذه التنظيمات، وكذا المسؤولين عنها، اقترح عليها التكلف بشؤون الجاليات المتحدّثة بالعربيّة، ومن بينهم عدد كبير من المغتربين المغاربية.
“لا ينبغي النسيان بأن تلك المرحلة، التي تفصلنا عنها ثلاثون سنة الآن، كانت تتسم بتفشي صور نمطية عن المغرب والمغاربة ضمن تمثلات الإيطاليّين، والأوروبيّين بوجه عام.. فقد كانت الغالبية تقرن انتمائي الوطني بالفقر والصحراء.. وقد عملت على تجاوز هذه النظرات بمحيطي.. تماما كما حاول أي مهاجر فعل ذلك حين يرَى بأنّه بريء من المساوئ التي تلصق به” تقول سناء التي وجدت في بيئة الهجرة، وتنظيماتها الجمعوية، منطلقا لحياة بعثها.
حبّ لا يشيخ :
تقرّ سناء برضاها عن مسارها الذي رسمته لحياتها، وإن كان بديلا للمسار المبتغَى حين التواجد أيّام الشباب بأبي الجعد. معتبرة أنّها تقوم بعمل تحبّه، وسيبقى محبّا لها مهما مرّ من وقت، وأن ذات الأداء يجعلها سعيدة للغاية بفعل مدها ليد العون صوب من يحتاجونها.. “أعتبرني منتجا ضمن مهنتي لأنّي أحبّها، وأطمح لأن أستمر بذات الحيويّة ما دامت ممارستي للوساطة الثقافية متجدّدة كمجموعات المهاجرين التي تواظب على قصد التراب الإيطالي” يزيد ابنة أبي الجعد المستقرة بميلينغانو . من جهة أخرَى تقول سناء إنّ الراغبين من المغاربة في الهجرة لا بد لهم من التوفر على أهداف واضحة في ظل الظرفية الحاليّة التي تكتسيها كل أشكال الصعوبات.. “كان بإمكان جيلي أن يفكّر في معانقته لجنّة بمقامه في أوروبا، لكنّ كل شيء تغير الآن” تضيف سناء قبل أن تزيد: “أشجّع الهجرات الرامية لنيل العلوم، تماما كما كنت أريد بادئ تحرّكي نحو إيطاليا.. ومن أصرّ على تحقيق شيء ما فلن يكون له غير ذلك”.
وبشكل عام ، فإن قصة النجاح التي سطرتها هذه الخبيرة المغربية في مجال الثقافي الإجتماعي بين المؤسسات الإيطالية، تنضاف إلى نجاحات المرأة المغربية، التي استطاعت تكريس طاقتها وكفاءتها لإبراز الوجه المشرق لأفراد الجالية في مختلف المجالات .