جنايات الجديدة تبرئ “مشتكية” نسب إليها ضابط شرطة تهمة عقوبتها السجنية 10 سنوات + فيديو

بنيت المحاكمات، حتى في أعرق ديمقراطيات العالم المتحضر، على الأبحاث والتحريات “البوليسية”، التي أحيانا ما كان الخطأ فيها واردا، أكان بحسن نية بنية أو متعمدا. محاكمات رمت بمتهمين خلف القضبان، أو ساقتهم إلى “حبل المشنقة”. حيث إن بعض المحكومين لم تثبت براءتهم إلا بعد أن نفذت في حقهم الأحكام بالإعدام، أو بعد أن قضوا جل محكومياتهم السجنية الثقيلة، والتي قد تكون وصلت حد “المؤبد”.

هذا، فإن قاضي القضاء الجالس، عند البث في الملفات المعروضة على أنظاره، وإصدار أحكام بشأنها، يستند إلى ما بين يديه من إجراءات قانونية ووثائق ووسائل إثبات أو نفي، مضمنة في المساطر المرجعية، التي تنجزها الضابطة القضائية، تحت إشراف النيابة العامة المختصة، وإلى شهادات شهود الإثبات أو النفي، وإلى القناعات التي تتولد لديه تبعا لذلك.

ضابط شرطة في مواجهة “مشتكية”:

ولجت المواطنة (أسماء ك.) ليلا إلى مقر أمن الجديدة، ك”مشتكية”، وخرجت منه، بعد سلب حريتها مدة 48 ساعة، “مصفدة اليدين”، تجر جناية من العيار الثقيل، تصل عقوبتها حد 10 سنوات سجنا، حسب الفصل 592 من القانون الجنائي.. وهي جناية تمزيق وثيقة رسمية (محضر الضابطة القضائية)، نسبها إليها ضابط الشرطة القضائية (حسن ب.)، رئيس القسم القضائي الخامس لدى المصلحة الإقليمية للشرطة القضائية بأمن الجديدة، قبل أن تظهر، بعد حوالي سنتين، براءتها التامة أمام غرفتي الجنايات الابتدائية والاستئنافية.

النازلة في أبعادها.. تحت المجهر:

هذا، فإن الجريدة تضع تحت المجهر قضية المواطنة (أسماء ك.)، في أبعادها القانونية والحقوقية والأخلاقية.. بالدراسة والتحليل لوقائعها وحيثياتها، وإجراءاتها القانونية والمسطرية، نزولا عند رغبة المعنية، لتنوير الرأي العام، وبغية رد الاعتبار إليها، وحتى يصل تظلمها إلى أعلى سلطة في البلاد، إلى الملك محمد السادس، الذي تصدر الأحكام في محاكم المملكة باسم جلالته، والذي تناشده، بصفتها من رعاياه الأوفياء وخدام الأعتاب الشريفة، بأن ينصفها، بعد الحيف التي طالها، والذي كان سيلقي بها لسنوات طوال خلف القضبان، على خلفية جناية من العيار الثقيل، لم ترتكبها البتة.

شكايتان مرجعيتان وتعليمات نيابية:

تلقت المصلحة الإقليمية للشرطة القضائية بأمن الجديدة، تعليمات من وكيل الملك بابتدائية الجديدة، من أجل فتح بحث قضائي علاقة بشكايتين تقدمت بهما (أسماء ك.) في مواجهة المشتكى به (ع.)، علاقة بنازلتين منفصلتين، وبوقائع وحيثيات مختلفة من حيث الموضوع والوقت والمكان، إحداهما تتعلق بالنصب عن طريق التهجير، وهي الشكاية، موضوع الإرسالية النيابية عدد: 398/3101/2016، بتاريخ: 03/02/2016.
وتتهم (أسماء ك.)، التي أدلت للجريدة بالمسطرة القضائية المرجعية، والمستندات والوثائق، والتصريحات والأقوال التي خطتها بيدها، والأحكام والقرارات القضائية، ضمنها قرار النيابة العامة بحفظ شكايتها تحت عدد: 15 ا. م. ق. 2018، بتاريخ: 20/04/2018، (تتهم) ضابط الشرطة (حسن ب.)، المكلف بالبحث، بكونه عمد إلى تمزيق إحدى شكايتيها المرجعيتين، التي تحمل ختم النيابة العامة، ومدرجة تحت مراجعها في كتابة النيابة العامة، ولدى مصالح أمن الجديدة (مكتب الضبط ..)، كما تحمل مراجع مضمنة من قبل رئيس المصلحة الإقليمية للشرطة القضائية، العميد الممتاز (مصطفى ر.). وهي الشكاية التي تحتفظ بأصلها (أسماء ك.)، بعد أن ألقى بها في وجهها ضابط الشرطة القضائية (حسن ب.).

فعند مثولها أمامه، الثلاثاء 22 مارس 2016، على الساعة الثامنة ليلا، طلب منها الضابط (حسن ب.)، حسب تصريحاتها للجريدة، التوقيع على محضر استماع أنجزه. لكنها رفضت التوقيع، بعد أن تبين لها أنه يتضمن تصريحات لم تصدر عنها. وإثر إخفاقه في إرغامها على التوقيع، قام بتمزيق المحضر (..)، ليتم وضعها تحت تدابير الحراسة النظرية، على خلفية الأفعال المزعومة، التي نسبها إليها، والتي تكمن في “إهانة موظفين عموميين أثناء وبسبب مزاولتهم لمهامهم، وتمزيق وثيقة رسمية”. ما تسبب لها في أزمة صحية، استدعت نقلها على وجه السرعة، على متن سيارة إسعاف، من المحبس (le geôle)، أثناء سريان الحراسة النظرية في حقها، إلى المستشفى الإقليمي محمد الخامس. وهذا ما يتبين بالواضح والملموس من شهادة التدخل (attestation d’intervention)، الصادرة عن ثكنة الوقاية المدنية بالجديدة، والمدرجة تحت عدد: 447 CPPC/ELJ، بتاريخ: 28/03/2018.

وقد أحالت الضابطة القضائية (أسماء ك.) على النيابة العامة، بموجب المسطرة القضائية رقم: 872 / ج. ج./ ش. ق.، بتاريخ: 24 مارس 2016، التي أنجزها القسم القضائي الرابع لدى المصلحة الإقليمية للشرطة القضائية، والمتضمنة لمحضر استماع منسوب إليها، صرحت بشأنه (أسماء ك.) أن الضابطة القضائية أنجزته في غيابها ودون علمها، وأنه لا يحمل توقيعها، وأنه مذيل بما يلي: “ترفض التوقيع ون مبرر”.

والمثير أن القسم القضائي الرابع لم يشر في المسطرة المرجعية عدد: 872 / ج. ج./ ش. ق.، بتاريخ: 24 مارس 2016، إلى نازلة إصابة (أسماء ك.) بوعكة صحية، أثناء سريان الحراسة النظرية في حقها، داخل المحبس، وإلى إجراء نقلها على متن سيارة إسعاف، إلى المستشفى الإقليمي بالجديدة. وهما النازلة والإجراء اللذان لم يشعر بهما كذلك نائب وكيل الملك المداوم بابتدائية الجديدة، الأستاذ حسن القاسمي، وذلك في خرق لمقتضيات قانون المسطرة الجنائية.

نصوص قانونية لفهم ما وقع:

1/ الفصل 592 من القانون الجنائي:
على إثر تكييف الضابطة القضائية لدى القسم القضائي الرابع، للأفعال المزعومة، إلى “إهانة موظفين عموميين أثناء وبسبب مزاولتهم لمهامهم، وتمزيق وثيقة رسمية”، والمقصود هنا ب”الوثيقة الرسمية” هو “محضر الضابطة القضائية” (محضر المواجهة)؛
وحيث إن النيابة العامة المختصة اعتمدت، في إحالة ملف القضية على قاضي التحقيق الجنائي، التكييف ذاته، الذي اعتمدته الضابطة القضائية، وسطرت من ثمة المتابعة الجنائية، وفق مقتضيات الفصلين 592 و263 من القانون الجنائي.
وحيث إن الفصل 592 من ق. ج.، نص على ما يلي: “في غير الحالات المشار إليها في المادة 276، فإن من يحرق أو يتلف عمدا بأي وسيلة كانت، سجلات أو أصول الوثائق المتعلقة بالسلطة العامة، أو صورها الرسمية أو مستندات أو حججا، أو سفتجة أو أوراقا تجارية أو بنكية متضمنة أو منشئة لالتزامات أو تصرفات أو إبراء، فإنه يعاقب من السجن من خمس إلى عشر سنوات، إن كانت الأوراق المتلفة متعلقة بالسلطة العامة أو أوراقا تجارية أو بنكية، وبالحبس من سنتين إلى خمس سنوات، وغرامة من مائة وعشرين إلى خمسمائة درهم، إن كانت أوراقا أخرى”؛
وحيث إن الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف بالجديدة، التي ترأسها الأستاذ مولاي أحمد الرزكيني، جاء في قرارها عدد: 60/17، في الملف عدد: 32/2525/2017 (المشورة)، أن المتهمة (أسماء ك.) قامت بتمزيق “محضر المواجهة”؛
وحيث إن أمر قاضي التحقيق الجنائي بمحكمة الاستئناف، الأستاذ محمد الدويري، في ملف التحقيق عدد: 0018/16؛ والقرار الجنائي الابتدائي عدد: 299، بتاريخ: 20/06/2017، الصادر في الملف الجنائي عدد: 93/17، عن غرفة الجنايات الابتدائية، التي ترأسها الأستاذ عمر بشار؛ والقرار الجنائي الاستئنافي عدد: 24/18، الصادر في الملف الجنائي عدد: 224/17، عن غرفة الجنايات الاستئنافية، التي ترأسها الأستاذ الحمدوني برين.. وهي القرارات الثلاثة التي أقرت جميعها، بعد التعليل، أن “المحضر”، موضوع المتابعة الجنائية وفق الفصل 592 من القانون الجنائي، لا يحمل توقيع وختم السلطة العامة ( الموظف العمومي / ضابط الشرطة القضائية)، ومن ثمة، ليس ب”وثيقة رسمية”، وليست له صفة الرسمية، ولا صفة المحضر. إذ لازال “ورقة عادية”، ليست لها أية قيمة قانونية.
وعليه، فإن الجريدة تستحضر، في إطار اجتهادها القانوني (jurisprudence)، والصحافة الاستقصائية (le journalisme d’investigation/d’enquête)، بعض الفصول والنصوص القانونية، لفهم وقائع وحيثيات النازلة، وجسامة “الأفعال المزعومة” و”الأخطاء والخروقات المرتكبة”.
قبل ذلك، لا بد من التعريف ب”الوثيقة الرسمية”، والتمييز بينها وبين “الورقة العادية”، وتبيان أوجه الاختلاف، درءا لكل لبس أو التباس، قد تترتب عنه تبعات، قد تحول دون المحاكمة العادلة، ودون تحقيق العدالة.
2/ قانون الالتزامات والعقود:

مفهوم الورقة الرسمية وشروطها:

نظم المشرع المغربي المحرر الرسمي بمقتضى الفصل 418 إلى الفصل 423 من قانون الالتزامات والعقود. فقد نص هذا القانون المرجعي في الفصل 418، على أن الورقة الرسمية هي التي يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صلاحية التوثيق في مكان تحرير العقود، وذلك وفق الشكل الذي يحدده القانون. وتكون رسمية أيضا: الأوراق المخاطب عليها من القضاة في محاكمهم/ والأحكام الصادرة عن المحاكم المغربية والأجنبية، بمعنى أن هذه الأحكام يمكنها حتى صيرورتها واجبة أن تكون حجة على الوقائع التي تثبتها.
ويضيف المشرع كذلك في الفصل 419 من قانون الالتزامات والعقود، أن: “الورقة الرسمية حجة قاطعة حتى على الغير، في الوقائع والإنفاقات التي يشهد الموظف العمومي الذي حررها، بحصولها في محضره، وذلك إلى أن يطعن فيها بالزور”.
وبالرجوع إلى هذه المقتضيات، نجد المشرع المغربي يعتبر الوثيقة رسمية، إذا توافرت على ثلاثة شروط جوهرية، وهي: أن يقوم بتحريرها موظف عمومي، وأن يكون هذا الموظف العمومي مختصا في توثيقها، وأن يحررها في الشكل المحدد قانونا.
3/ المادة 24 من قانون المسطرة الجنائية:
عرف قانون المسطرة الجنائية في المادة 24، محضر الضابطة القضائية، كالتالي: “المحضر في مفهوم المادة السابقة هو الوثيقة المكتوبة التي يحررها ضابط الشرطة القضائية أثناء ممارسة مهامه، ويضمنها ما عاينه أو تلقاه من تصريحات أو قام به من عمليات ترجع لاختصاصاته (..) يتضمن المحضر خاصة اسم محرره وصفته ومكان عمله وتوقيعه، ويشار فيه إلى تاريخ وساعة إنجاز الإجراء، وساعة تحرير المحضر، إذا كانت تخالف ساعة إنجاز الإجراء (..)”.
4/ المادة 289 من قانون المسطرة الجنائية:
نصت المادة 289 من قانون المسطرة الجنائية، عما يلي:”لا يعتد بالمحاضر والتقارير التي يحررها ضباط وأعوان الشرطة القضائية والموظفون والأعوان المكلفون ببعض مهام الشرطة القضائية، إلا إذا كانت صحيحة في الشكل (..)”.
5/ أمر قاضي التحقيق ذ. محمد الدويري :
حسب ما جاء في الأمر الذي أصدره الأستاذ محمد الدويري، قاضي التحقيق الجنائي لدى محكمة الاستئناف بالجديدة، في ملف التحقيق عدد: 18/16، فإن محاضر الضابطة القضائية هي أوراق رسمية، وأنها لا تحمل هذه الصفة إلا بعد أن تستوفي شروط الوثيقة الرسمية، أما قبل ذلك، فهي مجرد ورقة عادية. وحيث إن الورقة الرسمية يجب أن يشهد الموظف العمومي بصدورها عن السلطة العامة، أي بتوقيعها من طرف الموظف المختص، وختمها بختم الإدارة.
4/ شرط توفر القصد الجنائي :
وحتى تكون جناية تمزيق “وثيقة رسمية”، كما نص عليها وعلى عقوبتها الفصل 592 من القانون الجنائي، وكما تم تعريفها في قانون الالتزامات والعقود، وقانون المسطرة الجنائية، (حتى تكون) قائمة الأركان، يشترط في فعل التمزيق (تمزيق وثيقة رسمية)، توفر القصد الجنائي، لإتلافها وإعدام ما تضمنته من حقوق والتزامات. وهذا ما ذهب إليه بالمناسبة المجلس الأعلى في قراره بتاريخ: 30/06/1999، في الملف الجنائي عدد: 86/99 (قرار منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد: 55 – صفحة 393، وما بعدها)، الذي لم يعتبر تمزيق جواز السفر جريمة تمزيق وثيقة رسمية. واشترط القصد الجنائي في هذا الفعل، الذي من شأنه أن يحدث ضررا ماديا ومعنويا.
الإحالة على النيابة العامة:
حسب الثابت من بيان الوضع تحت الحراسة النظرية، التي ابتدأت من الساعة العاشرة و45 دقيقة من ليلة الثلاثاء 22 مارس 2016، أحال القسم القضائي الرابع لدى المصلحة الإقليمية للشرطة القضائية بالجديدة، على الساعة العاشرة من صباح الخميس 24 مارس 2016، على وكيل الملك لدى ابتدائية الجديدة، (أسماء ك.)، بموجب المسطرة القضائية رقم: 872/ج.ج./ش.ق.، بتاريخ: 24/03/2016، والتي كان موضوعها، حسب تكييف الضابطة القضائية: “إهانة موظفين عموميين أثناء وبسبب مزاولتهم لمهامهم، وتمزيق وثيقة رسمبة”.
وعند التقديم، كانت (أسماء ك.) مؤازرة من قبل دفاعها، الأستاذ عبد الغفور شوراق، المحامي بهيئة الجديدة. وقد أحالها وكيل الملك على الوكيل العام للملك باستئنافية الجديدة، حيث أدرجت المسطرة المرجعية في مكتب التدبير الإداري، تحت عدد: 165/3202/2016، بتاريخ: 24/03/2016.
وقد أحال الوكيل العام المتهمة على قاضي التحقيق الجنائي، مع قرار التماس ما يلي: “المطالبة بإجراء تحقيق في مواجهة (أسماء ك.)، من أجل تمزيق وثيقة رسمية، وإهانة موظف عمومي أثناء قيامه بمهامه، طبقا للفصلين 592 و263 من القانون الجنائي، مع إيداعها السجن المحلي بالجديدة”.
من مشتكية إلى مشتكى بها.. ومتهمة:
كانت الجريدة أثارت قضية (أسماء ك.)، فور تفجرها شهر مارس 2016، من خلال تحقيق صحفي مزلزل، نشرته على أعمدة موقعها الإلكتروني، تحت عنوان: “جريمة إهانة الضابطة القضائية وبعدها اللاحقوقي تحت المجهر”، يمكن لمن يهمه أو يهمهم الأمر، ولكل غاية مفيدة، الرجوع إليه، عبر محرك البحث الإلكتروني “غوغل”. وهو التحقيق المرفق بحوار صحفي بالصورة والصوت، كانت الجريدة أجرته مع الأستاذ عبد الغفور شوراق، المحامي بهيئة الجديدة، (الفيديو رفقته).
ومما جاء في هذا التحقيق الصحفي المرجعي، في الفقرة تحت عنوان: “من مشتكية إلى مشتكى بها”:
تحولت (أسماء ك.) من مشتكية إلى مشتكى بها. وأصبحت الضابطة القضائية طرفا مشتكيا في النازلة، المتفرعة عن القضية “الأصلية”، التي كان البحث جاريا بشأنها في موضوع شكاية بالنصب. وبالوقوف على الفعل الذي أقدمت عليه المشتكية أصلا، أو بالأحرى المشتكى بها من قبل طرف النزاع القضائي، المشتكي والخصم (الضابطة القضائية)، فقد يكون ثابتا في حقها، حسب رواية الخصم، التي يتم تصديقها، نظرا لكون المحاضر والمساطر التي ينجزها ضباط الشرطة القضائية، يعتد بها في الجنح، أمام النيابة العامة والمحكمة، ما لم يتم الطعن فيها بالزور، وإثبات ما يخالفها.
إن الفعل الجرمي المنسوب للمتهمة “إهانة الضابطة القضائية”، بتمزيق محضر استماعها القانوني، تستدعي تحديد ظروف وملابساتها الواقعية، مع استحضار أنه “ليس ثمة دخان بدون نار!”. وقد جاء الجواب عن ذلك، في التصريح الصحفي (الفيديو رفقته)، الذي خص به الجريدة الأستاذ عبد الغفور شوراق، المحامي بهيئة الجديدة، ورئيس المكتب الإقليمي للمركز المغربي لحقوق الإنسان.
(..). فموكلته صرحت عند عرضها في البداية، على وكيل الملك الذي أحالها للاختصاص على الوكيل العام، بأن ضابط الشرطة القضائية لفق لها تهمة “إهانة الضابطة القضائية”، وعللت ذلك باستحضار عدة أسباب موضوعية ومنطقية وواقعية. فقبل الاستماع إليها من قبل هذا الضابط، تقدمت بشكاية إلى رئيس الأمن الإقليمي بالجديدة، تشكو الضابط ذاته، الذي لم ينجز المسطرة القضائية في وقت معقول، قياسا بالضرر الذي لحقها من قبل شخص اتهمته بالنصب. ولما التحقت بالمصلحة الأمنية للاستماع إليها، عاملها الضابط، حسب ما أطلعت به دفاعها، بأسلوب مهين وغير إنساني، وقال لها بالحرف: “أنت مشيت عند رئيس الأمن الإقليمي، وأنا غادي نوريك”. ولما اطلعت على محضر استماعها الذي أنجزه الضابط، رفضت التوقيع عليه، بعد أن تبين لها أنه تضمن تصريحات لم تصدر عنها. وصرحت أمام الوكيل العام أن الضابط مسكها بمعية شخص آخر من ملابسها، ومزق جلبابها إلى ما تحت صدرها، بعد أن أخفق في إرغامها على التوقيع. وهذا ما عاينه دفاعها، ووكيل الملك، والوكيل العام. ناهيك عن معاملتها غير اللائقة والمهينة للكرامة والشرف. وأضافت موكلته أمام الوكيل العام أن ضابط الشرطة القضائية عمد، بعد رفضها التوقيع، إلى تمزيق محضر استماعها، ولفق لها هذا الفعل. وقد طالبت موكلته أمام الوكيل العام، بإجراء خبرة على البصمات الموجودة على المحضر الممزق. وتشبثت بذلك. وقد أحال الوكيل العام المتهمة على قاضي التحقيق الجنائي، الذي أفرج عنها بكفالة. وحسب دفاعها، الأستاذ شوراق، لو أن ما نسب إلى موكلته كان يعتريه شك من أي جانب، لما اتخذ قاضي التحقيق القرار بإخلاء سبيلها.
وتساءل دفاع المتهمة، بمفهوم المخالفة، عن الداعي الذي يدفعها إلى ارتكاب ما نسب إليها. كما تساءل من منطلق أنه “ليس هناك دخان بدون نار !”، عما إذا كان ثمة ارتباط بين الشكاية التي كانت موكلته تقدمت بها إلى رئيس الأمن الإقليمي بالجديدة، في مواجهة ضابط الشرطة القضائية، وبين نازلة تمزيق محضر الاستماع الذي حرره الضابط ذاته (الاطلاع على الفيديو رفقته).
وبالمناسبة، فقد لمس الأستاذ شوراق، من خلال تنصيبه وقتها (شهر مارس 2016)، للدفاع في نازلتين، اتهم فيهما 3 مواطنين شرفاء، ب”إهانة الضابطة القضائية”، أنهما (النازلتين) مترابطتان، وأنهما حصلتا في وقت وجيز، وفي المكان ذاته (مكاتب الشرطة القضائية بأمن الجديدة). وهذا ما يمكن الوقوف عليه من التصريحات المزلزلة، التي جاءت في “الفيديو رفقته”، على لسان المحامي والحقوقي، الأستاذ شوراق.

من الاتهام إلى الاعتقال.. والبراءة التامة:

1/ النيابة العامة.. قرار التماس التحقيق:
بعد انقضاء فترة الحراسة النظرية، أحالت الضابطة القضائية لدى القسم القضائي الرابع (أسماء ك.) على وكيل الملك بابتدائية الجديدة، بموجب المسطرة القضائية رقم: 872 /ج. ج./ ش. ق.، بتاريخ: 24 مارس 2016، في موضوع: “إهانة موظفين عموميين أثناء وبسبب مزاولتهم لمهامهم وتمزيق وثيقة رسمبة”. حيث أحالها على الوكيل العام بمحكمة الاستئناف. الأخير أحال المتهمة على قاضي التحقيق الجنائي، مع قرار التماس ما يلي: “المطالبة بإجراء تحقيق في مواجهة (أسماء ك.)، من أجل تمزيق وثيقة رسمية، وإهانة موظف عمومي أثناء قيامه بمهامه، طبقا للفصلين 592 و263 من القانون الجنائي، مع إيداعها السجن المحلي بالجديدة”.
2/ أمر قاضي التحقيق بعدم المتابعة:
مما جاء في التحقيق الذي أجراه الأستاذ محمد الدويري، قاضي التحقيق الجنائي لدى محكمة الاستئناف بالجديدة (المرجع: ملف التحقيق عدد: 18/16)، وبناءا على ملتمس الوكيل العام، الذي يلتمس فيه إصدار أمر بإحالة المتهمة على غرفة الجنايات، لمحاكمتها من أجل المنسوب إليها، طبقا للقانون (جناية تمزيق وثيقة رسمية، وإهانة موظف عمومي أثناء قيامه بمهامه، طبقا للفصلين 592 و263 من القانون الجنائي)، والمتابعة، خلال التحقيق الإعدادي، في حالة سراح، بكفالة مالية قدرها 3000 درهم، (مما جاء في التحقيق الجنائي) أن الثابت من جذاذات ونتف المحضر (محضر الضابطة القضائية)، المقدم على أنه هو الوثيقة التي تعرضت للتمزيق، أنه غير موقع من قبل ضابط الشرطة ومختوم بختم الإدارة، بل إنه لم يتم توقيعه من أي طرف، وبالتالي، ليست له صفة الرسمية، ولا صفة المحضر. إذ لازال ورقة عادية، ليست لها أية قيمة قانونية.
وجاء في حيثيات أمر قاضي التحقيق، أن محاضر الضابطة القضائية، هي أوراق رسمية، وأنها لا تحمل هذه الصفة إلا بعد أن تستوفي شروط الوثيقة الرسمية. أما قبل ذلك، فهي مجرد ورقة عادية. حيث إن الورقة الرسمية يجب أن يشهد الموظف العمومي بصدورها عن السلطة العامة، أي بتوقيعها من طرف الموظف المختص، وختمها بختم الإدارة.
واعتبر قاضي التحقيق في الحيثيات دائما، أن تمزيق هذه الورقة بهذا الشكل كرد فعل من المتهمة على ما ورد فيها، يدخل في نطاق إهانة موظف عمومي، وليس في نطاق تمزيق وثيقة رسمية، لإتلافها وإعدام ما تضمنته من حقوق والتزامات. حيث يغيب في هذا الفعل القصد الجنائي، الذي من شأنه أن يحدث ضررا ماديا ومعنويا.
وهكذا، صرح قاضي التحقيق أن أفعال المتابعة تشكل كلها جنحة إهانة موظف عمومي، أثناء قيامه بمهامه، طبقا للفصل 263 من القانون الجنائي، ويتعين متابعتها من أجل ذلك، وإحالتها مع كل وثائق البحث والتحقيق، في حالة سراح، على المحكمة الابتدائية بالجديدة، لمحاكمتها طبقا للقانون.
3/ أمر الغرفة الجنحية بالمتابعة:
أصدرت الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف بالجديدة، وهي تبث في الملف رقم: 32/2525/2017/المشورة، والتي كان يرأسها الأستاذ مولاي أحمد الرزكيني، قرارها رقم: 60/17، بتاريخ: 01/03/2017، بإلغاء الأمر المستأنف بخصوص عدم متابعة المتهمة (أسماء ك.)، من أجل جناية تمزيق وثيقة رسمية، والتصريح من جديد بمتابعتها من أجل ذلك، طبقا للفصل 592 من القانون الجنائي، وإحالتها على غرفة الجنايات، لمحاكمتها طبقا للقانون (..).
وقد جاء بث الغرفة الجنحية في القضية، بناءا على الاستئناف الذي تقدمت به النيابة العامة تحت عدد: 17/16، بتاريخ: 10/02/2017، ضد الأمر الصادر عن قاضي التحقيق، بتاريخ: 14/02/2017، في ملف التحقيق عدد: 18/16، القاضي بعدم متابعة المتهمة من أجل المنسوب إليها. وقد ركزت النيابة العامة في معرض بيان استئنافها، على أن ظروف النازلة وملابساتها تؤكد تورط المتهمة في الفعل المنسوب إليها، وأن الأمر المستأنف مجانب للصواب فيما قضى به، ويتعين إلغاؤه (..).
4/ الوضع رهن الاعتقال الاحتياطي:
بعد أن أصدرت الغرفة الجنحية أمرها بإحالة المتهمة على غرفة الجنايات، لمحاكمتها طبقا للقانون، تم إيداعها رهن الاعتقال الاحتياطي بالسجن المحلي، تحت رقم الاعتقال: . 52375، حيث قضت 18 يوما خلف القضبان، قبل أن يتم الإفراج عنها، بعد تمتيعها بالسراح المؤقت، بموجب القرار الذي أصدره قاضي التحقيق الجنائي.
5/ قرار غرفة الجنايات الابتدائية بالبراءة:
استنادا إلى الأمر بالإحالة، الصادر عن الغرفة الجنحية، بثت غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالجديدة، في الملف الجنائي رقم: 93/17. حيث أصدرت قرارها الجنائي الابتدائي رقم: 299، بتاريخ: 20/06/2017، الذي قضى، حسب منطوقه، بعدم مؤاخذة المتهمة من أجل جناية تمزيق وثيقة رسمية، والحكم ببراءتها منها، وبمؤاخذتها من أجل الباقي (إهانة موظف عمومي)، والحكم عليها بشهرين اثنين حبسا نافذا.
هذا، وأكد دفاع المتهمة، الأستاذ الحسن عيشوش، المحامي بهيئة الجديدة، حسب ما هو مضمن في القرار الجنائي الابتدائي، أن الوثيقة الممزقة هي ورقة عادية، لا تحمل توقيع الضابط ولا توقيع المتهمة، ولا رسمية لها، وأن الأمر يتعلق بوثيقة عادية، وليست رسمية. والتمس القول ببراءتها من أجل تمزيق وثيقة رسمية. وبخصوص إهانة موظف عمومي، فإن المتهمة أنكرت أمام المحكمة، وأمام قاضي التحقيق. والتمس القول ببراءتها من ذلك (..).
ومما جاء في تعليل قرار غرفة الجنايات الابتدائية، التي كان على رأسها الأستاذ عمر بشار، أن المحضر المذكور (محضر المواجهة الممزق)، مازال لم يوقع بعد، وبالتالي، مازال لم يكتسب قيمته الرسمية، التي تكتسب بتوقيع الموظف العمومي عليه، ووضع ختم الإدارة عليه. حيث إنه أمام عم اكتساب المحضر المذكور لصفته الرسمية، فإنه يعتبر ورقة عادية. وحيث إنه نظرا لعدم اكتساب الورقة الممزقة لرسميتها، فإن عناصر تمزيق وثيقة رسمية، تبقى غير قائمة. وتصرح المحكمة بعدم مؤاخذة المتهمة من أجلها، والحكم ببراءتها من هذه الجناية.
6/ قرار غرفة الجنايات الاستئنافية بالبراءة:
بثت غرفة الجنايات الاستئنافية في الملف الجنائي عدد: 224/17، بناء على الاستئناف المقدم من طرف النيابة العامة والمتهتمة، حسب الصكين عدد: 353 و356، وبتاريخ: 28 و30/06/2017، ضد القرار الجنائي الابتدائي رقم: 299، الصادر بتاريخ: 20/06/2017، في الملف رقم: 93/17.
وقد أصدرت غرفة الجنايات الاستئنافية قرارها عدد: 24/18، بتاريخ: 24/01/2018، والذي قضى بتأييد القرار المستأنف، بعدم مؤاخذة المتهمة من أجل تمزيق وثيقة رسمية، وبراءتها من هذه الجناية، مع تعديل العقوبة المحكوم بها، شهرين حبسا نافذا، من أجل جنحة إهانة موظف عمومي، (بجعلها) موقوفة التنفيذ.
وبالمناسبة، صرحت المتهمة أمام غرفة الجنايات الاستئنافية، في الجلسة التي عقدتها بتاريخ: 24/01/2018 أن الضابط المختص (حسن ب.) استعمل في حقها، أثناء إجراء البحث التمهيدي، العنف، وأنكرت تمزيق المحضر (محضر المواجهة).
وقد تم وضع ضابط الشرطة (حسن ب.)، رئيس القسم القضائي الخامس، بالقاعة المعدة للشهود، قبل أن ينادى عليه للمثول أمام الهيئة القضائية بغرفة الجنايات الاستئنافية. ومما جاء في شهادته، بصفته مصرحا وشاهدا، بعد أداء اليمين القانونية، أنه “وقع المحضر”، الذي نسب تمزيقه إلى (أسماء ك.) هو “وثيقة رسمية”، يحمل توقيعه وختم الإدارة. وقد تبين في حينه للهيئة القضائية أن المحضر، موضوع المتابعة الجنائية، وفق الفصل 592 من القانون الجنائي، لا يحمل، وعلى خلاف شهادة ضابط الشرطة (حسن ب.)، أي توقيع أو ختم. ما يجعل منها “ورقة عادية”، وليس “وثيقة رسمية”.
وقد أكد دفاع المتهمة، الأستاذ الحسن عيشوش، في مرافعته ودفوعاته أمام المحكمة، بعد عرض وقائع النازلة، أن المحضر الذي توبعت موكلته (أسماء ك.) بتمزيقه، غير موقع من طرف ضابط الشرطة الذي أنجزه (..). وهذا ما تبين لأعضاء الهيئة القضائية وممثل النيابة العامة، بعد الاطلاع على المحضر الممزق، المضمن في الملف الجانئي، المعروض على أنظار غرفة الجنايات الاستئنافية، التي جاء في تعليلها للقرار الجنائي الاستئنافي، الذي أصدرته، أن محاضر الضابطة القضائية هي أوراق رسمية، وأنها لا تحمل هذه الصفة إلا بعد أن تستوفي شروط الوثيقة الرسمية. أما قبل ذلك، فهي مجرد وثيقة عادية، وأن الورقة حتى تكون رسمية، يجب أن يشهد الموظف العمومي بصدورها عن السلطة العامة، أي بتوقيعها من طرف الموظف المختص، وختمها بختم الإدارة (..).
ودائما حسب تعليل غرفة الجنايات الاستئنافية، فإن الثابت من جذاذات ونتف المحضر المقدم على أنه الوثيقة التي تم تمزيقها، أنه (المحضر) غير موقع من قبل ضابط الشرطة ومختوم بختم الإدارة، بل أنه لم يتم توقيعه من أي طرف، وبالتالي، ليست له صفة الرسمية، ولا صفة المحضر. إذ لازال ورقة عادية، ليست لها أية قيمة قانونية. وحيث إنه بناء على ما سبق، وحسب القرار الجنائي الاستئنافي، فإن القرار المستأنف، عندما قضى ببراءة المتهمة من جناية تمزيق وثيقة رسمية، على أساس أن الورقة التي قامت بتمزيقها، لم تكتسب بعد صفة الرسمية، لأنها غير موقعة من طرف الموظف الذي أنجزها، فإنه (القرار المستأنف) صادف الصواب.

بعد البراءة.. شكايتان إلى الوكيل العام:

بعد أن ثبتت براءتها التامة بموجب قرار جنائي استئنافي لم يعد قابلا للطعن بالنقض، فيما يتعلق بتهمة تمزيق وثيقة رسمية، الجناية المنصوص عليها وعلى عقوبتها وفق الفصل 592 من القانون الجنائي، رفعت (أسماء ك.)، التي أصبحت تعيش “كابوسا مرعبا” من تبعات ما عاشته، في يقظتها ونومها، داخل وخارج السجن، إلى الوكيل العام باستئنافية الجديدة، شكايتين عن طريق البريد المضمون، على التوالي بتاريخ: 13/03/2018، و02/04/2018.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. و عليه،كان على المحكمة أن تأمر بإحضار الجاني و محاكمته بالتزوير و الشطط في إستعمال السلطة!
    و بالتالي،ينال هو العقوبة المشار إليها!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى